تصاعدت مؤخراً حدة الاتهامات بين الولايات المتحدة الصين على خلفية انتشار فيروس كورونا من الصين إلى دول العالم ، حيث تبادل الجانبين الاتهامات بشأن انتشار الفيروس ، واتهمت كل واحدة منهم الأخرى بأنها السبب في تواجده ، حيث أكد الرئيس الأمريكي ” ترامب ” أنه اطلع على أدلة تثبت أن فيروس كورونا ينحدر من معهد بمدينة ” ووهان ” الصينية ، مُعتبراً أن الصين فشلت في احتواء الفيروس أو تركته ينتشر بشكل متعمد .
بينما نفت الصين تلك الاتهامات، مؤكدة أن أفراد من الجيش الأمريكي كانوا وراء انتشار الفيروس في ووهان خلال زيارتهم لها في نوفمبر 2019 ، وأن منبع المرض أمريكي الأصل ، بدلالة الأعداد الكبيرة من المصابين والضحايا الأمريكيين مقارنة بالصينيين ، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتشف أمر هذا المرض إلا بعد أن كشفت عنه الكوادر والمعاهد الصحية الصينية .
فيما رفضت الولايات المتحدة تلك الاتهامات ، حيث أكد ترامب أن الجيش الأمريكي لم ينقل الفيروس للصين ، بل جاء الفيروس من الصين ، حيث وصف ” ترامب ” الفيروس مراراً وتكراً بأنه ” فيروس صيني ” ، وتوالت بعد ذلك الاتهامات الأمريكية للصين بأنها هي مصدر الفيروس على النحو التالي : –
- يوم (28) إبريل الماضي أعرب الرئيس ” ترامب ” عن استياءه من الصين ، معتبراً أنه كان من الممكن ردع الفيروس من مصدره بالصين ، وما كان ليتفشى في العالم أجمع .
- اتهم وزير الخارجية ” مايك بومبيو ” الصين في عدد من المقابلات التلفزيونية بالمسئولية عن الفيروس ، معتبراً أن الصين أخفت معلومات بشأن الفيروس ، وحجبت الحقائق الرئيسية عن منظمة الصحة العالمية ، مشيرا إلى أنه يعتقد بأن الفيروس نشأ في المختبرات الصينية وأضاف أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها العالم للفيروسات نتيجة لحالات فشل تقع في معمل صيني .
- اتهم المستشار التجاري للبيت الأبيض ” بيتر نافارز ” الصين بإرسال اختبارات للأجسام المضادة منخفضة الجودة ومزيفة إلى الولايات المتحدة ، مشيراً إلى أن الصين تحاول الاستفادة من الوباء وبيع شحنات من الاختبارات المزيفة .
- أكدت ( المخابرات الأمريكية – CIA ) أنها تعتقد أن الفيروس يعود أصله إلى الصين ، ولكنه لم يكن نتاج عمل بشري أو تعديل جيني ، مضيفة أنها ستواصل فحص ما يظهر من معلومات لتحديد ما إذا كان التفشي بدأ من خلال مخالطة حيوانات مصابة أو ما إذا كان نتيجة حادث بمختبر في مدينة ووهان الصينية ، كما خلص تقرير استخباراتي مقدم للبيت الأبيض في أبريل 2020 إلى أن بكين أخفت حجم الأزمة ، ولم تعلن عن حقيقة إجمالي حالات ( الإصابة / الوفاة ) بسبب الفيروس ، وأن حالات ( الإصابة / الوفاة ) كانت غير كاملة بشكل متعمد .
وقف الولايات المتحدة الدعم الذي تقدمه لمنظمة الصحية العالمية ، واتهامها بالتساهل مع الصين
- وجه الرئيس الأمريكي ” ترامب ” انتقاداً حاداً لمنظمة الصحة العالمية ، واتهمها بأنها كانت متساهلة أكثر من اللازم مع الصين ، مضيفاً ” أفسدت منظمة الصحة العالمية الأمر بالفعل لسبب ما رغم أنها ممولة بشكل كبير من الولايات المتحدة ، إلا أنها ركزت بشكل كبير على الصين ، سنولي هذا الأمر نظرة فاحصة ، لحسن الحظ فإنني رفضت نصيحتهم في وقت مبكر بإبقاء حدودنا مفتوحة أمام الصين ، لماذا قدموا لنا توصية خاطئة كهذه ؟ ” ، ليعلن بعدها ” ترامب ” وقفه للدعم الذي تقدمه بلاده لمنظمة الصحة العالمية .
- بعد أيام من قرار الرئيس ” ترامب ” بوقف الدعم لمنظمة الصحة العالمية ، قامت الصين بتعديل أعداد الوفيات في مدينة ووهان وقامت برفع تلك الأعداد ، مما جعل الرئيس ” ترامب ” يواصل هجومه على الصين بأنها تخفي الحقائق ، وغير دقيقة في المعلومات بشأن أعداد ( الوفيات / المصابين ) ، حيث نشر ” ترامب ” تغريدة على موقع تويتر قال فيها ( أعلنت الصين مضاعفة عدد الوفيات من العدو غير المرئي ، إنها أعلى بكثير من ذلك وأعلى بكثير من وفيات الولايات المتحدة ، ليست بأي حال قريبة منها ) .. من جانبها نفت الصين تلك الاتهامات ، حيث أكدت الخارجية الصينية أنه لم يكن هناك أي تستر على المعلومات ولن تسمح بأي إخفاء ، وأن ما حدث هو خطأ حصل في احتساب عدد الوفيات فقط .
- كررت منظمة الصحة العالمية التأكيد بأن الفيروس من أصل طبيعي ، داعية لتحديد المصدر الحيواني للفيروس وكيف تم اختراق حاجز الأنواع بين الحيوان والبشر ، حيث شدد ” مايكل راين ” مسئول الطوارئ في منظمة الصحة العالمية على أن منظمة الصحة استمعت مراراً وتكراراً إلى العديد من العلماء الذين فحصوا البصمة الجينية للفيروس ، قائلاً ( نحن متأكدون من أن هذا الفيروس طبيعي المنشأ ) .. كما أعربت المنظمة عن أملها في أن تتلقى دعوة من السلطات الصينية للمشاركة في تحقيقاتها بشأن المصادر الحيوانية للفيروس ، وهو الأمر الذي رفضته الصين من قبل ، حيث رفضت في وقت سابق دعوات لإجراء تحقيق دولي مستقل حول ظهور الفيروس ، مُعتبرة أن الدعوات للتحقيق المستقل تُخفي دوافع سياسية .
- عرقلت كلا من الولايات المتحدة والصين مشروع قرار ( فرنسي – تونسي ) في مجلس الأمن ، يدعو لتعزيز التنسيق بمواجهة الفيروس .. وعن خلفيات العرقلة ، أوضح مراقبون أن الصين تريد ذكر منظمة الصحة العالمية في مشروع القرار ، في حين أن الولايات المتحدة ترفض ذلك ، ويرجع ذلك إلى أن ” ترامب ” يعتبر أن منظمة الصحة العالمية تفتقر للشفافية ولم تحذر مبكراً من المخاطر العالمية التي يفرضها الوباء .
اتهامات الرئيس الأمريكي ” ترامب ” للصين بالتدخل في الانتخابات الرئاسية المقبلة
- يوم (30) إبريل 2020 الماضي اتهم ” ترامب ” الصين بأنها تريد أن يخسر الانتخابات المقبلة ، مشيراً إلى أن إنه يعتقد أن أسلوب إدارة الصين لأزمة فيروس كورونا دليل على أن بكين على استعداد لبذل كل ما في وسعها ، لكي ينهزم في محاولته الفوز بالرئاسة لفترة ثانية في انتخابات نوفمبر المقبل ، قائلاً ( بإمكاني أن أفعل الكثير .. الاتفاق التجاري الذي أبرمته مع الرئيس الصيني بهدف تقليل العجز التجاري الأمريكي مع الصين اختل اختلالاً شديداً بفعل التداعيات الاقتصادية للفيروس ) ، وعندما سُئل ” ترامب ” عما إذا كان يفكر في اللجوء إلى فرض رسوم على الصين أجاب قائلاً : ( ثمة أمور كثيرة يمكن أن أفعلها ، نحن ندرس ما حدث ) .
- جاءت تلك التصريحات عقب الهجوم الذي شنته حملة المرشح المحتمل ” جو بايدن ” الانتخابية ضد الرئيس الأمريكي ، واتهامه بأنه تساهل مع الصين خلال الأزمة ، كما أنه لم يكن حاسماً بشكل كافي مع السلطات الصينية ، حيث أكد توني بلينكن مستشار السياسة الخارجية لبايدن أن تعامل ترامب بتراخي مع الصين في وقت مهم للغاية ، بينما ” بايدن ” سيصر على تحميل الصين مسئوليتها ، فلهجة ” ترامب ” الحادة تجاه الصين جاءت في اليوم التالي لإطلاق حملة ” بايدن ” مقطعي فيديو يتهم فيما ” ترامب ” بالتساهل مع الصين .
- ردت الخارجية الصينية على اتهامات ” ترامب ” بالتدخل في الانتخابات الرئاسية ، مؤكدة أنه ليس لديها مصلحة في ذلك ، حيث صرح ” قنج شوانج ” المتحدث باسم الخارجية الصينية بأن الانتخابات شأن داخلي للولايات المتحدة وأن بكين تأمل ألا يحاول الأمريكيون جر الصين إليها .
- أظهرت استطلاعات الرأي تُظهر تراجع التأييد الشعبي للرئيس ” ترامب ” في ولايات أساسية ، وسط انتقادات لأدائه في أزمة كورونا ، ولذلك لجأ ” ترامب ” إلى إقحام الصين في حملته الانتخابية واتهمها بنشر الفيروس في العالم .
تداعيات تصاعد الاتهامات بين الولايات المتحدة والصين على مستقبل الاقتصاد العالمي
- مع تطورات الأحداث حول الفيروس ، وتداعياته على مستقبل الاقتصاد الأمريكي والعالمي ، تجددت مطالبات ” ترامب ” بالحصول على تعويضات من الصين ، على غرار ما فعلت ألمانيا ، حيث قال ترامب ” إذا كانت ألمانيا تدعو الصين إلى دفع مبلغ 165 مليار دولار ، فإننا سنطالب بتعويضات أكثر ، نحن نتحدث عن أموال أكثر بكثير مما تتحدث عنه ألمانيا ولم نحدد المبلغ النهائي ، إنه سيكون كبيراً للغاية ” .. من جانبها حثت الصين الولايات المتحدة على التوقف عن إلقاء اللوم على الآخرين ، معتبرة أن هدف ذلك هو التغطية على سوء تعاملها مع الفيروس في الداخل الأمريكي .
- رغم أن الصراع الاقتصادي القائم بين من ( الولايات المتحدة / الصين ) قد ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي ككل ، فإن تأثيرات فيروس كورونا ستكون هي التحدي الأصعب الذي يواجه الاقتصاد العالمي في المرحلة القادمة ، حيث يشير تقرير وكالة أونكتاد ( مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ) إلى أن الأزمة التي تسبب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في الاقتصاد العالمي ، وهو ما سيتسبب في انخفاض النمو السنوي العالمي لهذا العام بنسبة (2.5 % ) ، ووفقاً لتقارير اقتصادية ، فإن تداعيات تفشي فيروس كورونا ، قد يلغي النتائج المتحققة من الاتفاق الاقتصادي بين ( الولايات المتحدة / الصين ) ، وهو ما سيضر بالاتفاق ، وسيلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي ككل ، حيث أعلنت وزارة التجارة الأمريكية أن اقتصاد الولايات المتحدة انخفض بمعدل سنوي نسبته (4.8% ) ، خلال الربع الأول من العام الحالي ، وأوضحت أن التراجع في الناتج المحلي الإجمالي كان مدفوعاً بهبوط الإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل (70%) من النشاط الاقتصادي الأمريكي ، حيث هبط إنفاق المستهلكين بمعدل سنوي بلغ (7.6 %) خلال الفترة نفسها ، في الوقت نفسه ، يرى بعض الاقتصاديين أن الدول التي تتعافي مبكراً من هذا الفيروس ، وتعاود أنشطتها الاقتصادية تستطيع دفع عجلة الاقتصاد للأمام ، وتستطيع أن تستحوذ على الحصة الأكبر من الاقتصاد العالمي ، وهنا يكمن جوهر الخلاف الأمريكي – الصيني .