نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب محمد الشناوي بعنوان حلفاء ترامب العرب بين حسابات واشنطن وطهران جاء على النحو التالي :-
جاءت تطورات السجال الأخيرة بين إدارة ترامب وحكام إيران لتربك حسابات حلفاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خاصة هؤلاء ممن يكنِّون عداء تجاه إيران. فعقب تصريح ترامب باستعداده غير المشروط لعقد لقاء مع الرئيس الإيرانى لبحث الخلافات بين الدولتين لما فيه مصلحة الدولتين والشرق الأوسط والعالم، طبق الصمت على بعض عواصم العرب، إذ وجدت هذه العواصم، التى تضغط ليتشدد ترامب فى سياساته تجاه إيران، فى موقف لا تستطيع معه الترحيب بمبادرة ترامب لعدائها مع طهران من ناحية، ومن ناحية أخرى لا تجرؤ على انتقاد رغبة رئيس مختلف غريب الأطوار، لا تدرك كيف سيكون رد فعله إذا رأى دولا بحجمها تنتقد سياساته.
لم يؤدِ الاتفاق النووى الذى وقع قبل ثلاث سنوات فى عهد الرئيس أوباما إلا لزيادة الاحتقان الخليجى الإيرانى وما تبعه من ارتفاع غير مسبوق لنفقات التسليح لدى بلدان الخليج العربى. ولم يلتفت الجانب العربى إلى أن تعقيدات وخطورة خرائط الصراع فى المنطقة تستدعى أكثر من شراء المزيد من الأسلحة، فهى تتطلب تفكيرا مبتكرا من «خارج صندوق البيروقراطيات السياسية والطائفية». ومنذ نجاح الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 ناصبها العرب وواشنطن العداء. ثم تحولت إيران لنمط مزعج مع سعيها لنشر الثورة خارج حدودها، ثم تورطت طهران فى حرب سنوات طويلة مع العراق راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وخسرها الطرفان. ومع تعقد مشهد العلاقات الإيرانية الغربية ووصولها لفرض عقوبات غير مسبوقة فى التاريخ، وهو ما نال مباركة رسمية عربية، لجأت إيران للعب دور المخرب Spoiler فى قضايا المنطقة، وبررت ذلك بأنه رد مناسب على محاولات الغرب والعرب خنق النظام الإيرانى. ويرى البعض أن هذا السلوك يمكن تفهمه مع انعدام توافر بدائل أخرى؛ حيث لم يكن لدى طهران ما يمكن أن تخسره. من هنا أدرك الرئيس أوباما، وعواصم الدول الكبرى، ضرورة منح إيران وضعا طبيعيا كى تتوقف عن لعب هذا الدور المشبوه وأن يصبح لها مصالح مشروعة كغيرها من الدول، وعليه تصبح جزءا من الحل فى قضايا المنطقة بدلا من لعبها دور مخرب فى العديد منها، ويرتبط ذلك أيضا بانتهاء سعى إيران لامتلاك سلاح نووى ما يعد مكسبا لحلفاء واشنطن من العرب.
ومنذ وصول ترامب للحكم، تجمعت جهود اللوبيات الخليجية والإسرائيلية فى واشنطن لتتفق على إلقاء اللوم واتهام إيران بالمسئولية عن كل المشكلات التى يعانى منها الشرق الأوسط بدءا من اليمن وسوريا والعراق وصولا للصراع العربى الإسرائيلى. وعلى الرغم من منح بعض عواصم الخليج الرئيس ترامب كل ما يريد من صفقات واستثمارات فى البنية التحتية الأمريكية بما يفوق نصف تريليون دولار، وعلى الرغم من وصول التحالف الأمريكى الإسرائيلى لمستويات غير مسبوقة بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، خرج ترامب مبديا رغبته فى لقاء حكام إيران، وهو ما لم يقدم عليه أى رئيس أمريكى منذ نجاح الثورة الإيرانية قبل أربعة عقود. وبدلا من سعى السعوديين لمواجهة قانون جاستا أو «العدالة فى مواجهة رعاة النشاط الإرهابى»، وهو القانون الذى فصل كى يتم من خلاله «ابتزاز السعودية» عن طريق توجيه الاتهام لها بالضلوع بصور مباشرة وغير مباشرة فى تمويل هجمات 11 سبتمبر الإرهابية والتى وقعت عام 2001 وراح ضحيتها ما يقرب من ثلاثة آلاف أمريكى، اختارت الرياض التركيز على مهاجمة إيران، وتأليب دوائر واشنطن النافذة ضدها.
يعتقد بعض حكام الخليج أن لبلادهم مصلحة فى انهيار الاتفاق النووى مع إيران. ولا يدل ذلك إلا عن عدم فهم بواشنطن وديناميكيات الحركة فيها.
لا يعرف حكام العرب واشنطن، على الرغم من تكرار زياراتهم لها، ولا يعرفون ترامب، على الرغم من لقاءاتهم المتكرّرة المصحوبة بمصافحات حارة. ولا أحد يعرف تحديدا من قَصد ترامب عندما تحدث عن رغبة لقاء قادة إيران، كما لا يعرف ما قصده بالقول إن «دولا فى المنطقة لم تكن لتبقى أسبوعا من دون الحماية الأمريكية». ولا يترك ترامب مناسبة إلا ويهين الدول الخليجية مرة تلو أخرى منذ ظهوره على الساحة السياسية قبل ثلاثة أعوام. ما نعرفه كذلك أن واشنطن يحكمها رئيسٌ يسعى إلى اغتنام ما يستطيع من ثروات العرب. وما نعرفه أيضا أن إيران إحدى دول المنطقة، وجدت فى الماضى، وستوجد فى المستقبل، وليس من الحكمة منح ترامب الغطاء السياسى اللازم لتنفيذ أجنداتٍ لا تكترث بمصالح العرب ولا دمائهم.
ما تشهده دول مجلس التعاون الخليجى من انشقاقات غير مسبوقة، يصعب معه إيجاد موقف موحد من التعامل مع إيران. هذا فى وقت تستدعى فيه تعقيدات خرائط الصراع وخطورتها فى المنطقة أكثر من شراء المزيد من الأسلحة، وهو ما يبدو غير متوافر عند من يديرون السياسة الخليجية العربية.