أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيراني، عباس موسوي، اليوم أن سفارة بلاده في هولندا تتابع وتتحقق من احتمالية اشتراك جهاز المخابرات الهولندي في عملية تخريب موقع “نتنز” النووي.
ما القصة؟
كشف تقرير نشر على موقع “ياهو” الأمس الاثنين عن تعاون أوروبا مع وكالة المخابرات المركزي الأمريكية “سي آي إيه” والموساد في هجوم إلكتروني استهدف منشآت إيران النووية في عام 2007.
قال التقرير إن مهندسا جندته المخابرات الهولندية “AVID” لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” والـ”سي آي إيه” تسبب فيروس إلكتروني يسمى “ستكوسانت-Stuxnet” زرعه في إحداث أضرار بالغة للبرنامج النووي الإيراني.
وبحسب التقرير، قالت 4 جهات استخباراتية إن الجاسوس الذي جندته هولندا قدم معلومات مصيرية للمخابرات الأمريكية ساعدتهم على استهداف منظومات تخصيب اليورانيوم بموقع “نتنز”، ووفر إمكانية الوصول إلى الموقع عندما حان موعد زرع الفيروس المبتكر بالمنظومة الإيراني بواسطة “الناقل التسلسلي العالمي-USB”. وأكد مصدر أن الجاسوس الهولندي كان العنصر الأهم في عملية زرع الفيروس بمفاعل “نتنز”.
وأوضح التقرير أن عملية زرع الفيروس التي يطلق “عملية الألعاب الأولمبية” لم تكن تهدف إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، ولكن تعطيله فقط، من أجل إجبار طهران على العودة إلى المفاوضات بجانب وسائل الضغط الاقتصادية والسياسية الأخرى. تلك الجهود التي نتج عنها في النهاية إبرام الاتفاق النووي لعام 2015، بين إيران والقوى العالمية الـ6 آنذاك، روسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاقية في مايو 2018.
كيف بدأت القصة؟
في بداية الأمر، كانت العملية نتاج تعاون بين المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وشملت وكالة الامن الوطني الأمريكية “إن إس إيه”، ووكالة المخابرات المركزية “سي آي إيه”، وجهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” والوحدة “8200” المختصة بالشؤون الإلكترونية، وتلقى هذا التعاون دعما معلوماتيا ومساعدة من 3 نظراء آخرين من فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
وفصل التقرير المساعدات التي قدمتها تلك الدول الثلاث في العملية، حيث قال إن ألمانيا ساهمت بمعلومات تقنية تتعلق بمنظومات الرقابة في المفاعل الإيراني، والتي أنتجتها شركة “سيمينز” الألمانية، كما تحكمت في حركة دوائر الطرد المركزية في نتنز.فيما قدمت فرنسا معلومات مماثلة.
ومن جهتها، قدمت هولندا معلومات مخابراتية حول النشاطات الإيرانية في عمليات شراء معدات المشروع النووي من أوروبا، ومعلومات خاصة عن دوائر الطرد المركزية في نتنز، والتي تعود في الأساس إلى شراء إيران في عام 1996 تصاميم مسروقة من شركة هولندية من قبل العالم الباكستاني عبد القدير خان، مصمم المشروع النووي الباكستاني، في السبعينيات، والذي لم يكتف فقط بإيران، وباع تلك التصميمات والمعلومات إلى دول أخرى، من بينها ليبيا.
واخترقت أجهزة المخابرات الهولندية والأميركية والبريطانية شبكات التزويد الخاصة بخان في أوروبا، والتي ساعدت ذلك في بناء مشروعي إيران وليبيا،و تعد عمليات الاختراق الإلكترونية تلك بداية عصر جديد في عالم التجسس.
وأوضح التقرير أن إيران أقامت موقع نتنز عام 2000، وكان من المقرر أن تعمل في 50 آلأف دائرة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، لكن هولندا تمكنت في العام نفسه من اختراق شبكة الرسائل الإلكترونية التابعة لمنظمة أمنية إيرانية مركزية، للحصول على معلومات سرية تخص البرنامج النووي.
وفي العامين التاليين، تابعت أجهزة مخابرات الدول المذكورة بسرية تامة نشاط مفاعل نتنز، حتى كشف معارضون إيرانيون، ففي أغسطس 2002 تفاصيل المشروع النووي علنا من خلال مؤتمر صحفي في العاصمة الأمريكية واشنطن، بناء معلومات أجهزة المخابرات الغربية، ما أضطر إيران إلى وقف النشاط في نتنز لمدة تقارب العامين.
تفاصيل العملية
فال التقرير أن المهندس الهولندي أقام شركات بهدف الدخول عن طريقها إلى نتنز، وجمع معلومات من خلالها يقوم بتطوير فيروس يستهدف دوائر الطرد المركزية بالمفاعل.
وكشف عن أن مركبات المشروع النووي الليبي قد تم نقلها إلى إسرائيل وأمريكا، واستخدمت لدراسة أجهزة الطرد المركزية، حيث طور فيروس قادر على تعطيلها.
وبعد اجتماع عقده أحد مسؤولي الموساد في السفارة الإسرائيلية في لاهاي والمسؤول المعتمد في السفارة الأميركية من قبل “سي آي إيه” مع ممثل وكالة التجسس الهولندية بنهاية عام 2004، طُلب من الهولنديين التعاون، وكانت بريطانيا والولايات المتحدة تمكنتا من وضع أيديهما على آلاف المركبات لإنتاج دوائر طرد مركزية كانت في طريقها إلى ليبيا، والتي استخدمت كنماذج في نتنز.
ووافق معمر القذافي في النهاية على تفكيك مشروع ليبيا النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والتنازل عن كل المركبات التي تلقاها. وفي مارس 2004، نقلت المركبات إلى مختبر “أوك ريدج” الدولي في تينيسي، وإلى منشأة أخرى في إسرائيل، حيث قام علماء هذه الدول بتركيبها ودراستها، وكان الهدف في بادئ الأمر هو تقدير الوقت الذي تحتاجه إيران لتخصيب الكم الكافي من اليورانيوم لتصنيع قنبلة نووية، لكن هذه الدراسة نتجت عنها فكرة البحث عن طريقة لتعطيلها.
في هذا الوقت كانت هولندا لديها جاسوس في إيران. الذي تحرك بناء على الطلب الإسرائيلي والأمريكي، في مسارين متوازيين، من خلال شركتين محليتين وهميتين تعملان على اختراق الموقع النووي.
وبعد إعادة إيران النشاط إلى المفاعل في نهاية 2005، بدأت في فبراير 2006،. في تخصيب اليورانيوم بواسطة المجموعة الأولى من دوائر الطرد المركزية، ولكن طرأت مشكلات تسببت بتعطيل المشروع. ليتأجل على إثرها إعلان طهران الرسمي ببدء التخصيب لمدة عام.
في هذه الأثناء كان العمل يجري على قدم وساق لتطوير شفرة هجومية لشل المفاعل، وخلال عام 2006، عرضت على الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش الابن نتائج تجربة عملية لتخريب دوائر طرد مركزية، والذي قام بدوره بالتصديق على خطة الهجوم السرية بعد الوقوف على نسب نجاحها.
وبينما كانت إيران قد انتهت من تركيب حوالي 1700 دائرة طرد في مايو 2007، تمكن الجاسوس الهولندي من اختراق المفاعل من خلال ثاني شركاته الوهمية والتي تلقت الدعم من المخابرات الإسرائيلية، حيث كانت الأولى قد أثارت الكثير من الشبهات حولها.
وبين التقرير أن الجاسوس تدخل عدة مرات لتحديث الفيروس الذي تم زرعه، ليكون مناسبا لتنفيذ الهدف المنشود، فيما كانت آخر عمليات التحديث في 24 سبتمبر من 2007.