قضية انفصال إقليم كاتالونيا عن إسبانيا، والدعوة لإجراء استفتاء استقلال تحديد المصير مطلع أكتوبر المقبل، ماتزال محط اهتمام واسع، خصوصا وان هذه الدعوة قد أغضبت الحكومة الإسبانية وجعلتها تقيم إجراءات ضد البرلمانيين في برلمان كاتالونيا، الامر الذي سيسهم في خلق ازمة داخلية جديدة قد تؤثر سلباً على هذا البلد، حيث رفض رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي وكما نقلت بعض المصادر، بشكل قاطع إمكانية إجراء أي استفتاء في إقليم كاتالونيا بشمال شرق البلاد على استقلاله عن إسبانيا، ودعا الزعماء المحليين إلى الكف عن محاولات إجراء استفتاء العام المقبل.
وتعهد زعماء في كاتالونيا بإجراء استفتاء على الإنفصال بموافقة الحكومة المركزية أو بدونها على الرغم من أنهم يفضلون إجراء تصويت بالتراضي مثل التصويت الذي أجرته اسكتلندا في 2014. وصوت الاسكتلنديون وقتها لصالح البقاء ضمن المملكة المتحدة. وقال راخوي “من غير الممكن إجراء استفتاء يقضي على السيادة الوطنية والمساواة بين الأسبان” مضيفا أنه منفتح دائما على إجراء محادثات بشأن قضايا أخرى لكن القانون واضح بشأن عدم مشروعية إجراء استفتاء. وأضاف “لن يسفر هذا عن شيء.. أنا أعرض أمرا أكثر منطقية بكثير ألا وهو الحوار… أطلب عدم اتخاذ أي خطوات في الاتجاه المعاكس.”
وعزز ارتفاع معدل البطالة وإجراءات تقشفية عقب أزمة اقتصادية في البلاد الحركة الانفصالية المستمرة منذ وقت طويل في المنطقة الغنية الواقعة بشمال شرق البلاد. وأجرى سكان كاتالونيا تصويتا رمزيا على الاستقلال عن إسبانيا في عام 2014 في أعقاب وقف الحكومة المركزية لتصويت رسمي بالقانون. وصوت ما يقرب من مليونين من سكان الإقليم لصالح الانفصال لكن الإقبال على التصويت كان ضعيفا.
وتتميز منطقة كاتالونيا بمواصفات خاصة تجعل العديد من سكانها يرغبون في الانفصال عن إسبانيا، والذى يبلغ عدد سكانها 7.5 ملايين نسمة منها، لغتها الخاصة وثقافتها، كما تغطى مواردها الاقتصادية 20% من الناتج الإسباني، إلا أن الركود الاقتصادي في إسبانيا والشعور لدى الكتالونيين بأن ما يسددونه من ضرائب يفوق ما يحصلون عليه من استثمارات وتمويل من مدريد ساهما بشكل كبير في جعل قضية الانفصال محور الحياة السياسية في الإقليم بعد أن كانت مجرد قضية هامشية.
ويتكون الإقليم 4 مقاطعات وهي برشلونة وجرنادا ولاردة وطرغونة. معظم سكان كاتالونيا يعيشون فى برشلونة فبرشلونة هى المركز السياسي والاقتصادي وتعتبر المنطقة النابضة بالحياة وأيضا مكان جذب سياحي أوروبي.
عندما أصبحت اسبانيا جمهورية فى عام 1931 أعطيت كاتالونيا حكم ذاتي واسع فوراً خلال الحرب الاهلية الاسبانية وكانت كاتالونيا حينها معقل الجمهوريين الرئيسيين وسقطت برشلونة لقوى اليمين المتمثلة في الجنرال فرانسيسكو فرانكو فى عام 1939 كانت بداية نهاية المقاومة الاسبانية. السلطة التشريعية ممثلة في برلمان كتالونيا يتألف البرلمان من 135 نائباً يمثلون المقاطعات الأربع.
بلد جديد
وفي هذا الشأن جدد رئيس كاتالونيا الانفصالي كارلس بويغديمونت عزمه على اجراء استفتاء الاستقلال المحظور في الأول أكتوبر المقبل ودعا السكان الى المشاركة بكثافة في تظاهرة ا برشلونة “لبناء بلد جديد” بمناسبة يوم كاتالونيا.
وقال بويغديمونت في خطاب ألقاه أمام قيادة حزبه، قبل أسابيع من موعد استفتاء تقرير المصير الذي يريد اجراءه مهما كلف الأمر في منطقته الواقعة في شمال شرق اسبانيا، “كل قوة الدولة باتت ضدنا”. وأضاف “رغم كل الملاحقات القضائية والتهديدات، هناك متطوعون ورؤساء بلديات ملتزمون” في كاتالونيا “اكثر من قبل” من أجل اجراء هذا الاستفتاء بالإضافة الى “عزم أكبر لدى الحكومة الاقليمية”.
ويأتي كلام بويغديمونت غداة فتح تحقيق قضائي يتناول احتمال ارتكابه جرائم “تمرّد” و”إخلال بواجبات الوظيفة” و”إختلاس اموال عامة”. وأكد رئيس الوزراء الاسباني المحافظ ماريانو راخوي من جهته أن الانفصاليين الكاتالونيين معزولون في الاتحاد الاوروبي. وقال خلال اجتماع للحزب الشعبي المحافظ “أصبحوا غرباء في أوروبا”، مضيفا ان الانفصاليين الكاتالونيين “ليس لديهم أي دعم و(يثيرون) الرفض والذهول”. واعتبر الزعيم المحافظ أن ما فعلوه “غير قانوني ومناهض للديموقراطية” عندما تبنوا “فجأة” قوانين اقليمية بهدف اجراء استفتاء وطرح إمكان تأسيس “جمهورية كاتالونية” اذا أتت نتيجة الاستفتاء ايجابية.
وكرر راخوي “لن يكون هناك استفتاء، سأقوم بكل ما هو ضروري (لمنع اجراء الاستفتاء)، فمن واجبي (…) الحفاظ على الوحدة الوطنية”. ودعا المروجين للاستفتاء “الى التراجع” عن موقفهم مؤكدا “أننا بذلك نتجنب أكبر الشرور”. وينتمي راخوي الى الحزب الشعبي، الأول في البلاد بعد أن حصد 33% من الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة في 2016. الا أنه لم يحصل الا على 13% من الأصوات في كاتالونيا. ويتهم الإنفصاليون الحزب الشعبي باخضاع المنطقة لسنوات من “الإذلال”، بعد أن تمكن من انتزاع قرار من المحكمة الدستورية عام 2010 يقضي بتقليص صلاحيات كاتالونيا الواسعة التي منحها إياها البرلمان الاسباني.
وعلقت المحكمة الدستورية التي كانت أعلنت العام 2014 أن أي استفتاء تقرير مصير في أي مدينة هو مبدأ غير دستوري، النصوص التي تبناها البرلمان الكاتالوني لتنظيم الاستفتاء. وأكدت رابطة البلديات المستقلة أن من أصل 948 بلدية في كاتالونيا “اعلنت 674 دعمها للاستفتاء”. لكن برشلونة، عاصمة كاتالونيا التي تعدّ وحدها 1,6 مليون نسمة، رفضت ان تكشف ما اذا كانت ستفتح مكاتبها (للتصويت)، طالبة من الحكومة الاقليمية مزيدا من المعلومات.
وانتقدت رئيسة بلدية برشلونة اليسارية أدا كولو “عدم قدرة أو غياب ارادة” راخوي لناحية ايجاد “حل سياسي لصراع سياسي”، لكنها دعت الزعماء الانفصاليين بطريقة غير مباشرة الى “تغليب الهدف على الوسائل” و”ترك نصف كاتالونيا جانبا”. وقرر تحالف اليسار الذي تنتمي اليه كولو ان يتشاور مع اعضائه لاتخاذ قرار “المشاركة (أو عدمها) في تحرك الأول من أكتوبر”.
ولا تزال المنطقة التي تعدّ 7,5 مليون نسمة وتشكل 20% من الناتج المحلي الإجمالي الاسباني منقسمة. بحسب فرانس برس.
وأفاد معهد دراسات استطلاعات الرأي الكاتالوني أن استفتاء أجري في حزيران/يونيو في كاتالونيا طرح السؤال التالي “أتريدون أن تصبح كاتالونيا دولة مستقلة؟”. وقد أظهرت النتائج أن 41,1% من الكاتالونيين أجابوا “نعم” فيما أجاب 49,9% منهم “كلا”. وكتب مدير صحيفة “لا فانغوارديا” الوطنية الأكثر انتشارا في كاتالونيا والتي تأسست في القرن التاسع عشر في برشلونة، في افتتاحية السبت “الخلاف الكاتالوني أصبح يشبه أكثر فأكثر متاهة لا مخرج منها”، معتبرا ان “من بنوها كانوا من هنا (برشلونة) ومن هناك (مدريد)، وكأنه محكوم عليهم عدم الالتقاء”.
اتهامات واجراءات
على صعيد متصل قال ممثلو ادعاء إسبان إنهم سيوجهون اتهامات جنائية لأعضاء في برلمان كاتلونيا في إطار مساعي مدريد لسحق خطط الإقليم لإجراء استفتاء على الاستقلال. وقال رئيس الوزراء ماريانو راخوي إنه لجأ للمحكمة الدستورية لإعلان أن الاستفتاء غير دستوري. وينص دستور عام 1978 على وحدة أراضي إسبانيا. وقال راخوي في مؤتمر صحفي ”هذا الاستفتاء لن يتم أبدا… ونحن، بتقديمنا الالتماس، ندافع عن حقوق جميع الإسبان وجميع الكاتلونيين“.
وصوتت أغلبية برلمان كاتلونيا لصالح إجراء الاستفتاء يوم الأول من أكتوبر تشرين الأول في جلسة عاصفة غادرتها الأحزاب الرئيسية قبل التصويت وأنشد فيها المؤيدون للاستقلال النشيد الكاتلوني.
وقال مكتب المدعي العام الإسباني إنه سيوجه اتهامات جنائية لأعضاء بارزين في برلمان لسماحهم بإجراء التصويت. وقال المدعي العام خوسيه مانويل مازا للصحفيين إنه طلب من قوات الأمن التحقيق في أي استعدادات من جانب حكومة كاتلونيا لإجراء الاستفتاء. وقد يشمل ذلك طبع منشورات أو تجهيز لجان الاقتراع.
من جانب اخر نفذ الحرس المدني الاسباني عمليات دهم في مقرّ صحيفة صغيرة في مدينة في مقاطعة كاتالونيا، بعد الاشتباه بطبعها بطاقات متعلقة باستفتاء تقرير المصير المحظور والذي كان مقررا في الأول من أكتوبر.
وحصلت عملية البحث في مدينة فالس التي تعدّ 24 ألف نسمة والمؤيدة لرابطة البلديات المستقلة المستعدة لفتح مكاتبها للتصويت في الأول من أكتوبر.
وقرر مئات الأشخاص التظاهر أمام مكاتب الصحيفة هاتفين “سنصوّت” و”استقلال”. وقد لوحوا بأعلام الاستقلاليين أمام صندوق اقتراع رمزي مصنوع من الكارتون وغنوا النشيد الكاتالوني. وأكد متحدث باسم الحرس المدني في تاراغونا أن “الحرس المدني نفد عملية دهم في مكاتب صحيفة إلفايينك الأسبوعية” من دون تحديد هدف التفتيش.
وقالت وسائل إعلام اسبانية إن قوات الامن كانت تبحث عن بطاقات اقتراع. بحسب فرانس برس.
وأشار الرئيس الكاتالوني الانفصالي كارلس بويغديمونت الى عمليات التفتيش خلال خطاب عدائي ألقاه أمام أعضاء حزبه السياسي. وقال بويغديمونت “بامكانهم تفتيش المطابع أو تطويق وسائل الإعلام بالحراس المدنيين، سنتفوق عليهم ديموقراطيا وسلميا كما يحصل دائما (في تظاهرة لا ديادا) وكذلك في الانتخابات في الأول من أكتوبر”.
ونفذ الحرس المدني عملية تفتيش في مطبعة في المقاطعة ذاتها. وصرّح محامي المطبعة توماس جيلبير “لم يجدوا شيئا”.
وقال جيلبير ان قوات النظام دهمت المطبعة بعد نشر موقع الكتروني معلومات تفيد بأن صحيفة “إل فالينس” الأسبوعية” متورطة بطبع بطاقات الاقتراع. وتتم عملية طباعة الصحيفة في هذه المطبعة.
اقتصاد اسبانيا
الى جانب ذلك ذكرت دراسة نشرتها صحيفة الباييس الإسبانية أن نحو ثلاثة أرباع قادة الأعمال الإسبان يخشون أن يتضرر اقتصاد إسبانيا نتيجة مساعي كاتلونيا لإجراء استفتاء على الاستقلال. ووصفت مدريد مساعي حكومة كاتلونيا بأنها غير قانونية.
وتسعى المنطقة الواقعة بشمال شرق إسبانيا لإجراء استفتاء على الاستقلال وإذا جاءت النتيجة بالموافقة تعلن الاستقلال من جانب واحد في غضون 48 ساعة.
وقالت الحكومة الإسبانية إن كاتلونيا ستخسر حق إنفاق بعض الأموال العامة إذا استخدمت المال في الإعداد للاستفتاء الشعبي غير المصرح به. وأشار مسح الشركات الذي أجرته شركة ديلويت لصالح الباييس إلى أن 74 بالمئة بين 265 من قادة الأعمال الذين جرى استطلاع رأيهم في أنحاء البلاد يعتقدون أن حركة الاستقلال تهدد اقتصاد إسبانيا في حين يوافق عليها 43 بالمئة ممن هم في قطالونيا. وأوضح المسح أنه رغم المخاوف من الوصول إلى طريق مسدود بشأن كاتلونيا فإن الثقة في النمو الاقتصادي بإسبانيا ما زالت كبيرة. بحسب رويترز.
وقال ثمانية من كل عشرة مديرين جرى استطلاع رأيهم إن الاقتصاد تحسن في النصف الأول من العام ويتوقع سبعة من كل عشرة أن يتحسن بشكل أكبر خلال النصف الثاني من العام عنه في الشهور الستة الأولى. وتجاوزت إسبانيا التوقعات بشأن الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقال صندوق النقد الدولي إنه يتوقع أن ينمو الاقتصاد الإسباني نحو 2.5 بالمئة في 2018 مرتفعا عن توقعاته السابقة البالغة 2.1 بالمئة.