قالت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوجان يلعب بالنار في سوريا، مع حشد قواته على حدود المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا، محذراً من أن هجوماً واسعاً قد يبدأ في أي وقت، وهو ما قد يضع دولتين عضوين في حلف الناتو وجهاً لوجه، في ظل اعتبار قوات حماية الشعب الكردية نفسها شريكاً للولايات المتحدة.
وترى الصحيفة أن المراحل الأخيرة من حرب الاستنزاف الطويلة ستكون عنيفة. إذ إن الخصومات المتشابكة بين القوى الإقليمية الكبرى تتعقد أكثر حول مسألة ما إذا كان يتعين تقسيم سوريا وطريقة حصول ذلك، وحول الثقل السياسي النسبي للفصائل المسلحة المتنافسة بعد خسارة داعش، وبقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
أولوية تركيا راهناً
وكانت تركيا في الأساس تدعم الجماعات التي قررت إطاحة الأسد، إلا أنها بدلت هدفها منذ 2015 لتحجيم النفوذ الكردي. وتكمن أولويتها حالياً في منع إنشاء قوة قوامها 30 ألف مقاتل بدعم من أمريكا تسيطر على المنافذ الحدودية السوية-التركية.
ويخشى أردوجان خصوصاً أن تستغل الوحدات الكردية التي تتمتع بحماية أمريكية المنطقة منصة لشن هجمات عليها. فمع أن وحدات حماية الشعب الكردية حاربت بشجاعة ضد الجهاديين، فإنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي صنفته الدول الغربية الحليفة لأنقرة منظمة إرهابية ونفذ تمرداً متقطعاً ودموياً ضد تركيا.
هدف عقلاني
ومع ذلك، ترى الصحيفة أن الولايات المتحدة تحدد هدفاً عقلانياً بإنشائها وحدات حدودية. ذلك أن إعادة انبعاث داعش في شمال سوريا المضطرب سيقوض أية آمال بنهاية دائمة للحرب. وليس تدريب متمردين أكراد سابقين ليكونوا حراساً للحدود السورية، دعوة للانفصال أو العنف ضد تركيا، وإنما خطوة أولى في اتجاه دمج هؤلاء في سوريا فيديرالية. وتعتبر الصحيفة أنه لا يمكن حل المشكلة الكردية بمزيد من التفكيك للشرق الأوسط وإنشاء دولة كردستان مستقلة. لذا، يجب أن يكون هدف الغرب توسيع الحكم الذاتي للأكراد في إطار سوريا ديمقراطية حقيقية. ولا شك في أن تأمين الحدود هو شرط أساسي لتحقيق نتيجة كهذه، إضافة إلى احترام تركيا لهذه الحدود. أما السعي إلى قصف عفرين ثم انتزاع السيطرة على المنطقة فيثيران شبهات حول دوافع الرئيس التركي، وشكوكاً على ولاء تركيا للناتو، ويفترضان أنه سيسعى إلى زعزعة الاستقرار في سوريا، حتى بعد رحيل نظام الأسد المجرم.
تراجع الثقة
وتضيف الصحيفة أن تركيا لا تزال دولة قوية مع جيش كبير وحدود طولها 550 ميلاً مع سوريا. وقد تدهورت العلاقة مع الناتو على نحو كبير بعدما أحبط الرئيس انقلاباً ضد حكومته في يونيو 2016. وافترض أردوجان بأن حلفاء في الناتو تعاطفوا في حد أدنى مع الانقلاب الذي حاول ضباط تنفيذه. مذذاك، تراجعت الثقة الضعيفة أصلاً بين الجانبين. ومع أن تهديدات أردوجان يجب أن تؤخذ بجدية، فمن المؤكد أنه سيكون أكثر نجاحاً في محاولاته المتعثرة لقيادة مستقبل الشرق الأوسط، إذا حاول أولاً استعادة ثقة حلفائه. فالناتو هو أكثر من شرطة عسكرية، إنه منتدى يمكن فيه مناقشة الخلافات وحلها. وإذا أرسل الرئيس التركي قواته إلى عفرين، فهو يخاطر بأكثر من نزف موضعي. هو بذلك سيثير شكوكاً في جدارة تركيا كحليف للغرب.