نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب ” عماد الدين حسين ” بعنوان ” لا تصدقوا أى ميليشيا!” جاء على النحو الآتي :-
تبدأ المسألة بصورة نبيلة جدا، وتنتهى بكارثة!! هذه هى خلاصة بداية ونهاية ظهور الميليشيات فى المنطقة.
بدايات ظهور الميليشيات كانت وردية وتدغدغ العواطف، وكلنا يعرف كيف كانت النهاية.
فى فبراير ١٩٧٩، قامت الثورة الإيرانية، وشاركت فيها كل القوى السياسية فى البلاد التى عارضت الشاه رضا بهلوى، لكن آية الله الخومينى أحد أبرز قادة الثورة، أبعد وسجن وقتل كل الشركاء، وخوفا من الجيش والشرطة، أنشأ الحرس الثورى، والحجة وقتها تشكيل
«فيلق القدس» لتحرير القدس.
ونعلم بالطبع أن هذا الجيش بأسمائه المختلفة، لم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل، لكنه أطلق الكثير ضد المحتجين فى إيران وتدخل فى العراق وسوريا واليمن ولبنان.
خطورة هذه الميليشيا أنها صارت نموذجا تم استلهامه فى أكثر من دولة عربية.
فى لبنان تشكل حزب الله لمقاومة الاحتلال الإسرائيلى بحجة أن الجيش اللبنانى ضعيف. للموضوعية نجح الحزب بمساعدة إيرانية واضحة فى تحقيق معجزة حقيقية وتحرير الجنوب اللبنانى من دنس الاحتلال الصهيونى عام ٢٠٠٠.
غالبية الشعوب العربية وفى مقدمتها السنية أيدت الحزب فى مقاومته ضد إسرائيل حتى عام ٢٠٠٦.
لكن بعد ذلك صار الحزب يستخدم قوته العسكرية لمصلحته ومصلحة حلفائه، وصار فعليا دولة داخل الدولة، والنتيجة أنه صار يتحمل أمام اللبنانيين والمجتمع الدولى مسئولية الحالة المحزنة التى وصل إليها لبنان خصوصا بعد الانفجار الأخير فى ميناء بيروت.
الميليشيات فى العراق ظهرت أيضا بحجة محاربة داعش، الذى احتل حوالى نصف العراق عام ٢٠١٤.
كان مفترضا أن يتصدى الجيش والشرطة لخطر داعش، لكن إيران وبمساعدة من بعض الأحزاب الشيعية الطائفية، شكلت ميليشيات الحشد الشعبى، لتكون لها ذراعا دائمة فى العراق.
تم دحر وهزيمة داعش، لكن استمرت الميليشيا التى تصدرت للاحتجاجات الشعبية ضد الفقر والفساد العام الماضى، وهى الآن متهمة باغتيال الناشئين السياسيين المعارضين للنفوذ الإيرانى، ولم يعد ممكنا تشكيل حكومة من دون رضاء هذه الميليشيا التى حاولت حكومات كثيرة دمجها فى الجيش، لكنها فشلت.
الوضع فى سوريا أكثر تعقيدا، الميليشيات دخلت من كل حدب وصوب، شيعية وسنية ورغم وجود جيش وطنى، فهناك العديد من التنظيمات والميليشيات الطائفية والسياسية التابعة للعديد من الدول المجاورة والبعيدة ويكفى النظر لخريطة التنظيمات فى إدلب، لنعرف الحالة التى وصلت إليها الشقيقة سوريا.
الميليشيا الحوثية فى اليمن، لم تكن تحتاج إلى عامل خارجى، هى نشأت بدعم إيرانى واضح بحجة الدفاع عن الزيديين وبمساعدة من على عبدالله صالح سيطرت على العاصمة صنعاء ومناطق كثيرة بالبلاد، ثم انقلبت عليه وقتلته بطريقة وحشية، ولا ننسى هنا ميليشيا جماعة الإصلاح الإخوانية أو داعش.
وللموضوعية فالميليشيات ليست فقط صناعة إيرانية، أو قاصرة على الدول التى بها عدد كبير من الشيعة، ولكنها موجودة فى بلدان سنية خالصة مثل ليبيا. فى هذه الدولة تعمد حلف الأطلسى ومعه قطر عدم جمع السلاح بعد إسقاط القذافى عام ٢٠١١، الأمر الذى ترك ٢٣ مليون قطعة سلاح ومئات الميليشيات، التى صارت هى الحاكم الفعلى فى طرابلس والمنطقة الغربية، ومعها آلاف المرتزقة الذين أرسلهم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.
هذه الميليشيات قالت فى بدايات نشأتها إن هدفها الوحيد هو إسقاط معمر القذافى، لكنها حتى الآن تتقاتل فيما بينها والدليل ما يحدث من صراع مكتوم صار علنيا، بين ميليشيات محسوبة على طرابلس بزعامة الجويلى، وأخرى على مصراتة بقيادة وزير الداخلية فتحى باشاجا، ومعهم عشرات الميليشيات الجهوية والإجرامية الأخرى.
ولا ننسى محاولات جماعة الإخوان إنشاء ميليشيا تحت اسم «جيش القدس» فى مصر أثناء فترة حكمها، لكن الهدف كان حماية الجماعة من أى غضب شعبى محتمل.
نفس الأمر قاله على عثمان طه نائب الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، حينما هدد المحتجين بـ «ميليشيات الظل»، والحمد لله أن الشعب السودانى الشقيق، تمكن من إسقاط الرئيس وجماعته بسرعة، قبل أن تتمكن هذه الميليشيات من التحرك.
ولا تنسوا أيضا الدور الذى تلعبه جماعات مثل القاعدة وداعش فى العديد من البلدان العربية، مثل الصومال، وكانت السبب فى تدخل دولى واسع النطاق فى هذا البلد أدى إلى تفككه وهشاشته.
خلاصة القول إنه فى كل مكان ظهرت فيه الميليشيات وبغض النظر عن المبررات العاطفية والحماسية فى البداية، فإن النهاية واحدة ومأساوية. فاحرصوا جميعا على الانتباه لخطورة هذه الميليشيات.