فى مفاجأة غير متوقعة دخلت إسرائيل دائرة الصراع حول الاتفاق النووى الإيرانى 5+1 الذى تم فى عام 2015 المكون من مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، وهى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، بالإضافة إلى ألمانيا التى لعبت دورًا مهمًا فى هذا الاتفاق، حيث إن معظم الأدوات المستخدمة فى البرنامج النووى الإيرانى هى ألمانية الصنع، كما أن هناك حوالى 50 شركة ومؤسسة ألمانية تتواجد فى إيران.. وتوصلت هذه الدول إلى اتفاق يسمى 5+1 فى يوليو 2015 فى مدينة فيينا بشأن تقليص النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على إيران، ويومها أعلن الرئيس الأمريكى أوباما أن هذا الاتفاق يقطع الطريق أمام إيران للحصول على السلاح النووى.
ونصت الصفقة على السماح للمفتشين التابعين للأمم المتحدة بمراقبة المواقع العسكرية الإيرانية لضمان تنفيذ بنود الاتفاق، ولقد كانت إحدى نقاط الضعف فى الاتفاق النووى الإيرانى 5+1 أنه لم يتطرق إلى البرنامج الصاروخى الإيرانى، الذى يشكل خطرًا نوعيًا على الأراضى الأوروبية، ولكن كان رأى الجميع أن اتفاق 5+1 يحقق مصالح حيوية مشتركة لكل من أوروبا وإيران، بعضها مصالح أمنية تتمثل فى وقف سباق التسلح النووى فى المنطقة، وأخرى اقتصادية تتمثل فى فتح أسواق إيران أمام الاستثمارات الأوروبية، فضلاً عن مصالح سياسية فى دمج إيران فى المجتمع الدولى فى محاولة لتغيير نمط سلوكها ونظامها السياسى وتهديداتها ونشر الإرهاب فى المنطقة، كما أن هذا الاتفاق يحقق سيطرة النظام الدولى على الأنشطة النووية فى إيران.
وبعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وفى خطوة مفاجئة أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من اتفاق 5+1، وأنه سيفرض على إيران أعلى مستويات العقوبات الاقتصادية، لكن أعلنت الدول الأوروبية التى وقعت هذا الاتفاق عن أسفها لقرار الولايات المتحدة بالانسحاب من هذا الاتفاق، وكان رأى ترامب أن هذا الاتفاق أبقى على قدرات إيران النووية فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، واكتفى الاتفاق فقط بتحديد مستوى التخصيب، وأن هذا الاتفاق يعطى إيران عام 2020 رفع الحظر المفروض من الأمم المتحدة بخصوص تصدير واستيراد الأسلحة، وفى عام 2023 ينتهى حظر الأمم المتحدة، وسيصبح من حق إيران تطوير برنامجها الصاروخى الباليستى، وأنه فى عام 2028 سيصبح من حق إيران إعادة تصنيع أجهزة الطرد المركزى، خاصة أن برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانى كان غير مدرج فى الاتفاق، خاصة أن مديات هذه الصواريخ يمكن بعد تطويرها أن تصل إلى دول الاتحاد الأوروبى كلها.
ومع استمرار الضغوط الاقتصادية الأمريكية على إيران قررت الأخيرة زيادة معدل التخصيب إلى 20%، وتخلت عن بنود الاتفاق طالما العقوبات الأمريكية موجودة، كذلك أثارت إيران العالم كله بالقيام بعمل تجارب للصواريخ الباليستية، حيث أظهرت فى مقاطع إطلاق صاروخ باليستى مسمى «هويزه»، وفى تجربة أخرى صاروخ باليستى متوسط المدى «شهاب 3»، وانتقلت بعدها إيران من مرحلة الضغوط السياسية إلى مرحلة المواجهة من خلال الهجوم على ناقلات النفط واحتجازها وتهديد أمن الملاحة فى الخليج العربى ومضيق هرمز، الذى يعبر من خلاله خُمس الاستهلاك العالمى من الطاقة يوميًا.
وفى الأسبوع الماضى، وبعد وصول الرئيس الأمريكى جو بايدن للسلطة، أعلن وزير الخارجية الأمريكى الجديد أنتونى بلينكن أمام مجلس الشيوخ أن الولايات المتحدة لايزال أمامها طريق طويل قبل أن تتخذ قرارًا بشأن العودة للاتفاق النووى الإيرانى.
وفى توقيت مفاجئ، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلى أفيف كوخافى أن جيش بلاده يجدد خطط العمليات المرسومة لمواجهة إيران، وأن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووى الإيرانى المبرم فى 2015 ستكون خطوة خاطئة، وبدا أن تلك التصريحات هى رسالة للرئيس الأمريكى جو بايدن، مفادها أن يتوخى الحذر فى أى تواصل دبلوماسى مع إيران، حيث إن صدور مثل تلك التصريحات عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلى بشأن صنع سياسة أمريكية أمر نادر الحدوث، ومن المرجح أنها تمت بعد موافقة من الحكومة الإسرائيلية. وقال اللفتنانت جنرال كوخافى، فى خطاب أمام معهد دراسات الأمن القومى فى جامعة تل أبيب، إن العودة للاتفاق النووى الموقع فى 2015 أمر سيئ وخاطئ من وجهة نظر عملياتية واستراتيجية، وأضاف أن سحب الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بلاده من الاتفاق النووى عام 2018 كان خطوة رحب بها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى انتقد الاتفاق بسبب ما تضمنه من رفع للعقوبات، كما حذر من احتمال تطوير إيران أسلحة نووية بعد انتهاء مدة سريانه.
ومنذ انسحاب واشنطن من الاتفاق، تخطت إيران تدريجيًا حدودًا أساسية مفروضة بموجبه، وزادت من مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب، وبدأت فى تخصيبه بدرجات أعلى من النقاء وفى استخدام أجهزة طرد مركزى، بما لا يتسق مع بنود الاتفاق، وقال كوخافى إن تلك الخطوات التى اتخذتها إيران تُظهر أن بمقدورها فى النهاية اتخاذ قرار بالمضى قدمًا وبسرعة صوب تصنيع أسلحة نووية، وتابع كوخافى قائلا: «فى ضوء هذا التحليل الأساسى، وجهت قوات الدفاع الإسرائيلية لإعداد مجموعة من الخطط العملياتية إضافة لما لدينا بالفعل»، وأضاف: «اتخاذ قرار بشأن التنفيذ سيعود بالطبع للقيادة السياسية، لكن تلك الخطط يجب أن تكون على الطاولة».
وتشير المعلومات إلى أن إسرائيل حاولت من قبل خلال فترة الرئيس أوباما القيام بضربة مفاجئة ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكن الرئيس أوباما رفض ذلك رفضًا قاطعًا، وأكد أن ذلك العمل العسكرى الإسرائيلى ضد إيران سوف يشعل التوتر فى المنطقة.. وكرر لإسرائيل أن العالم بصدد الوصول إلى اتفاق، وكان يعنى اتفاق 5+1، واليوم عادت إسرائيل مرة أخرى إلى نفس المفهوم الذى ترى فيه أن حصول إيران على القوة النووية تهديد مباشر لأمنها القومى، الذى سيعيد الحسابات حول ذلك الموقف ليس فى منطقة الشرق الأوسط فقط ولكن على مستوى الدول الأوروبية وأمريكا، خاصة أن الولايات المتحدة اتخذت قرارًا الأسبوع الماضى بانضمام إسرائيل إلى قيادة القيادة المركزية الأمريكية فى الشرق الأوسط.