نشر الكاتب الصحفي عماد الدين حسين مقال على موقع صحيفة الشروق بعنوان (الفيديوهات المضروبة سريعة التأثير) جاء على النحو الأتي :
فيديو واحد مدته أقل من ثلاث دقائق قد يقلب مزاج الرأى العام فى مكان ما، ويؤدى إلى شن حرب ووقوع ضحايا، رغم أننا قد نكتشف أنه كان مفبركا بالكامل.
السؤال هل هناك طريقة ما لتفادى هذا الأمر؟!.
مناسبة طرح هذا السؤال هو الجدل بشأن حقيقة استخدام هجوم بالأسلحة الكيماوية فى دوما بالغوطة الشرقية فى إبريل، وما ترتب عليه من قيام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشن هجمات صاروخية على مواقع للجيش السورى.
الحكومات الغربية الثلاث ومعها الكثير من الداعمين الدوليين والعرب تقول إنها متأكدة من أن نظام بشار الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية، إضافة إلى أنه استخدمها أكثر من مرة قبل ذلك، لكن المشكلة أنها شنت الهجوم قبل أن تتوجه البعثة الأممية إلى موقع الحادث لتحسم الأمر.
قبل أيام خرج علينا السفير الأمريكى السابق فى سوريا بيتر فورد على شاشة «فوكس نيوز» ليقول إن صحفيين غربيين زاروا مدينة دوما، ولم يعثروا على أى دليل بهجوم كيماوى هناك.
وفى كلامه قال فورد: إن أطباء المستشفى الذين ظهروا فى الفيديوهات السابقة قالوا بوضوح للصحفيين، إنهم لم يروا أى ضحايا لهجوم كيماوى، وأن المرضى الذين حضروا للمستشفى كانوا يعانون من أعراض الدخان، لكن عناصر «جمعية الخوذ البيضاء» التى تنتمى لتنظيمات جهادية حسب وصف السفير الأمريكى ــ بدأوا بالصراخ وقالوا: «هجوم بالغاز»، مما أحدث ذعرا وسط الناس، الذين بدأوا فى رش المياه على الداخلين للمستشفى بطريقة هيستيرية.
إذا نحن أمام واقعة، تحتمل وجهين، إما أن النظام السورى استخدم الغاز، أو أن جهة ما فى المعارضة أو قريبة من الدول المعارضة للحكومة السورية فبركت القصة من أولها لآخرها، ليس فقط لتبرير الهجوم، ولكن من أجل «لخبطة» كل أوراق اللعبة فى الأزمة السورية.
ليس موضوعنا اليوم هو هذا الجدل، ومن المصيب ومن المخطئ، لكن الهدف هو التركيز على سؤال دور الإعلام عموما، ووسائل التواصل الاجتماعى خصوصا فى إشاعة فوبيا فى وقت محدد، من أجل اتخاذ قرارات عاجلة.
شبكة «السى إن إن» نفسها قالت إن ترامب اتخذ قرار الهجوم على سوريا، ولم يكن يملك أى دليل على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية فى دوما.
الملاحظة أن غالبية الذين تعاطفوا مع الضربة استندوا إلى الفيديوهات التى تم توزيعها على نطاق واسع، لأطفال قيل إنهم تضرروا من استخدام الأسلحة الكيماوية.
أحد هؤلاء الأطفال ظهر لاحقا بعد دخول الجيش السورى للمدينة وخروج الإرهابيين إلى إدلب، ليؤكد أنه تم إعطاؤه هو وآخرون «حلويات وبسكويت» ليقولوا إنهم أصيبوا بالاختناق.
مرة أخرى لا أدين طرفا، ولا أبرئ آخر، وكتبت أكثر من مرة أقول أن نظام بشار الأسد أجرم فى حق شعبه، لكن الدول الكبرى وإسرائيل يريدون تدمير سوريا بأكملها.
المهم لدينا كيف نقنع الناس ألا يتأثروا بالفيديوهات حتى يتثبتوا من صحتها، وألا ينساقوا وراء الدموع لأنها قد تكون مفبركة أيضا، وما أكثر الدموع الكاذبة التى ذرفها كثيرون من كل الأطراف بلا استثناء، من أجل إقناع الجمهور بأنهم على حق وغيرهم على باطل!.
رأينا فى السنوات الماضية استخداما عبثيا وغير إنسانى لجثث الضحايا والمشاهد المأساوية فى المنطقة العربية، رأينا متطرفين مصريين معارضين للنظام يستعينون بصور من سوريا للإيحاء بأنها وقعت فى مصر، وتكرر ذلك فى أكثر من بلد وفى أكثر من مناسبة، ومن أكثر من حكومة ونظام!!!.
الذين يروجون هذه الفيديوهات يريدون تأثيرا لحظيا حتى ينفذوا أهدافهم، مراهنين على أن الناس سوف تنسى سريعا، وللأسف فإن هذه الطريقة لا تزال ناجحة حتى الآن!!.