أكدت الهيئة العامة للاستعلامات، أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى الجارية لقبرص تحمل أبعادا مهمة على أصعدة عدة، فمن حيث التوقيت تأتى فى مرحلة بالغة الدقة، بالنظر إلى ما تمر به منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط من تطورات مهمة تؤثر على أمن ومصالح دول المنطقة، التى تشهد على ما يبدو إعادة تشكيل أنماط وتوازنات القوى فيها.
وأشارت الهيئة، فى تقرير أعدته اليوم الاثنين، إلى أن العلاقات المصرية القبرصية تتسم بأبعاد متعددة، استراتيجية وأمنية واقتصادية، تستمدها من الخصائص الجيوسياسية لموقع مصر وقبرص الجغرافى والاستراتيجى، ثم من طبيعة العلاقات المصرية القبرصية ومسيراتها التاريخية بكل أنماط التعاون والتفاهم لصالح البلدين والاستقرار فى المتوسط والشرق الأوسط، كما تستمدها من الشراكة الجديدة التى انطلقت بين البلدين خلال السنوات الأربع الأخيرة فى مجالات الاقتصاد والتعاون، لاستثمار ثروات البحر المتوسط على نحو يحقق مصالح الطرفين ويحفظ حقوق كل منهما.
وتابعت هيئة الاستعلامات بيانها، بالقول: “الجانب القبرصى أعلن أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لنيقوسيا ستتضمن عقد قمة مصرية يونانية قبرصية، وهى القمة الخامسة، وقد أصبحت بمثابة مؤسسة مستقرة للتواصل والتفاهم السياسى والاستراتيجى والاقتصادى بين الدول الثلاثة التى تمثل ثلاثة أضلاع مهمة جغرافيا واستراتيجيا، على صعيد الأمن والسياسة والاقتصاد فى شرقى البحر المتوسط.
علاقات متميزة بين مصر وقبرص
رصدت الهيئة العامة للاستعلامات فى تقريرها، مراحل وجوانب العلاقات العديدة بين مصر وقبرص، فمن الناحية التاريخية ترتبط مصر وقبرص بعلاقات صداقة تاريخية، إذ كانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت بجمهورية قبرص فور استقلالها، وتبادل البلدان العلاقات الدبلوماسية فى العام 1960، الأمر الذى جعل علاقات البلدين تتسم بالتميز، وأسهم فى تعزيز هذه العلاقات القرب الجغرافى والتمازج الحضارى والثقافى بين البلدين، وتنوعت أهم أوجه العلاقات التى استعرضها التقرير.
علاقات سياسية وتفاهم مشترك بين البلدين
تميزت العلاقات السياسية بين مصر وقبرص بتنسيق المواقف بينهما فى القضايا المختلفة، والتعاون فى المحافل الدولية والإقليمية، خاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، وتبادل تأييد الترشيحات لعضوية اللجان الدولية المختلفة، وفى نطاق مواز لذلك وقع البلدان بروتوكولا للتشاور السياسى بين وزارتى الخارجية فى 2002، عُقدت بموجبه ثلاث جولات من المشاورات آخرها بالقاهرة فى يونيو 2011.
– شهدت مصر وقبرص لقاءات قمة لدعم وتوطيد العلاقات بين البلدين، خاصة فى السنوات الأخيرة، ففى 23 سبتمبر 2014 استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى الرئيس القبرصى نيكوس أنستاسيادس، فى نيويورك الأمريكية على هامش أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأشاد الرئيس القبرصى خلال اللقاء بالموقف المصرى إزاء المشكلة القبرصية فى منظمة التعاون الإسلامى، مؤكدا عمق العلاقات المصرية القبرصية، سواء على الصعيد الثنائى أو من خلال المواقف القبرصية المؤيدة لمصر فى إطار الاتحاد الأوروبى، وأصدر الرئيسان بيانًا مشتركًا عقب اللقاء، تضمن تأكيد قبرص دعمها لخارطة المستقبل التى أقرها الشعب المصرى، وتوافق رؤى الجانبين على أهمية تعاون القوى المعتدلة للتعامل مع التحديات الإقليمية، والقضاء على الإرهاب.
– فى نوفمبر 2014 اتفقت مصر وقبرص واليونان على تكثيف الاتصال والتنسيق فى كل المحافل الإقليمية والدولية، لحماية المصالح المشتركة وتعزيز الاستفادة من العضوية المشتركة فى التجمعات الدولية، وتكثيف الجهود لمكافحة الجماعات الإرهابية والقوى الداعمة لها، وسبل تعزيز هذه الجهود، فضلا عن الوضع فى ليبيا وكيفية تدعيم المؤسسات المنتخبة.
– فى ديسمبر 2015 انعقدت أعمال القمة الثلاثية بالعاصمة اليونانية أثينا، بمشاركة الرئيس السيسى ورئيس قبرص نيكوس أنستاسيادس ورئيس وزراء اليونان أليكسيس تسيبراس، وجاءت القمة فى إطار حرص الدول الثلاثة على دورية انعقادها، من أجل الارتقاء بمستوى العلاقات الاستراتيجية والتاريخية التى تجمعها، والبناء على ما تحقق من نتائج إيجابية خلال القمة الثلاثية الأولى التى عُقدت بالقاهرة فى نوفمبر 2014، والقمة الثانية التى استضافتها قبرص فى أبريل 2015.
– فى أكتوبر 2016 أكدت الحكومة اليونانية أهمية القمة الثلاثية التى استضافتها القاهرة، بين مصر واليونان وقبرص، وكانت الرابعة من نوعها بين زعماء الدول الثلاثة، فى إطار آلية التعاون الثلاثى، ما يدل على استمراريتها ومدى الإمكانيات الكبيرة التى تتمتع بها على المستوى الإقليمى.
تبادل اقتصادى وتجارى مصرى قبرصى
ارتفع حجم التبادل التجارى بين مصر وقبرص، خلال الفترة من يناير حتى يوليو 2017، ليبلغ 41.3 مليون يورو، مقابل 29 مليون يورو خلال الفترة ذاتها من العام الماضى، بنسبة نمو تبلغ 42.4%.
– زادت صادرات مصر السلعية والبترولية لقبرص، خلال السبعة شهور الأولى من العام الجارى، لتسجل 22.5 مليون يورو، مقابل 20.5 مليون يورو فى الفترة ذاتها من العام 2016 بنسبة زيادة 10%.
– حققت الصادرات السلعية المصرية طفرة كبيرة لتبلغ قيمتها 22.5 مليون يورو خلال الشهور السبعة المذكورة، مقابل 12 مليون يورو فقط فى الفترة المناظرة من العام 2016 بنسبة زيادة 88%.
– أدى التعاون الاقتصادى والتجارى بين البلدين لظهور منتجات جديدة على قائمة الصادرات المصرية لقبرص، تشمل هياكل وأجزاء المراكب وسفن الكروز والرحلات، إذ يتم تصنيع هذه الهياكل فى ورش بمدينة دمياط، إضافة إلى منتجات أخرى جديدة مثل أجزاء المبانى الجاهزة والمستلزمات الطبية.
– تضاعفت الصادرات المصرية من الخضروات والفاكهة، الطازجة أو المعلبة والمحفوظة، نتيجة للجهود الترويجية لمكتب التمثيل التجارى المصرى فى قبرص، الذى ركز على هذا القطاع التصديرى المهم فى مصر، وبالتعاون مع الشركات المصرية المصدرة على مدار العام.
– ارتفع حجم الصادرات المصرية من لفائف الحديد والصلب والكابلات، نظرًا لتعافى قطاع المقاولات القبرصى الذى يتسم بالديناميكية والخبرات العريضة، ونشاطه داخليًا وإقليميًا، إذ عاودت هذه الشركات نشاطها عقب الأزمة الاقتصادية الحادة التى شهدتها قبرص عام 2013، ومن ثم زيادة الطلب على مواد البناء المرشحة للزيادة بنسبة جيدة خلال السنوات المقبلة.
– ارتفع حجم الواردات المصرية من قبرص، خلال الفترة من يناير حتى يوليو 2017، بنسبة 57.4%، ليسجل 18.8 مليون يورو مقابل 8 ملايين يورو خلال الفترة نفسها من العام الماضى.
– بالنسبة للواردات السلعية من قبرص (بدون البترول)، فقد انخفضت بشكل ملحوظ خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجارى، لتسجل 5 ملايين يورو فقط مقابل 8 ملايين يورو فى الفترة نفسها من 2016، بنسبة انخفاض 37.5%، وشكلت بعض البنود التقليدية مثل لفائف النحاس والمستحضرات والإضافات الخاصة بعلف الحيوانات أهم بنود الواردات المصرية من قبرص.
– استوردت مصر مواد بترولية من قبرص بقيمة 13.8 مليون يورو، فى حين لم تستورد أى كميات منها خلال الفترة نفسها من العام الماضى، ما ساهم فى تقليص فائض الميزان التجارى لصالح مصر فى الشهور السبعة الأولى من العام الجارى، لتبلغ قيمته 2.7 مليون يورو مقابل 12.5 مليون يورو خلال الفترة ذاتها من 2016.
– فيما يتعلق بحجم الاستثمارات المصرية القبرصية المشتركة، أشارت بيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إلى أن إجمالى عدد الشركات المصرية التى تشهد مساهمة قبرصية فى رأسمالها حتى 31 أغسطس 2016 بلغ 163 شركة بإجمالى رأسمال مصدر 1.07 مليار دولار، وبلغ إجمالى المساهمات القبرصية فى رأسمال تلك الشركات 283.3 مليون دولار، أغلبها فى قطاع السياحة.
وبحسب بيان الهيئة العامة للاستعلامات، فلم يقتصر التعاون الاقتصادى بين البلدين على التجارة فقط، وإنما شمل عددا من الأنشطة الاقتصادية والصناعية ومشروعات التطوير المتنوعة…
التنقيب والبحث عن الغاز
وقعت مصر وقبرص عددا من الاتفاقيات الثنائية فى مجال التنقيب والبحث عن الغاز شرقى البحر المتوسط، منها اتفاقية فى العام 2003 لترسيم الحدود البحرية، إضافة إلى الاتفاقية الإطارية الموقعة فى 2006 لتنمية مصادر الهيدروكربون عبر خط المنتصف بين البلدين.
– فى أكتوبر 2012 وقع البلدان اتفاقية تعاون فى مجال البحث عن البترول والغاز، خاصة فى المياه العميقة والملاصقة للحدود المصرية القبرصية، بعدما أظهرت عمليات المسح المبدئى لهذه المناطق مؤشرات قوية على وجود كميات كبيرة من الغاز، كما أن هناك تعاونا مشتركا لتدريب المهندسين المصريين على تكنولوجيا استخراج النفط والغاز الطبيعى، وتدريب الكوادر الفنية القبرصية فى مراكز التدريب المصرية المتخصصة، وكانت الاكتشافات الضخمة من الغاز الطبيعى فى منطقة شرقى المتوسط حافزًا لتشجيع التعاون الإقليمى.
التعاون السياحى بين مصر وقبرص
– هناك تعاون تاريخى بين مصر وقبرص فى مجال السياحة، فقد شهد العام 1984 توقيع أول اتفاق للتعاون السياحى بين البلدين بالقاهرة، وفى سبتمبر 2004 تم توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية بين مصر واليونان وقبرص بالقاهرة، لجذب الحركة السياحية للدول الثلاثة من الأسواق البعيدة، مثل الصين والهند، فى برامج زيارة مشتركة.
– تشير الإحصائيات إلى أن عدد السياحة الوافدة من قبرص لمصر بلغ ذروته فى العام 2008، بتسجيل وصول 11 ألفا و215 سائحا، بينما وصلت الأعداد فى
2010 لـ9195 سائحا، وتراجعت تلك الأعداد إلى 3566 سائحا فى 2011، ثم بدأت فى الزيادة مرة أخرى خلال السنوات الأخيرة.
– فى إطار الجهود التسويقية لاستعادة الحركة السياحية الوافدة من قبرص لمعدلاتها الطبيعية والعمل على زيادتها، اتفق البلدان فى أكتوبر 2012 على تفعيل برامج التسويق المشترك بينهما، ودعم مصر لرحلات الطيران العارض “الشارتر” والرحلات السياحية الوافدة من قبرص.
– وقعت مصر واليونان وقبرص مذكرة تفاهم مشتركة فى مجال التعاون السياحى، نهاية أكتوبر 2014، فى إطار رغبة الهيئات الخاصة بتنشيط السياحة بالدول الثلاثة فى التعاون الوثيق فى المجال، إدراكًا للأهمية التى تمثلها السياحة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبموجب هذه الاتفاقية تتفق الدول الثلاثة على تبادل المعلومات والنشرات والإحصائيات والمواد الدعائية السياحية، وتبادل الاشتراك فى المعارض والمهرجانات والمناسبات السياحية التى تقام بالدول الثلاث، إلى جانب تشجيع وكالات السفر والسياحة على تنظيم برامج سياحية تضم الدول الثلاث، وتُوجه تلك البرامج للأسواق البعيدة، ودفع فكرة إنشاء مجلس تعاون سياحى بين الغرف السياحية فى الدول الثلاث، إضافة إلى تشجيع تقديم مزيد من التسهيلات فى إجراءات الدخول لزيادة الحركة السياحية بين الدول الثلاث.
– شملت الاتفاقيات تبادل زيارات المسؤولين والصحفيين السياحيين وممثلى وسائل الإعلام المختلفة، للتعرف على الأنماط السياحية الجديدة، خاصة تبادل المعلومات والخبرات فى مجال التدريب السياحى والفندقى، وتشجيع تبادل المنح الدراسية فى مجال السياحة والفندقة والاستفادة من الخبرة المميزة لكل دولة، وفى مجال الاستثمار السياحى اتفقت الدول الثلاث على تبادل الخبرات والمعلومات فى مجالات فرص الاستثمار والتخطيط السياحى بالمناطق السياحية الجديدة، مشيرين إلى كيفية تشييد المارينا على الشواطئ، وتبادل الخبرات حول الحوافز والتسهيلات والضمانات التى تُقدم للمستثمرين فى مجال السياحة.
العلاقات الثقافية بين مصر وقبرص
يمثل الجانب الثقافى عنصرا مهما فى العلاقات المصرية القبرصية، استنادا للإرث العريق من التفاعل الحضارى عبر العصور، وفى الوقت الحال تشارك وزارة الثقافة المصرية فى مهرجانات الفنون الشعبية التى تُقام بقبرص من خلال فرق الفنون الشعبية، إذ شاركت فرق العريش ومرسى مطروح والأنفوشى للفنون الشعبية على التوالى فى مهرجان البحر المتوسط للرقص الفولكلورى فى دوراته الثانية والثالثة والرابعة خلال الأعوام 2007 و2008 و2009، وقد لاقت الفرق المشاركة نجاحا كبيرا.
– فى سبتمبر 2012، تم الاتفاق على إقامة أسبوع ثقافى تبادلى بين مصر وقبرص بشكل سنوى، كما تم الاتفاق أيضا على إقامة المعرض القبرصى للتصوير الفوتوغرافى، بعنوان “مصر قبرص.. علاقات عبر العصور” فى دار الأوبرا المصرية خلال الفترة من 28 أكتوبر حتى 31 ديسمبر 2012.
– فى نوفمبر 2011، وقع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ووزيرة خارجية قبرص إيرانو كوزاكومار، اتفاقية للتعاون بين الأزهر والحكومة القبرصية، تقضى بتفويض علماء التاريخ وخبراء العمارة الإسلامية بالأزهر الشريف بتدوين تاريخ مسجد “أم حرام” بقبرص، والتاريخ للمساجد التاريخية بقبرص باللغتين العربية واليونانية.
– تم الاتفاق على التعاون بين الأزهر الشريف والحكومة القبرصية فى المجالات الدينية والفقهية، وإيفاد بعض أساتذة الأديان من جامعة قبرص للمشاركة فى ندوات وإلقاء محاضرات بجامعة الأزهر، وتلقى دورات تدريبية على الوعظ والإرشاد والإفتاء.
– فى أكتوبر 2017 أطلقت مصر “أسبوع الجاليات” بالتعاون مع اليونان وقبرص، وهو أول لقاء من نوعه يجمع بين أبناء مواطنين يونانيين وقبرصيين عاشوا على أرض مصر، لإحياء التكامل الشعبى والسياحة التاريخية للجاليات الأجنبية تحت شعار “العودة للجذور”، بحضور تيرانس نيكولاس كويك نائب وزير الخارجية اليونانى، وفوتيس فوتيو المفوض الرئاسى للشؤون الإنسانية والقبارصة المغتربين، وتناول اللقاء زيارة الأماكن التى تحمل ذكريات الجاليات من الدول الثلاثة، وأماكن نشأتهم ومدارسهم وغيرها، وتم الاتفاق على خطة عمل تبدأ فى 21 من نوفمبر2017.