أفخر أنواع القهوة مصنعة من فضلات القطط
A A
رغم أن أصل القهوة يعود إلى إندونيسيا والفلبين، خاضت الهند، التي تعد ثالث أكبر دولة منتجة للقهوة، مجال زراعة القهوة التي تشتهر باسم «كوبي لواك» أو قهوة القط. وتعد القهوة المصنوعة من الفضلات، التي يُطلَق عليها اسم «كوبي لواك» في إندونيسيا، من أكثر أنواع القهوة غرابةً في العالم.
خلال العشر سنوات الماضية أسرت قهوة «كوبي لواك» قلوب المستهلكين على مستوى العالم، بل واستولت على محافظ نقودهم أيضاً، حيث يتراوح سعر كوب القهوة في كل من نيويورك ولندن بين 30 و100 دولار، في حين أن الكيلوغرام من حبوب هذه القهوة محمصاً قد يصل إلى نحو 130 دولاراً في إندونيسيا، وأكثر من ذلك بمقدار خمسة أمثاله في مناطق أخرى.
ونظراً لما تتمتع به هذه القهوة من شعبية في دول الخليج، وأوروبا، وجنوب شرقي آسيا بات لها سوق كبيرة، بل توجد مقاهٍ متخصصة في تقديم قهوة فضلات القط. ويقال إن هذا النوع من القهوة ذو مذاق قوي ورائحة نفاذة جداً، بل يصل الأمر ببعضهم إلى القول إنها تثير الرغبة الجنسية.
– هل يبرر هذا ثمنها الباهظ؟
السبب وراء ارتفاع سعر هذا النوع من القهوة هو قلة المعروض مقابل زيادة الطلب عليها، فضلاً عن مذاقها الفريد، وطرق إنتاجها غير الاعتيادية. يمكن لقطط الزباد نظراً لصغر حجمها تناول كميات صغيرة من حبوب البن الخضراء يومياً، لذا لا تكون كمية الحبوب التي يتم معالجتها كبيرة. عند زيارة كاتبة هذه السطور مزارع القهوة في «كورغ»، كان غودار، وهو أحد العمال، يمسك قطعة من فضلات قط في حجم قبضة اليد، وسرعان ما بدأ بفصل الأجزاء البيضاء الكبيرة عنها بعناية كبيرة. القطع المتبقية ما هي إلا بذور القهوة الكاملة التي لم يتم هضمها في أمعاء القطط، والتي اختارت بدقة تناولها منذ فترة تتراوح بين 24 و36 ساعة. وبات سعرها حالياً يتراوح بين 500 و600 دولار للكيلو.
– التاريخ
هناك صلة وثيقة بين أصل الـ«كوبي لواك» وتاريخ إنتاج القهوة في إندونيسيا؛ ففي بداية القرن الثامن عشر، أنشأ الهولنديون مزارع تجارية للقهوة في مستعمرتهم في جزيرتي جاوة وسومطرة في الهند الشرقية الهولندية، ويشمل ذلك القهوة العربية الآتية من اليمن. وخلال حقبة نظام الزراعة (1830 – 1870)، منع الهولنديون المزارعين الأصليين والعمال في المزارع من حصاد ثمار القهوة لاستخدامهم الشخصي. مع ذلك أراد المزارعون الأصليون تذوق مشروب القهوة، وسرعان ما عرفوا أن أنواعاً بعينها من قط الزباد، أو اللواك الآسيوي، تتناول ثمار أشجار القهوة، لكنها لا تهضم بذور النبات، لذا تخرج كاملة مع الفضلات. بدأ السكان الأصليون في جمع فضلات بذور القهوة، وتنظيفها، وتحميصها، وطحنها، واستخدامها في إعداد مشروب القهوة. ذاعت شهرة هذه القهوة ذات الرائحة النفاذة بفضل السكان المحليين، ووصلت إلى أصحاب المزارع الهولنديين، وسرعان ما أصبح هذا النوع هو المفضل إليهم، لكن نظراً لندرته، وللعملية الاستثنائية اللازمة لصنعه، أصبحت هذه القهوة باهظة الثمن حتى أثناء الحقبة الاستعمارية.
– ما الذي يميز هذه القهوة؟
لدى قط الزباد ذيل طويل مثل القرد، وعلى وجهه خطوط تشبه تلك الموجودة على وجه حيوان الراكون، وعلى جسمه خطوط أو نقاط. ومن المعروف عن هذا النوع من الحيوانات تجوله حول مزارع القهوة، مما جعله يستسيغ مذاق حبوب القهوة الخضراء. ولدى قط الزباد قدرة غريزية على شمِّ الأنواع الأفضل وتناولها. وفي الوقت الذي يستطيع فيه هضم الثمار، تظل بقايا الحبوب سليمة في معدته، وتتخمر، وتختلط بإفرازات غدة توجد في كيس داخل البطن، وتحلل الإنزيمات الموجودة في الجهاز الهضمي الثمار، لكن يتخلص القط من البذور كاملة. وبعد قضاء تلك المواد يوم ونصف اليوم في الجهاز الهضمي للحيوان تخرج على شكل كتل محتفظة بقوامها، لكنها تظل مغطاة ببعض الطبقات الداخلية لجسم الثمرة، ولا يصل إليها أي تلوث أو ضرر، لكن بإضافة بعض الشوكولاته والإسبريسو تصبح ذات مذاق رائع يروق للشاربين.
رغم اتصال هذا النوع من القهوة بالفضلات، والكائنات المسببة للأمراض، تحتوي بذور القهوة على كميات لا تُذكَر من الكائنات الدقيقة المسببة للأمراض المتعلقة بالفضلات. كذلك لا يتم هضم الغلاف الخارجي المحيط بالبذرة بالكامل، وبعد جمعه يغسله المزارعون جيداً، ويزيلون هذا الغلاف. كذلك تقضي عملية التحميص الأخيرة للحبوب على أي بكتيريا باقية.
يقول نارندرا هيبار، مدير شركة ناشئة تسمى «كورغ كونسوليديتيد كوفي»: «يساعد قط الزباد في توفير القيام بعدد من العمليات اليدوية، وتكون النكهة أقوى وأفضل من القهوة العادية. سبب ارتفاع سعرها على هذا النحو هو محدودية الكمية المتوفرة منها، وصعوبة جمعها في مزارع فعلى مساحة 20 فداناً، قد تجد ما يتراوح بين 5 و6 كيلوغرامات فقط من تلك الحبوب». وأضاف أن موسم قهوة الـ«كوبي لواك» قصير، حيث يمتد من أكتوبر (تشرين الأول) إلى مارس (آذار). وكذلك أوضح قائلاً: «هناك أربعة أنواع من قطط الزباد في الهند، اثنان منهما نباتيان، واثنان غير نباتيين. يأكل النوع النباتي حبوب القهوة الخضراء لكنه لا يأكل سوى الناضجة منها فقط، وبالتالي يصبح موسم حصاد القهوة العربية موسم حصاد قهوة القط. إلى جانب ذلك، يمكن أن يؤثر تغير مواسم تساقط الأمطار على فترة نضج الحبوب التي تفتقدها القطط بسبب تأخر وصولها إلى المزارع».
سوف تكون القهوة، التي تعتزم شركة «كورغ كونسوليديتيد كوفي» بيعها خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل وما بعده، متنوعة وتعتمد على القطط البرية، لا القطط الموجودة داخل أقفاص، مما يجعلها أفضل للصحة، وذات مذاق أفضل أيضاً.
يوضح هيبار قائلاً: «تتعرف قطط الزباد على أفضل الحبوب، وإذا وضعتها في أقفاص وقدمت لها الحبوب التي انتقاها البشر، فلن تكون النتيجة مماثلة. كذلك من القسوة وغير المناسب بيئياً حبس القطط البرية داخل أقفاص». يأمل هيبار أن يحصد نصف طن خلال العام الحالي، ويعني ذلك زيادة المحصول عن محصول 2015 – 2016 الذي بلغ 60 كيلوغراماً. يقول نيشانت غورجير، مزارع قهوة من الجيل السادس من تشيكماغالور، ولاية كارناتاكا: «تشهد سوق القهوة الهندي في الخارج نمواً كبيراً، ولا يقتصر ذلك على القهوة العادية القوية والعربية، بل أيضاً على الأشكال المختلفة لمزيج القهوة الفريد». مع عرض قهوة فضلات القط، والحبوب الجديدة التي مصدرها منطقة واحدة، والأشكال المختلفة من مزيج القهوة المحمصة، بدأت القهوة الهندية اختباراً لحدودها.
ويوجد في مزارع «وتابي» العضوية المملوكة لـ«تي إس غانيش» في ولاية كارناتاكا كثير من ذلك النوع من «القطط». ويجمع العمال في المزارع فضلات القط، ويغسلونها جيداً قبل معالجة حبوب القهوة. الاسم التجاري لهذا النوع من القهوة هو «كاري بيك»، ويمكن القول إنه النسخة الهندية من قهوة الـ«كوبي لواك». ويقول هاريس بيجور، محب القهوة، والخبير في العلامات التجارية لها، إن الحيوانات هي أفضل من ينتقي القهوة، حيث تختار الحبوب الناضجة التي يتم معالجتها بعد ذلك بطريقة طبيعية بفعل إنزيمات الجهاز الهضمي. ويضيف قائلاً: «أي قهوة مصدرها الفضلات هي قهوة متفردة. تأتي القهوة المعالجة بطريقة طبيعية مقابل سعر باهظ».
– استغلال القطط
أعرب محبو القطط، وإن لم يكن ذلك في الهند، عن اعتراضهم على استخراج القهوة بهذه الطريقة التجارية. يتم أسر قطط الزباد في البراري، ووضعها في أقفاص داخل مزارع القهوة في إندونيسيا وتايلاند بالأساس مما يتسبب في مشكلات صحية خطيرة للحيوانات. ووصفت دراسة تم نشرها أخيراً في دورية «رخاء الحيوان»، إنتاج قهوة فضلات القط بأنه «صناعة قائمة على العبودية».
ويذكر موقع «كوارتز» الإلكتروني أنه في الوقت الذي تتناول فيه قطط الزباد حبوب القهوة كوجبة خفيفة ضمن نظام غذائي متوازن، يتم إطعام القطط الأسيرة داخل الأقفاص بكميات كبيرة من الحبوب غير الناضجة. قد تعاني الحيوانات الليلية بسبب الحبس في أقفاص خانقة معرضة لضوء الشمس. ويضيف أنه حين يتم إثارة القطط تتقاتل مع بعضها، وتقضم أرجلها، حيث تم العثور على دم في برازها.
كذلك تصاب كثير من القطط بالمرض، وتموت بسبب الحزن. كذلك قام باحثون في وحدة أبحاث الحفاظ على الحياة البرية التابعة لجامعة «أكسفورد»، ومنظمة «حماية الحيوان العالمية» غير الهادفة للربح ومقرها لندن، بتقييم الظروف المعيشية لنحو 50 قطّاً من قطط الزباد المحبوسة داخل أقفاص بـ16 مزرعة في بالي. الهند القهوة