يقولون: إن الأرقام هى المرآة التى تعكس قسمات الواقع الحقيقية، هي التى تجعل من المعلومات حقائق جلية مجسدة وملموسة، ولكن لم تكن الأرقام التى يفرزها الجهاز الإدارى للدولة ما قبل ثورة التصحيح فى الثلاثين من يونيو أرقامًا حقيقية – إن وُجدت أرقام من الأساس- لذا كانت النتائج غير حقيقية أيضًا بل كانت أشبه ما يكون ب “تستيف الأوراق” كممارسة وشكل من ممارسات وأشكال البيروقراطية وسلالتها التى لن تنتهى بسهولة وبالتالى لم يكن هناك معالجة حقيقية للمشاكل.
ولكن عندما قررت القيادة المصرية الحقة أن تواجه كل مشاكل المجتمع بحسم وحزم، قررت أن تستعين بلغة الأرقام الحقيقية لتضع يدها على المشاكل الحقيقية التى تواجههنا بترتيب الأولوليات.
فمن كان يدرك أن هناك على سبيل المثال، تسعة ملايين طفل وطفلة بدون أب وأم بشكل مباشر وخمسة عشر مليونا بشكل غير مباشر كما جاء فى تصريحات السيد الرئيس ذات مرة.
من كان يدرك أن الطلاق يحدث فى مجتمعنا بتلك النسب الكبيرة ! من كان يحسُب تمدد البنية التحتية المطلوبة فى العقود المقبلة طبقًا للمواليد والوفيات وحسب رؤية مستقبلية ؟
كانت الأرقام موجعة خاصة فى نسب الطلاق والأطفال بدون آباء أو أمهات نتاج انفصال أو طلاق ، فلعل ذلك كان من الأسباب الرئيسية من عشرة سنوات ماضية كافٍ لإنتاج آلاف الأدمغة التى استطاع الإرهاب تصيدها وبرمجتها بكتب ومادة مكتوبة ممنهجة ولم ينتبه لها ذلك الجهاز الإدارى فى ذلك الوقت! فعندما تجد إرهابيًا عمره اليوم ثمانية عشر عامًا ، فمنذ عشرة سنوات ماضية ربما كان ذلك طفلا بلا أب أو أم وغيره الكثير الذين كان من الممكن الحول دون برمجتهم عقليًا ليصلوا لنا اليوم هكذا.
لم يقف تبنى دور الدولة للغة الأرقام الحقيقية عند المشاكل المجتمعية والأمنية فقط بل تسللت لكثير من المشاكل فى شتى الوزارات والتى ذهبت للداخلية لترصد عدد الغارمين والغارمات فى السجون واستعادتهم للحياة الآمنة مرة أخرى برصد مديونياتهم وأعدادهم .
ذهبت لوزارة الاستثمار لتكشف النقاب عن عدد الشركات العالقة والمشاريع المجمدة وعن الاستثمارات الأكثر ربحًا .
ذهبت لوزاره الصحة لتكشف وتحدد عدد قوائم الانتظار ورصد القوة التشغيلية للمستشفيات للتخلص من تلك المعاناة .
صارت لغة الأرقام لغة القيادة المركزية للدولة المصرية ولكنا ما زلنا على المستوى الشخصى واللامركزى فى أعمالنا ومشاريعنا الصغيرة ومؤسساتنا التى نعمل بها لا نؤمن بلغة الأرقام الحقيقية وكأننا نعاهد الله أن نبقى على الأرقام الصورية ! وستر مشاكلنا !
ليس فقط تشبثنا بالأرقام الصورية والتقيمات الشهرية الصورية هو الذيل الذى نحتفظ به من العهود القديمة بل اصرارنا على تبنى سياسية “كبار الزوار” والوساطة والمحسوبية ، ما زلنا نحمل فى أنفسنا ذلك السلوك الذى يتكيف على حسب من نقدم له الخدمة ؛ فان كان شخصًا مهمًا أو” من طرف هذا أو ذاك” فنذلل كل العقبات ونقدم أعلى مستوى من الخدمة ولا نعرقل الأشياء، أما إذا كان مواطنًا مصريًا عاديًا فله الله مننا ! متى ندرك أن مصر اليوم تستحق مننا أن نقدم لأنفسنا جميعًا الصورة الحقيقية واللغة الرقمية والخدمة عالية المستوى لكل الأشخاص سواء؟