منذ ساعات قليلة وبشكل مفاجئ أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، استقالته عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “إنستجرام”، وذلك دون إبداء أي أسباب، لتخرج بعدها بدقائق أنباء عن أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، قبل استقالته وزيره الذي استمر في إدارته حوالي 6 سنوات، ووصفه البعض بأنه “مهندس” السياسة الخارجية الإيرانية.
ويعتبر ظريف، الذي تولي وزارة الخارجية في 2013 بعد وقتٍ قليل من تسلم روحاني مقاليد الحكم، أحد أبرز الوجوه التي أفرزتها السياسة الإيرانية منذ قيام ثورة الخميني في 1979، بيد أنه ترأس وفد بلاده في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني مع الولايات المتحدة وإدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، والذي وقعه البلدان مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وروسيا والصين، والذي يعرف باسم اتفاق “لوزان” النووي.
وبعد أن اعتبرت طهران أن هذا الاتفاق وضع حدًا لحلقة مفرغة لم تكن في مصلحة أحد، وبعد أن وصفته واشنطن بالتاريخي، كان لظريف دور محوري في تولي مسئولية تغيير ردود الفعل المعارضة للاتفاق، فضلًا عن تحجيم الأصوات المناهضة للاتفاق من داخل إيران.
وحتى وقتٍ قريب، كان ظريف لاعبًا أساسيًا في إدارة المباحثات مع دول الاتحاد الأوروبية، حول إنشاء آلية للتحايل على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد خروجه من الاتفاق العام الماضي، ومع ذلك فإن استقالته المفاجئة أثارت تكهنات عديدة حول وجود خلاف سياسي عميق بينه وبين نظام الملالي.
ففي أول تعليق له منذ الاستقالة، قال ظريف، في حوار نشره موقع جريدة “انتخاب” الإصلاحية، إنه بعد “نشر صور المقابلة بين المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي والرئيس السوري بشار الأسد في طهران من دون حضوره لم يعد هناك أدنى احترام لوجوده في منصب وزير الخارجية”، حيث استقبل آية الله علي خامنئي الرئيس السوري بشار الأسد في العاصمة الإيرانية طهران الاثنين، لكن المراقبين لاحظوا أن ظريف لم يكن حاضرا.
وذكر موقع “نامه نيوز” الإيراني اليوم، الثلاثاء، أن الرئيس حسن روحاني يستعد لتعيين رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي كمرشح لمنصب وزير الخارجية خلفًا للوزير المستقيل محمد جواد ظريف.
وقال الموقع إنه “بعد استقالة الدكتور ظريف، سيقدم الرئيس حسن روحاني، علي أكبر صالحي كوزير للخارجية”.
ويحظى علي أكبر صالحي بعلاقة قوية مع المرشد علي خامنئي والرئيس روحاني وبظريف، وهو يعتبر من الشخصيات الوسطية ذات التاريخ الدبلوماسي لكن من خارج السلك.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي. بي. سي” أن ظريف تعرض لضغوط كبيرة من معسكر المتشددين في إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الذي يحد من قدرات طهران على تخصيب اليورانيوم.
من جانبه، قال موقع “افتاب نيوز” الإيراني الإصلاحي، إن القيادي البارز في التيار المتشدد بإيران حميد رسائي، دعا السلطات القضائية إلى إصدار قرار يمنع ظريف من مغادرة البلاد للتحقيق معه بشأن العقوبات الأمريكية الجديدة ووجود عناصر تجسس بفريقه في الخارجية، قائلًا: “استقالة ظريف من وزارة الخارجية هو بداية لانهيار حكومة الرئيس حسن روحاني”، معربًا عن سعادته لهذه الاستقالة.
ورأى رسائي، الذي يعد من أشد المعارضين للاتفاق النووي المبرم مع الغرب، أن “ظريف فرض اتفاقيات مشينة على إيران”، مضيفًا: “شخص بدأ دراسته للمرحلة الثانوية وحتى نهاية الحكومة العاشرة (الولاية الثانية لحكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد) في الولايات المتحدة، بعدما حمل وفرض على إيران جملة من الاتفاقيات مشينة منها الاتفاق النووي، وحاول فرض اتفاقيتي باليرمو CFT، وفاتف FATF، لكن فشل في ذلك”.
وتابع: “السلطة القضائية مطالبة أن تمنع ظريف من السفر للخارج، لمناقشة دورة في فرض العقوبات الجديدة بالإضافة إلى التحقيق بوجود عناصر تجسس في فريقه بوزارة الخارجية”.
وأكدت شبكة “سي. إن. إن” الأمريكية أن استقالة ظريف تمثل نهاية جهود إيران لخلق مناخ سياسي خارجي يركز على التعامل مع الغرب، ونقلت عن تريتا بارسي، الرئيس السابق للمجلس الوطني الإيراني الأمريكي، قوله إن السبب الأبرز والأقوى الذي دفع ظريف للاستقالة هو الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب على إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي.
وقال بارسي لـ”سي. إن.إ ن”: “بعد استقالة ظريف واستبداله بشخصٍ آخر، سنعرف أن الحرب التي شنتها إدارة ترامب على الاتفاق النووي الإيراني قد نجحت وأسفرت عن سقوط ضحايا سياسين إيرانيين موالين للاتفاق”، مؤكدًا أن استقالة ظريف ستؤدي بالتأكيد إلى استقالة رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ، فيديريكا موجريني، التي تعتبر من أبرز مؤيدي الاتفاق.
أما صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية فقالت إن استقالة ظريف كانت بمثابة خطوة مناورة لجأ إليها نظام روحاني لإسكات الأصوات المعارضة والتي تحتج طوال الوقت على تردي الأوضاع الاقتصادية وتطالب باستقالة روحاني من منصبه، لاسيما وأن عددًا من أعضاء من مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) وقعوا على عريضة تطالب الرئيس بالاستقالة وبوجود نظام برلماني وبإنهاء منصب الرئيس تماما.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن نظام روحاني أجبر ظريف على الاستقالة لإرضاء التيار المتشدد والحرس الثوري الإيراني، وذلك في سبيل عدم مضايقته خلال فترته الرئاسية التي تنتهي في 2021.
ولفتت “هآرتس” إلى أن ظريف كان يخطط للاستقالة منذ شهرٍ مضى، بعد أن اعترض على أنشطة الحرس الثوري الإيراني الإرهابية في أوروبا، وهو ما أدى إلى تشديد العقوبات على إيران التي تواجه الآن صعوبة شديدة في التحايل على تلك العقوبات، فمؤخرًا صرح ظريف بأن الشعب الإيراني لن يتحمل الحصار الاقتصادي، في الوقت الذي أكد فيه روحاني أن إيران تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ ثورة الخميني.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن هذه التصريحات أثارت عاصفة غضب لدى مكتب المرشد الأعلى والتيار المتشدد وقيادات الحرس الثوري، الذين اعتبروا أن تلك التصريحات مداهنة للغرب ودعوة جديدة للتفاوض معهم حول الاتفاق النووي، فضلًا عن التشكيك في القرار السيادي.
ورأت صحيفة “جارديان” البريطانية أن خامئني سيتدخل في تعيين وزير الخارجية الجديدة، وهو ما سيؤدي إلى تعزيز سيطرته على الحكومة الإيراني وتوجيه دفة سياستها الخارجية، وهو ما سيكون بمثابة كارثة على الاتحاد الأوروبي الذي يحاول الحفاظ على الاتفاق النووي.