لا شك ان استخدام شباب الإخوان للعنف ليس بجديد على الجماعة التي أنشأت من قبل جهازها الخاص الذي مارس العنف والإرهاب لفترات طويلة من تاريخ الجماعة واعتمدت عليه اعتمادا كليا بعد انضمام سيد قطب للجماعة والذي أهدى للجماعة تنظيرات وفتاوى تبرر لها الاعتداء على الأخر أيا كان دينه وموقفه من الاسلام، والجماعة، وما يهمنا هنا الاجابة على سؤال العنوان “كيف اتجه شباب الجماعة إلى ممارسة العنف والإرهاب؟” ففي أعقاب ثورة 25 يناير 2011، ففي أواخر عام 2013 وخاصة بعد فشل الحشد الجماهيري في تغيير الأوضاع على الأرض ومواجهة النظام للجماعة ومظاهراتها خصوصا بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، بدأت مجموعات من شباب الإخوان ومؤيديهم؛ كمجموعات “أولتراس المظاهرات” وغيرها؛ في التفكير في استخدام وسائل نوعية، تحت مسمى “السلمية المبدعة”، للرد على تفريق الشرطة لهذه المظاهرات، وتطورت هذه المجموعات لما بات يعرف باللجان النوعية، تلك اللجان التي كانت تمتلك تسليحا خفيفا يستخدم في مواجهة الشرطة والأهالي في بعض الأحيان، والتي عملت على استهداف سيارات الشرطة والبنى التحتية كمحطات الكهرباء ومقرات الشرطة والمحاكم بقنابل صوتية أو قنابل بدائية يدوية الصنع مع بداية عام 2014 تحت مسمى “كل ما دون الأرواح فهو سلمية”.
في أثناء هذه الفترة ظهرت أيضا أصوات تدعو للانتقام، ممن ثبت تورطهم في الدماء من الشرطة والبلطجية، كصفحة “إعدام” على الفيسبوك التي ادعت أنها تمثل حركة فاعلة على الأرض تتكون من المئات في أوائل عام 2014.
واتسمت هذه الموجة الأولى بتطورها السريع غير المحسوب في أحيان كثيرة، وفوضويتها، وعدم الاهتمام الكبير بتأمين الأفراد، وسرية التنظيمات مما مكن أجهزة الأمن من احتواء هذه الموجة، ولكن سرعان ما ظهرت موجة ثانية أكثر عنفاً اتسمت بالمزيد من التنظيم والسرية.
وفي نهاية عام 2013 وبدايات عام 2014 استطاعت بعض القيادات العليا في جماعة الإخوان المسلمين وَصْلَ مفاصل الجماعة مرة أخرى والعمل على وضع رؤية مركزية لكسر ما أطلقوا عليه “الانقلاب العسكري”، وهو الوقت نفسه الذي شهد انحسار المظاهرات واتساع غضب شباب الإخوان المسلمين ومؤيديهم على منهج المقاومة السلمية، وهو ما أدى إلى تبني استراتيجية أكثر تجاوبا مع طموحات الشباب الغاضب، وظهرت في أواخر العام 2014 وأوائل العام 2015 حركات مسلحة كان من الواضح أنها تتكون في الغالب من شباب كان له علاقة تنظيمية وثيقة بالإخوان، كـ “المقاومة الشعبية” والعقاب الثوري”، وكان من الواضح تماما تعاطي قطاع كبير من الجماعة إيجابيا مع هذه الحركات، خاصة القاعدة الشبابية للجماعة.
في منتصف عام 2015 ظهرت الأزمة الداخلية للإخوان بين “القيادة التاريخية” والقيادة الجديدة” للجماعة، ومما أثير في تلك الأزمة تبني الجماعة خلال الفترة التي تصدرت فيها القيادة “الجديدة” العمل داخل الجماعة للمسار المسلح في مواجهة النظام، وهو ما أثار التساؤل حول مستقبل هذه الحركات المسلحة خاصة مع سيطرة القيادات التاريخية على الدعم المالي.
في هذه المرحلة تحول شباب الإخوان إلى تبني الفكر الجهادي التقليدي الذي يمثله تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، بل وانخرطت مجموعات من شباب الإخوان تقدر بالآلاف في كلا التنظيمين سواء في سوريا أو في غيرها.
ومن الممكن أن نرجع هذا التحول المهم الذي أصاب شرائح كبيرة من شباب جماعة الإخوان المسلمين لسببين رئيسيين: موقف الدولة من جماعة الإخوان وصدور حكم قضائي بأنها جماعة ارهابية وبالتالي مطاردة جهاز الشرطة لأعضائها، ومن ناحية أخرى فشل قيادات الجماعة التاريخية في تطوير خطاب واستراتيجية فاعلة ضد دولة 3 يوليو والتي تعتبرها الجماعة حتى الأن انقلاب عسكري. وهناك عامل ثالث ومهم تتغافله بعض الدراسات وهو الثنائية الفكرية التي تسيطر على الجماعة فلا يمكن لأعضاء الجماعة من خلال رصد تاريخ الجماعة وأدبياتها حسم الجدل حول المسار الذي تتبناه الجماعة للتغير، هل هو مسار إصلاحي تدريجي يتجنب الصدام مع الحكومات؟ أم هو مسار إصلاحي؟ ومثل هذا العامل مرتكز مهم في تحول شباب الإخوان لتبني أفكار المواجهة المسلحة مع الدولة من داخل بنية الجماعة واعتباره المنهج الأصيل للإخوان واعتبار القيادات والأعضاء الذين يرفضون هذا المسار خارجين عن المنهج الأصيل للجماعة.
وقد ارتكزت الموجة الأولى “العمل النوعي” على توجه عام تكشفه بوضوح مقولتا “السلمية المبدعة” و ”كل ما دون الأرواح فهو سلمية”، وكما ذكرنا سابقا اتسمت هذه الفترة بالفوضوية إلى حد كبير مما مَكَّنَ الدولة من احتوائها. في خلال هذه الفترة لا نستطيع رصد فروقات كبيرة بين شباب الإخوان المسلمين؛ الأغلبية الكاسحة كانت غاضبة منخرطة في المظاهرات على الأرض وغاضبة على قيادات الإخوان، ولكن انهيار الهيكل الإداري للجماعة أدى للامركزية كبيرة في إدارة الجماعة مما مكن الشباب من أداء دور أكبر على الأرض كان لا يمكن تخيله في ظل أوضاع الجماعة الطبيعية، وهو ما أدى إلى تبني الغالبية من شباب الإخوان طرح إمكانية إصلاح التنظيم من الداخل وفقا لرؤاهم وتصوراتهم، بصيغة أخرى عملت المظاهرات على الأرض وانهيار الهيكل الإداري كعاملين رئيسيين في احتواء شباب الإخوان الغاضب تحت استراتيجية تتجنب الصدام المسلح الصريح.
وفشلت الموجة الأولى، وصحب فشلها ثلاثةُ عوامل مؤثرة: تراجع حدة المظاهرات، وازدياد كبير في الملاحقات الأمنية، والتقدم الكبير الذي حققه تنظيم الدولة في العراق. هنا وُلِدت “اللحظة المفصلية” في ظهور فروقات واختلافات داخل شباب الإخوان المسلمين، فبدأ يظهر شباب مؤيد لتنظيم الدولة وخطابه، وتبنى جزء آخر من الشباب ضرورة العمل المسلح ضد النظام تحت راية الإخوان أو قريبا منها.
مع تبني القيادة “الجديدة” لاستراتيجية أكثر تجاوبا مع غضب شباب الجماعة ضد المسار السلمي المتبع في مواجهة دولة 3 يوليو، بدأت تظهر في الأفق حركات مسلحة تحمل خطاب قريب من خطاب الإخوان وهو ما قابله شباب الجماعة بتأييد كبير.
بعد ظهور أزمة القيادة في جماعة الإخوان للعلن في منتصف 2015، انطلاقا من اختلافات حول الإدارة والرؤية، بدأ انقسام الجماعة إلى فريقين: المنتسبين للقيادة “التاريخية” يرون عدم تأهل مصر للمقاومة المسلحة وأن هذا المسار يتعارض مع منهج الإخوان المسلمين، بينما المنتسبون للقيادة “الجديدة” يرون وجوب الإعداد للمواجهة المسلحة وفقا لما اعتبروه المنهج الأصيل للجماعة التي حادت عنه بعد تأسيسها الثاني حسب رأيهم. ثم كان ظهور هذه الأزمة للعلن لحظة مفصلية ثانية نتج عنها فروقات واختلافات أخرى بين شباب الإخوان المسلمين بين مؤيد لرؤية القيادة الجديدة ومؤيد لرؤية القيادة التاريخية.