القرارات الكبيرة التى جرى اتخاذها، أمس الأول، تقول إن عملية الواحات كانت مؤلمة لأهل القرار فى البلد، بمثل ما كانت موجعة لعموم المصريين.. ولا أعرف لماذا رأيتها شبيهة بالقرارات التى اتخذها مبارك بعد عملية الأقصر فى عام ١٩٩٧؟!.. إن بينهما على كل حال وجوه شبه كثيرة!.
غير أن الأهم فى قرارات، أمس الأول، التى فاجأت الناس، شيئان أساسيان، أولهما أنها جاءت بعد مرور أسبوع كامل على العملية، وبالتالى فإنها استندت إلى العقل، أكثر مما اندفعت بعاطفة اللحظة!.
والشىء الثانى أنها قالت بلسان واضح، إن التقصير الذى ثبت، لا يجوز أن يمر دون حساب، وإلا، فإن ما جرى الجمعة قبل الماضى فى صحراء الواحات، يصبح قابلاً للتكرار!.
ولو أن صاحب القرار اتخذها هى نفسها، يوم سقوط الشهداء والمصابين، لكانت قد جاءت متسرعة، ولكانت قد أخذت فى طريقها المخطئ والمصيب معاً، ولكانت قد حرمت مُتخذ القرار من فرصة التوقف الهادئ أمام الحدث الضخم، ليرى ماذا بالضبط دار فى صحراء الواحات، وماذا بالضبط أيضاً أوصل الأمور يومها إلى ما وصلت إليه؟!.
وليس سراً أن قلقاً هائلاً استبد بالملايين من المواطنين، يوم العملية، ثم بعدها، ولم يكن سبب القلق، عدد الشهداء الكبير، ولا عدد المصابين الكبير كذلك، فلقد تعودت مصر على مدى سنوات، أن تدفع راضية ثمن وقوفها فى وجه الإرهاب المتستر بالدين!.
وإنما كان السبب أن شعوراً من نوع ما، تسرب إلى وجدان مصريين كثيرين، بأن التقصير الذى بدا واضحاً من أول العملية إلى آخرها، سوف يمر، شأن أشياء كثيرة من حولهم تمر!.
ولما جاءت قرارات الثامن والعشرين من أكتوبر، على ما جاءت عليه، ردت الكثير من الثقة إلى الذين كانوا قد فقدوها، أو كادوا أن يفقدوها!.
والأمانة تقتضى أن نقول إن هذه القرارات على قوتها، ليست كافية وحدها لمنع تكرار مأساة الواحات مرة ثانية، وأن ما يمنع تكرارها حقاً، هو أن تعمل الدولة فى كل مستوى، على ترجمة ما قاله الرئيس أثناء زيارته الأخيرة إلى باريس، عن الطريقة الأفضل لمقاومة الإرهاب كظاهرة!.
فالرئيس قال إن الحلول فى مواجهة الإرهاب الذى يضرب العالم فى كل اتجاه، يجب أن تكون حلولاً سياسية بالأساس، لأن المواجهات الأمنية والعسكرية مهمة، دون شك، ولكنها ليست الأساس، ولن تكون.. هذا كلام مهم صدر عن رأس الدولة المصرية، فى العاصمة الفرنسية، وهو كلام يعنينا نحن قبل أن يعنى أى أحد فى العالم، ولابد أن على الذين يعنيهم الأمر فى هذا الوطن، أن يأخذوه بجد عن الرئيس، وأن يترجموه حياً على الأرض!.
المواجهة مع الإرهاب على المستوى الأمنى وحده، تأخذنا إلى وضع دائرى، لا نهاية له أبداً، وهذا هو الواضح الآن لكل ذى عينين، لأن الإرهاب يبدأ فكرة، ويتحول إلى رصاصة، والتعامل الصحيح يكون مع الأصل، لا الفرع!.
نحن أحوج الناس إلى ترجمة كلام الرئيس فى باريس!.