عبارة بسيطة ينطقها ناجح قد تتحول لثروة، هذا ما حدث منذ أيام قليلة حين بيعت ورقتان بخط ألبرت أينشتاين فى دار للمزادات مقابل 1.56 مليون دولار، وكان عالِم الفيزياء قد أعطاهما لساعى بريد فى طوكيو عام 1922 بدلا من البقشيش. كتب أينشتاين ملاحظتين، مستخدما ورق فندق إمبريال فى طوكيو، حيث كان ينزل: «ستجلب حياة هادئة متواضعة سعادة أكبر من السعى وراء النجاح والقلق الدائم الذى يأتى معه»، و«عندما توجد عزيمة، توجد وسيلة لتحقيق ما تصبو إليه».
وأنا أقرأ العبارة الأولى، تذكرت مقالا كتبته منذ سنوات بعنوان: «أهمية أن تكون عاديا»، نشره لى الكاتب أحمد بهجت، فى زاويته اليومية «صندوق الدنيا» فى جريدة الأهرام، وكان يدور حول نفس المعنى: قيمة الحياة البسيطة الهادئة بعيدا عن المنافسة، وتأملت الموقف، فرق شاسع حين يكون الكاتب أينشتاين وصحفية صغيرة، أعداد كبيرة من البشر قد تشترك معا فى نفس الأفكار والأهداف، لكن لن يُستمع إلا لمَن له تجربة ناجحة ومؤثرة، الفاشل يكتفى بنصيحة: «لا تفعلوا مثلى حتى لا تكونوا مثلى».
الرئيس الصينى الحالى، شى جينبينج، استطاع أن يُدخل الصين مرحلة جديدة على الساحة الدولية، تتميز بتعاظم نفوذها خارجيا ولعب دور أكبر على الصعيد الدولى. وترافق ذلك مع شن حملة واسعة على الفساد المتفشى، وفى نفس الوقت يُثار حوله الكثير من الانتقادات بالنسبة لملف حقوق الإنسان وحرية التعبير، هذا الرجل قدم نموذجا ناجحا فى إدارة البلاد تشوبه بعض الأخطاء، مثله مثل أردوغان فى تركيا، الذى استطاع أن يجعل من اقتصاد بلاده السادس فى أوروبا والـ16 على مستوى العالم، كل حكام العالم (فى الجمهوريات والممالك) يعرفون عن ظهر قلب القاعدة الذهبية للحكم: حين يكون وضع الاقتصاد جيداً، يتسامح المواطن مع السياسات الأخرى، لكن حين يكون الوضع الاقتصادى سيئا تصبح الأخطاء فى المجالات الأخرى مثل حقوق الإنسان والحريات مُضاعَفة وتتصدر المشهد، ويصبح التغاضى عنها غير مبرر.
رجل الشارع البسيط فى مصر لا يهتم كثيرا بهامش حرية التعبير الذى انخفض فى مصر، فهو لا يقرأ الصحف ويتابع غالبا المسلسلات والأفلام والبرامج الحوارية فى الفضائيات التابعة لرقابة الدولة، لكنه يهتم بقدرته الشرائية التى تضاءلت مع تعويم الجنيه وتضاعف أسعار السلع الأساسية والأدوية والكهرباء والماء، هؤلاء غاضبون، أصحاب المشاريع الصغيرة أيضا غاضبون لعدم قدرتهم على الاستمرار مع ارتفاع سعر مدخلات التصنيع المستوردة والنتيجة إغلاق مئات المصانع الصغيرة، مَن لهم علاقة بالسياحة وتأثرت معيشتهم من تدهور حال السياحة بسبب الإرهاب وضغط بعض الدول على مصر بإيقاف رحلاتهم السياحية غاضبون، عامة الناس غاضبون من التعامل السيئ فى أقسام الشرطة، النشطاء وأقارب المسجونين السياسيين، سواء إسلاميون أو من شباب الثورة، غاضبون من القوانين التى يتم التعامل معهم على أساسها وفرض حالة الطوارئ التى تضع الجميع تحت المراقبة وإمكانية القبض على أى شخص تُثار حوله شبهات والتحفظ عليه أياما وشهورا أو سنين احتياطيا، النخبة المثقفة والمهتمة بالحراك السياسى وتداول السلطة غاضبة من خفض سقف حرية التعبير وانغلاق المسارات وتهميشها وانفراد النظام بالحكم. تلك الفئات لا يمكنها أن تستمع لنصائح النظام وحكومته، ولكلٍّ منهم أسبابه، العامل المشترك أن الجميع متفق على فشل النظام وحكومته فيما يخصه.. وبالطبع توجد فئات أقل عددا متعاطفة مع النظام والحكومة بسبب خوفهم من عدم الاستقرار وغياب الأمن أو لأنهم أصحاب منفعة.