نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب عماد الدين حسين بعنوان “الصحفيون وكورونا.. والمستقبل الصعب” جاء على النحو الآتي :-
كيف ستتعايش الصحافة والإعلام مع فيروس كورونا وتداعياته المختلفة؟
نستطيع أن نفهم إمكانية تعايش القطاعات الاقتصادية والإنتاجية مع الفيروس، لكن كيف سيكون شكل تعايش الصحافة والإعلام؟!
نظريا فإن وسائل الإعلام يفترض أن تعمل فى كل الظروف، بل إن عملها يزدهر فى الأزمات، لكن المفارقة أن كارثة كورونا، وجهت ضربة قاتلة لصناعة الصحافة فى أماكن كثيرة، وإذا استمرت بنفس وتيرتها الحالية، فإن تأثيرها على الصحافة المصرية سيكون شديدا، بل وقد يهدد بقاء بعض وسائل الإعلام.
القاعدة الأساسية أن التطورات المتسارعة، مهما كان حجمها وقوتها وتأثيرها، فإنها لا تقضى على مهنة الإعلام والصحافة، فالقاعدة هى أن المهنة باقية لكن الوسيلة متغيرة.
الإعلام لن ينتهى أبدا، لأن العالم يحتاج إليه دائما، لكن طريقة وكيفية وآلية الحصول عليه هى التى ستتغير. نعرف أن كثيرين راهنوا على أن الإذاعة ستقضى على الكتاب وأن التليفزيون سيقضى على الراديو، وأن الإنترنت سيقضى على الصحافة والتليفزيون، وأن الموبايل سيقضى على الجميع، لكن كل ذلك لم يحدث. وما تزال غالبية وسائل الإعلام مستمرة بصورة أو بأخرى.
الأزمة الاقتصادية الطاحنة تضرب كل العالم الآن، ولذلك فإن وسائل إعلام كثيرة ستكون مضطرة لاتخاذ إجراءات تقشف قاسية، حتى يمكنها الاستمرار. وقبل أيام قال وزير الإعلام أسامة هيكل فى حواره مع الإعلامى تامر أمين، إن الإعلام أكثر سوق تأثر سلبا بكورونا، وتوزيع الصحف الورقية تراجع كثيرا بسبب التطور التكنولوجى.
الصحافة الورقية ستتعرض لنقص جديد فى التوزيع، لأن عددا كبيرا من الناس لا ينزلون إلى الشوارع، وإذا نزلوا، فإنهم يخافون من لمسها بسبب وجود انطباعات خاطئة بأنها قد تنقل العدوى، لكن العامل الأهم، هو أن الشركات وبسبب أزماتها الحالية، تضحى بنسبة كبيرة من الإعلانات الموجهة للإعلام، لدفع رواتب موظفيها. هذه الإعلانات هى الأكسجين الذى لا يمكن لوسائل الإعلام أن تتنفس من دونه.
السؤال: كيف ستتصرف وسائل الإعلام مع هذا النقص فى الموارد، والذى قد يستمر طويلا؟.
أصحاب الصحف وملاكها وكبار المساهمين فيها، قد يتحملون دفع تكاليف الإصدار لشهر أو عشرة، لكن ماذا لو استمرت الأزمة، ومعها نزيف الخسائر؟!
البعض سيلجأ مضطرا للتقشف ليستمر، والبعض الآخر، قد يجد نفسه يواجه شبح التوقف، فى حين أن الصحف الحكومية تضمن حتى الآن الحصول على جرعات مكثفة من «الكورتيزون الحكومى» المستمر حتى لو كان يتناقص فى الفترات الأخيرة.
لو كنت مكان الحكومة لدعمت كل الصحف المصرية حتى تقف على قدميها وتمر من الأزمة.
الدعم لا يعنى أن يكون دعما ماليا مباشرا كما يتخيل البعض، بل على الأقل أن يتم تأجيل مستحقات التأمين والضرائب والخدمات المختلفة مثل الكهرباء والاتصالات لستة شهور أو سنة.
قد يعتقد البعض أن توقف الصحف والفضائيات خصوصا غير الحكومية يعنى نهاية صداع فى رأس الحكومة. لكن بنظرة طويلة وأكثر عمقا فإن ذلك ليس صحيحا بالمرة. لأن وجود صحف وفضائيات ذات لون واحد قد يجعل الجمهور يهرب لوسائل إعلام معادية للدولة تعمل ليس فقط على تأليف وابتكار الشائعات، بل هدم أسس الدولة نفسها.
تعايش الصحافة مع الأوضاع المستجدة يتطلب رؤية مختلفة تركز أكثر على الوسائط الإلكترونية. التجربة الأخيرة علمتنا أن المستقبل معظمه سيكون محجوزا لكل ما هو «أونلاين» من أول التعليم إلى الاجتماعات مرورا بالتعليمات الطبية نهاية بالمعاملات البنكية. لم يعد مطلوبا تكدس الناس فى المكاتب، المهم هو الإنتاج والأكثر أهمية هو نوعية هذا الإنتاج أى المادة الصحفية المقدمة إلى القراء والمشاهدين. وهذا هو جوهر الأمر الذى نسميه بالمحتوى، سواء كان ذلك قبل كورونا أو أثناءها أو بعد نهايتها إن شاء الله.
من دون مادة ومحتوى جيد ومتميز فما الذى سيجبر شخصا على شراء جريدة، ومشاهدة محطة فضائية أو مطالعة موقع إلكترونى؟!.. إنه المحتوى أولا وأخيرا.
أظن أن الصحفيين سيكون مطلوبا منهم تعميق علاقتهم بمصادرهم، حتى لو كان ذلك أونلاين لضمان الحصول على الخبر والقصة الأفضل والأكثر تشويقا.
الصحافة تعنى الخبر وتعنى الانفراد وتعنى القصة المعمقة. سيظل ذلك هو أساس المهنة، مهما تغيرت الوسائل. صحافة البيانات و«البرس ريليز» لا يمكنها أن تكون هى الأساس مهما كانت سرعة انتشارها حاليا.
على وسائل الإعلام أن تقوم بالمزيد من التدريب المتنوع لعناصرها لكيفية التعايش مع كورونا، وكيفية التدريب أكثر على التعامل مع التقنية الحديثة، الصحفيون مطلوب منهم الاجتهاد أكثر حتى يحافظوا على وظائفهم فى هذا الزمن الصعب.