برغم بشاعة ما حدث فى قرية «شبرا البهو»، وبرغم قساوة بعض القلوب فى القرية التى وصفت بـ«القرية الظالم أهلها»، تفسيرا حميدا، للأسف كثير من خوف حرك كوامن الذعر، مختلطا بنوازع جماعة شريرة تستثمر فى الجائحة، فهب البعض مذعورا لرفض دفن جثمان الطاهرة الدكتورة سونيا عبدالعظيم، على غير أخلاق جبلت عليها الناس فى بر مصر من «إكرام الميت دفنه».
برغم ما حدث وصار مثلا يضرب فى مزق البنية الاجتماعية بفعل الجائحة، يخرج علينا نفر كريم مقدر من شباب القرية معتذرًا لروح الفقيدة وأسرتها فى لافتة معبرة عن الأصالة المصرية والروح الطيبة، معلقة فى مدخل القرية، بصورة للفقيدة، وفوقها اعتذار راق: «يتقدم أهالى قرية شبرا البهو بخالص التعازى للأستاذ الدكتور محمد الهنداوى فى وفاة حرمه دكتورة سونيا عبدالعظيم، ونعتذر عما بدر من قلة غير واعية».
يمتن هذا الاعتذار الفريد، قرار رائع من محافظ الدقهلية الإنسان الدكتور «أيمن مختار» بتسمية المدرسة الابتدائية بقرية شبرا البهو، مركز أجا، باسم الدكتورة سونيا ضحية فيروس كورونا ليصبح اسمها «مدرسة الدكتورة سونيا عبدالعظيم عارف الابتدائية».
جميل ومحترم من المحافظ وشباب القرية، وجميل قبوله من الدكتور الهنداوى زوج الفقيدة، «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» (الأعراف/ 199)، والمعنى أن الله أمرك (يارسول الله صلى الله عليه وسلم) أن تعفو عمن ظلمك، وتعطى من حرمك، وتصل من قطعك، «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب/ 21).
يستوجب تثمين صنيع شباب القرية الواعين لدورهم فى تحسين صورة قريتهم التى أصابتها لعنة كورونا، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أن الهبة القبيحة غير الأخلاقية من الفتن التى ابتلينا بها بمس من إخوان الشيطان، الإخوان إذا دخلوا قرية أفسدوها.
بارك الله فى شباب القرية المثقفين، وبارك الله فى المحافظ المحترم، وستظل لافتة دكتورة سونيا معلقة على المدرسة تخليدا وترفيعا لمكانتها، من حق أسرة دكتورة سونيا أن ترفع رأسها فوق، فالمرض ليس معرة، وكورونا ليست عيبًا، والإصابة بالفيروس مكتوب على الجبين، واللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين.
أعلم أن جرحهم غائر، جرح القلوب، ويحتاجون وقتا للبلسمة، ولكن اعتذار الأخيار يبلسم جرح الأشرار، وإذا كان نفر قليل قد أساء الأدب فى محل حرمة الموت، فإن أهل القرية مسحوا الإساءة باعتذار وبصورة جميلة للفقيدة تزين مدخل القرية، تقول هنا بشر يعرفون الحق، وأصحاب خلق، ويعتذرون عما صدر من قلة لم تع جلال الموت، الموت ما بقالهوش جلال يا جدع بتصرف، كما قال طيب الذكر صلاح جاهين.
جبر الخواطر مستحق تماما، وفى المقابل نثمن صنيع أهل قرية شباس عمير، التابعة لمركز قلين بكفرالشيخ، الشهيرة بقرية فاطمة تعلبة، ضربوا المثل فى كيفية التعامل مع المتوفين بسبب فيروس كورونا، حيث شيع الأهالى صباح اليوم الأحد جنازة السيدة آمال خير وداع، صورة بألف مثل مما يعدون.