في تعليقها على استقالة روبرت موغابي، الذي حكم زيمبابوي بقبضة من حديد لمدة 37 عاماً، قالت مجلة “إيكونوميست” البريطانية، إن سكان هذا البلد الأفريقي الفقير، خرجوا إلى الشوارع ورقصوا وأطلقوا العنان لأبواق سياراتهم حتى ساعات فجر اليوم التالي.لكن بعد انتهاء الاحتفال، بدأ معظم من عانوا طويلاً من سطوة موغابي يتساءلون عما إذا كان خليفته، إمرسون منانغاغوا سيكون فعلاً أفضل منه.
فالرجل الذي كان معاوناً لموغابي وسيئ الصيت بسبب قمعه للمعارضة، ولتزويره نتائج انتخابات، عاد من منفاه القصير بتاريخ 22 نوفمبر واعداً بـ” ديمقراطية جديدة”. وقال لأنصاره في هراري، عاصمة زيمبابوي: “نريد أن ننمي اقتصادنا، ونريد السلام وتوفير فرص عمل”.
ركيزتان
وبحسب “إيكونوميست”، تستند الأمال بأن يحقق منانغاغوا أياً من تلك الوعود على ركيزتين، أولاهما إدراكه لحاجة زيمبابوي الماسة لدعم اقتصادي خارجي. فقد تضخم العجز المالي، بحسب عدد من المحللين، ووصل إلى 15-12٪ من إجمالي الناتج المحلي. كما وصلت نسبة التضخم إلى ما بين 50-25 ٪. ويتوقع أن تتبخر الاحتياطات الأجنبية في خلال أشهر. كما تداعت البنية التحتية. وقال وزير سابق إن “هراري أشبه ما تكون بأخدود لرأس المال في العالم”.
تحت المراقبة
أما الركيزة الثانية فهي إدراك منانغاغوا أنه لكي يحصل على المساعدة عليه ليس فقط وضع الإنفاق الحكومي تحت المراقبة، بل إطلاق إصلاحات سياسية تتوج بانتخابات حقيقية.
شكوك
لكن المشككين بوعود الرئيس الجديد لزيمبابوي يستحضرون الآمال التي عبر عنها موغابي عندما شكلت حكومة وحدة وطنية في عام 2009، بعد تزوير نتائج انتخابات أجريت قبل عام. فقد أخفق موغابي، حينها، في إجراء أي من الإصلاحات التي وعد بها. وفي هذه المرة، سيكون على منانغاغوا، إن كان يسعى للحصول على الأموال، وتحرير زيمبابوي من أي من ديونها التي بلغت 9 مليارات دولار، أن يحقق بعضاً من الوعود التي قدمها.
إصلاحات سياسية
وتشير “إيكونوميست” لصعوبة إطلاق إصلاحات سياسية في زيمبابوي، وخاصة لوجود صراع داخلي بين أعضاء الحزب الحاكم، زانو بي إف. فقد تم، لحظة عودة منانغاغوا من منفاه، اعتقال عشرات من حلفاء موغابي وهرب بعضهم. ومن بين المعتقلين إيغناثيوس شومبو، وزير المالية، وغريس موغابي، زوجة الرئيس السابق، والمحاصرة في قصرها الكبير.
ويشكك عدد كبير من أبناء زيمبابوي بقبول منانغاغوا بإجراء انتخابات نزيهة لأنها قد تؤدي لهزيمته. وفي ظل الدستور، تنتهي فترة حكمه عند نهاية مدة حكم سلفه، موغابي، أي بحلول أغسطس من العام المقبل. وقد بدأ الحديث عن احتمال حصول منانغاغوا على ثلثي الغالبية في مجلسي البرلمان من أجل تمديد عهده في الرئاسة، ولربما لمدة عامين أو ثلاثة أعوام. وقد أعرب الزعيم الأبرز للمعارضة، مورغان تسفانغيريا من حركة التغيير الديمقراطي، عن معارضته لمثل ذلك التمديد. ولكن رغم أن ذلك سيكون على خلاف روح النظام الجديد، فإن حزب زانو – بي إف يحظى بعدد من المقاعد البرلمانية بما يمكنه من فرض التمديد لمنانغاغوا.
مأزق
وترى المجلة أن الحكومات الأجنبية، وخاصة في الغرب، تواجه مأزقاً. فمن جهة، يريدون تشجيع منانغاغوا كي يطبق وبسرعة إصلاحات اقتصادية وسياسية مطلوبة كي يحصل على قروض من البنك والصندوق الدوليين وآخرين. ومن جانب ثانٍ، تبقي تلك الحكومات على توجسها من احتمال امتناعه عن تقديم تنازلات، كما فعل موغابي، فيما سيسعى لتشديد قبضته على السلطة دون نية حقيقة لإجراء انتخابات حرة.
مزاج جديد
وبرأي “إيكونوميست”، إذا استطاع منانغاغوا تثبت الحالة الاقتصادية، وتوفير أجواء مصالحة وانسجام في الفترة الانتقالية بعد موغابي، فقد يكسب الاحترام والتقدير، إن لم تكن الشعبية التي خسرها. ورغم اكتسابه سمة اليد الضاربة للحزب الحاكم في زيمبابوي، يأمل عدد من مواطني زيمبابوي بأن يفاجئهم ويظهر لهم جانباً آخر أكثر نزاهة. وفي هذا السياق، قالت جويس موجورو، نائبة رئيس سابقة طردت من الحزب الحاكم في عام 2014: “يشعر الناس بالاضطراب. فالوضع في البلاد ليس مستقراً على الاطلاق”.