قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إنه عندما دخل اليهود إلى أرض الكنعانيين كانوا يتلون ويتبنون نصوصًا تبرر لهم إبادة الفلسطينيين، وهذه النصوص قديمًا وحديثًا سببت مشاكل، إما بسبب قراءاتها الخاطئة، أو باستغلالها بعد تحريفها وتزييفها لكسب النفوذ والقوة والتسلط على مقدرات الشعوب وأوطانها، فمثلًا مشروع إسرائيل، هذا مشروع سياسي، لا علاقة له بالدين الصحيح، وإنما هي الأوهام والتزييف للأديان والتاريخ.
وأضاف فضيلته في حديثه الأسبوعي على الفضائية المصرية أن مقصود الغرب في نظري من إعطاء فلسطين لليهود هو تجميعهم في مكان وطردهم من أوروبا، وكذلك ليُكَفِّر البعض عن المحارق التي ارتكبها بحق اليهود، ولأن عداء تقاليد المسيحية لليهودية تقليدي ومتوارث في دماء كثير من المسيحيين الغربيين، سواء كانوا حكامًا أو محكومين، ومن هنا نشأت قضية فلسطين، وحتى تبرر بريطانيا هذا الوضع المحرج، عملت على تشجيع الباحثين على الاستدلال لليهود بالنصوص الدينية، لاستعمار شعب والقفز على أرضه، ويستحيل أن يبيح القرآن أو التوراة أو الإنجيل هذه الأفعال، لأنها ظلم، والأديان إنما نزلت لتطبيق العدل، والله هو العدل، ولا يمكن لمن اسمه العدل أن يقول: يا بني إسرائيل أنتم خاصتي واذبحوا الباقين.
وبين فضيلة الإمام الأكبر أن الدول الغربية ساندت اليهود؛ لأنهم اعتبروا أن هذا الكيان هو الذي سيساعدهم على أن يظل المسلمون في حالة فوضى وضعف، فلو تمعنت في تفسير القرار الأمريكي الأخير بإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني، لوجدت أنهم يريدون لهذا الكيان الغريب أن يظهر بأنه الكيان الذي حول الفقر إلى غنى والتراب إلى ذهب، بينما الدول المحيطة بها فشلت في التنمية ولا تستحق المساندة، مشيرا إلى أن العرب والمسلمين لم يفشلوا، وإن كانت لديهم عيوب وأمراض، تتمثل في الفرقة والتنازع، فالذي حدث لنا ليس بسبب قوة الآخرين، ولكن بسبب ضعفنا وتمزقنا، مع أننا نملك كل أساليب القوة، مؤكدًا أن الغرب يستغل النصوص الدينية لتحقيق مصالحه، والمصلحة الأولى للغرب أن يبقى الشرق ضعيفًا وممزقًا.
وردَّ فضيلته على ادعاء بعضهم أن المسجد الأقصى المذكور في القرآن ليس هو المسجد الأقصى ليس هو الذي نعرفه بفلسطين! وإنما هو مسجد على طريق الطائف قائلًا: من يدعي ذلك فهو بوق من أبواق الصهاينة في الشرق، وهو كلام لا يستند إلى دليل ولا إلى شبهة دليل؛ فقد نسب هذا القائل الكلام إلى الواقدي ، وبالرجوع إلى مؤلفات هذا العالم نجد أنه حرَّف كلام الواقدي؛ حيث يقول الواقدي في «المغازي» (3/958-959): «انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بالجعرانة ثلاث عشرة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج من الجعرانة ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة ليلا، فأحرم من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى، وكان مُصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالجعرانة، فأما هذا المسجد الأدنى فبناه رجل من قريش، واتخذ ذلك الحائط (البستان) عنده، ولم يجز رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادي إلا محرمًا، فلم يزل يلبي حتى استلم الركن»، فما علاقة هذا الكلام بالمسجد الأقصى الذي قال الله فيه: {المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} فالواقدي يتحدث عن مسجدين أحدهما قريب والآخر بعده، فوصفهما بالأقصى والأدنى على ما هو مستعمل عند العلماء، ولم يقصد أن هذا المسجد اسمه الأقصى والآخر اسمه الأدنى، ولا يخفى هذا إلا على من لا يفرق بين الاسم والوصف.
ولفت فضيلته إلى أن الأزهر منذ 1919 ثم 1929 و1936 و1967، يواكب القضية الفلسطينية، بمؤتمراته وعلمائه، ومؤلفاته، ولدينا مؤلفات الدنيا عن القدس منها ما هو مطبوع ومنها ما هو مخطوط، وبهذه المناسبة أؤكد أهمية وجود مقرر عن القدس في المرحلة الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، ويكون في الجامعة تاريخ المساجد الثلاثة، تاريخ الحرم المكي (الكعبة)، وتاريخ المسجد المدني وتطوراته، وأيضاً تاريخ المسجد الأقصى، لأن الذهن العربي خال من ثقافة بيت المقدس أو ثقافة فلسطين بشكل عام، ولا يمكن أن تتصدى أو نواجه بجيل لا يعرف شيئًا، ولا نستطيع أن نواجه إسرائيل المتحدة القوية التي لها كلمة واحدة ولها إطار واحد بشعب منقسم على نفسه.
وأخيرًا أحيي شباب فلسطين الذين يدافعون عن الأقصى بصدورهم، فهم الأمل بعد الله أن يظلوا صامدين إلى أن تُحل هذه المشكلة ويطبق السلام العادل في هذه المنطقة، وأدعو كل الشباب المسلم والشباب المسيحي أيضاً أن يجدد قراءاته في هذه القضية وأن يقف درعاً معنوياً وأدبياً وتاريخياً معاصراً وراء شباب فلسطين.