صدّقت اللجنة الانتخابية المركزية الروسية اليوم 2 يوليو 2020 على نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية الروسية ، في استفتاء استمر لمدة 7 أيام خلال الفترة من 25 يونيو : 1 يوليو 2020 ، – لتجنب الازدحام في مراكز الاقتراع خلال وباء كورونا – ، وذلك بعد قيام الناخبين الروس بالتصويت بأغلبية ساحقة لصالح تلك التعديلات التي تُتيح للرئيس الروسي ” بوتين ” – البالغ من العمر 67 عام – الترشح فترتين أخريين للرئاسة بعد انتهاء ولايته الحالية في عام 2024 ، ليبقى في السلطة حتى عام 2036 .
على الرغم من أن تطبيق هذه التعديلات سيسمح للرئيس ” بوتين ” بالبقاء في منصبه لفترة أطول ، ولكن الأهم من ذلك ، ستدخل التعديلات تغييرات دقيقة على النظام السياسي الروسي تقلل من قوة القادة الأفراد ، حيث تهدف تلك التعديلات إلى الحد من دور الرؤساء المستقبليين من خلال فرض حد أقصى للمدة وخفض تأثير الرئيس على أجزاء معينة من الحكومة ، خوفاً من أن يأتي خليفة غير لائق بعد ” بوتين ” يمكن أن يفسد هيكل السلطة الذي بناه ” بوتين ” .
بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء في عموم البلاد (67.97%) ، وقد أعلنت اللجنة أنه بعد فرز (100%) من الأصوات ، أظهرت النتائج أن (77.92%) من المشاركين صوتوا لصالح التعديلات الدستورية ، بينما رفض التعديلات (21.27%) من المشاركين ، كما أكدت رئيسة اللجنة ” إيلا بامفيلوفا ” أن التصويت على التعديلات كان شرعيًا ، وأنه من المقرر أن تتم الموافقة على النتائج النهائية وإعلانها رسمياً في اجتماع للجنة الانتخابات المركزية غداً الموافق (3) يوليو 2020 .
حقق الكرملين من خلال إجراء الاستفتاء ، الشرعية الشعبية لتلك التعديلات من الناحية الفنية ، على الرغم من أن الحكومة الروسية لم تكن ملزمة بتنظيم استفتاء لإجراء هذه التغييرات ، حيث تتمتع السلطات ( القضائية / التنفيذية / التشريعية ) في روسيا بسلطات كافية لدفع هذه التعديلات بموجب القانون .. ومع ذلك ، من المرجح أن تستمر مجموعات المعارضة في روسيا في الطعن في نتائج الاستفتاء ، لكن من غير المحتمل أن تشكل المعارضة أي تأثير على التعديلات الدستورية .
(( أبرز التعديلات الدستورية التي تم التصويت عليها ))
تشمل التعديلات العديد من المواد الموجودة في الدستور ، فضلاً عن إضافة مواد أخرى ، ويُمكن تصنيفها بشكل عام تحت (3) أبواب ، وهم :
1 – المؤسسات :
مجلس الدولة سيحدد توجه السياستين ( الداخلية / الخارجية ) ، والأولويات الاجتماعية والاقتصادية .
تُحدد فترة الرئاسة للشخص الواحد بدورتين رئاسيتين ( بدلاً من دورتين متتاليتين ) ، وفي هذه الحالة لن يتم احتساب الدورات السابقة لمن هو في الرئاسة الآن ، وهذا ما سُمي بـ ( تصفير العداد ) للدورات الرئاسية الماضية لـ ” بوتين ” ، بما يسمح بترشحه من جديد لدورتين أخريين .
2 – الأيديولوجيا المحافظة :
منع أي فعل يهدف إلى مصادرة أي أرض روسية ، أو يدعو إلى ذلك .
حماية ( الحقيقة التاريخية ) عن الحرب الوطنية الكبرى ( 1941 : 1945 ) ، ومنع
( الاستهانة ) بمآثر ومنجزات من قاتلوا فيها .
حماية المؤسسة الزوجية بوصفها ارتباطاً بين رجل وامرأة .
منع المسئولين من حمل جوازات أجنبية أو إقامة أجنبية أو حسابات في بنوك أجنبية .
الإشارة إلى إيمان الروس بالرب ، كما ورثوا ذلك من أسلافهم .
3 – قضايا اجتماعية :
ربط معاشات التقاعد بمؤشر المستهلك ( مستوى التضخم ) .
يجب أن لا يكون الحد الأدنى للأجور أقل من الحد الأدنى للدخل الذي يضمن مورد العيش .
بلورة ( موقف مسئول ) تجاه الحيوانات .
(( نظرة على المشهد العام الداخلي في روسيا بالتزامن مع إجراء الاستفتاء ))
1 – أدت القيود الحكومية المفروضة على نشاط المعارضة والجهود المبذولة للسيطرة على كل جانب من جوانب الحياة السياسية تقريباً لجعل ( الانتخابات / الاستفتاء على التعديلات الدستورية ) شكلية إلى حد كبير ، حيث يتمتع الكرملين بسلطة مطلقة في وضع السياسات والحفاظ على السلطة ، بسبب عدم وجود معارضة قادرة على العمل بفاعلية ، وعلى مدار ما يقرب من عقدين سيطر حزب (( روسيا المتحدة )) على السياسة الروسية كأداة لسيطرة ” بوتين ” على الحكم ، والذي عزز ذلك هو النظام في روسيا ، والذي يعرف باسم ( الديمقراطية المُدارة ) ، والذي يتم بموجبه قمع نشاط المعارضة بشدة .
2 – قيام الحكومة بالسيطرة على التناول الإعلامي الخاص بـ ( التحديات الاقتصادية / الأداء السياسي للحكومة ) في وسائل الإعلام ، بالإضافة لقيام النظام بإنشاء أحزاب معارضة جديدة سيكون عاملاً رئيسيًا في قدرة ” بوتين ” على الاحتفاظ بالسلطة .. وسوف يظهر مدى نجاح النظام مع ديمقراطيته المدارة في التعاقب السريع خلال السنوات القادمة في ( الاستفتاء الدستوري لعام 2020 – انتهى بالموافقة – / انتخابات مجلس الدوما عام 2021 / انتخابات الرئاسة لعام 2024 ) .
3 – كما يدير الكرملين بقوة التناول الإعلامي في الجزء الرئيسي الخاص بجهود الرئيس
” بوتين ” للحفاظ على شعبيته لدى الناخبين وقمع أي معارضة .. وفي الآونة الأخيرة ، أصبح هذا الجهد واضحاً من خلال دور القائم بأعمال رئيس التحرير حالياً في صحيفة فيدوموستي ” أندريه شماروف ” – التي كانت واحدة من أكبر الصحف اليومية المستقلة في روسيا – ، ولكن بعد الإعلان عن بيع الصحيفة في (17) مارس الماضي ، بدأ
” شماروف ” في رفض الموضوعات التي تنتقد الكرملين ، وفي اجتماع يوم (22) أبريل الماضي ، أنهى ” شماروف ” تعاون الصحيفة مع مركز ( ليفادا ) – وهي مجموعة استطلاع وبحث مستقلة – وذلك بسبب الاستطلاعات الأخيرة التي أظهرت أن الروس منقسمون بشدة حول التعديلات الدستورية .
4 – يستعد الكرملين لتقسيم المعارضة من خلال إنشاء أحزاب سياسية معارضة جديدة لسحب الأصوات مما تم وصفه بالمعارضة الحقيقية ، حيث بذل الكرملين جهودًا كبيرة في توسيع هذه الأحزاب المعارضة ، حيث إنه على الرغم من انفصال تلك الأحزاب عن حزب ( روسيا المتحدة ) الحاكم ، إلا أنهم يؤيدونه ضمنيًا ، مثل الأحزاب الرئيسية في مجلس الدوما ( الحزب الشيوعي / الحزب الليبرالي الديمقراطي ) .. ومنذ عام 2019 تم إنشاء عدد متزايد من الأحزاب السياسية الجديدة غير المتحالفة رسمياً مع الكرملين ، ولكنها أيضاً لم تعارضه بشكل صريح ، حيث تركز العديد من هذه الأحزاب على قضايا شعبية محددة .
(( أبرز ردود الفعل الداخلية والدولية على التعديلات الدستورية ))
(( ردود الفعل الداخلية ))
1 – أعرب الرئيس ” بوتين ” عن شكره وامتنانه للمواطنين الروس لتصويتهم على التعديلات الدستورية ، حيث أكد – خلال اجتماع للجنة المنظمة للتصويت على الدستور اليوم – قائلاً ( قبل البدء بالعمل أود أن أتوجه إلى مواطني روسيا بكلمات الامتنان ، أود أن أقول لهم شكراً جزيلاً لدعمكم وثقتكم ) .
2 – اعتبر الكرملين نتائج التصويت على التعديلات الدستورية انتصاراً واضحاً وكبيراً ، مشيراً إلى أنها تُعد استفتاء على الثقة بالرئيس ” بوتين ” ، وكانت معياراً لمدى عمق ثقة الروس في ” بوتين ” لإدارة الدولة ، كما أوضح المتحدث باسم الكرملين ” دميتري بيسكوف ” أن الرئيس ” بوتين ” أجرى سلسلة من الاتصالات الهاتفية مع القادة الأجانب اليوم ، تم خلالها تهنئته على نتيجة التصويت الناجحة ، وأوضح ” بيسكوف ” أن ” بوتين ” تحدث هاتفياً مع كلاً من ” رئيس وزراء الهند ” ناريندرا مودي ” ورؤساء ( أوزبكستان / كازاخستان / طاجيكستان / أذربيجان ) .. ومن جانبه هنأ رئيس وزراء الهند ” مودي ” الرئيس ” بوتين ” بالنجاح الذي حققه التصويت الشعبي على التعديلات الدستورية ، كما أعرب ” بوتين ” عن شكره لـ ” مودي ” على التهنئة وعلى مشاركة وحدة من القوات المسلحة الهندية في عرض النصر بالساحة الحمراء في (24) يونيو الماضي ، والذي أُجري بمناسبة الذكرى الـ (75) للانتصار على النازية في الحرب الوطنية العظمى ، وأكد الطرفان عزمهما المتبادل على مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية المميزة بين البلدين ، والتنسيق الوثيق على المستويين ( الثنائي / الدولي ) .
3 – أعرب السفير الروسي لدى واشنطن ” أناتولي أنطونوف ” عن ثقته بأن التصويت على تعديل دستور روسيا سيضع حداً للمحاولات من الخارج لاقتطاع أجزاء من أراضي روسيا ، حيث أوضح السفير أن هناك بند في التعديلات وهو يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن للدولة الروسية ، سيضع حداً لجميع المحاولات من الخارج لاقتطاع أجزاء من روسيا ، وأضاف قائلاً ( تمت التضحية بالكثير من دماء المواطنين الروس من أجل الحفاظ على كل سنتيمتر من الأراضي الروسية .. الكثيرون ضحوا بحياتهم من أجل إقامة الدولة الروسية ) ، كما أشار إلى أن نتيجة التصويت ستكون تعزيزاً لأمن الدولة الروسية ، وذات أهمية أساسية لتنمية البلاد ، موضحاً أن التعديلات تهدف أيضاً إلى تحقيق التكامل بين المكون ( الاجتماعي / الاقتصادي ) ، مؤكداً أنه كلما كانت الدولة الروسية أقوى سيكون المواطن أغنى وستكون حياته أفضل ، مشيراً إلى أن هذه النقطة مذكورة بوضوح شديد في التعديلات الدستورية .
4 – نددت منظمة جولوس (Golos) المستقلة – التي تدافع عن حقوق الناخبين وهي منظمة روسية غير حكومية – بأنه خلال أيام التصويت كانت هناك تقارير عديدة عن مخالفات مختلفة وانتهاك حق المواطنين في الإشراف على التعديلات الدستورية .
(( ردود الفعل الخارجية ))
دعا الاتحاد الأوروبي روسيا إلى التحقيق في شبهات بمخالفات خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، حيث أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي ” بيتر ستانو ” قائلاً ( علمنا بتقارير واتهامات عن وجود مخالفات خلال التصويت ، ومنها إكراه ناخبين والتصويت مرتين وانتهاك سرية التصويت واتهامات باستخدام الشرطة العنف ضد صحفي كان متواجداً ، ونتوقع أن يتم التحقيق في تلك التقارير كما ينبغي ، لأنها اتهامات خطيرة ) .