بقلم الدكتورة/ فاطمة محمد دسوقى سالم
يحتفل المصريين من كل عام بعيد الربيع أو ما يعرف “بشم النسيم” أو عيد النيروز أو الفصح أو عيد أدنويس أو رأس السنة البابلية أو عيد الحصاد والتى ظلت طقوسة ومراسم الإحتفال به مستمرة و تنتقل على مر العصور وهو عيد ليس جديد على المصريين بل كان موجود منذ آلاف السنين منذ عصر الفراعنة بل و يرجع لعصر ما قبل الأسرات و كان يحتفل به الفلاح المصرى، وعلى الرغم من إحتفال المصرى القديم بالكثير من الأعياد الدينية والاجتماعية وغيرها إلا أن عيد شم النسيم كان له طابع خاص ومميز لدى المصريين، حيث هو الإحتفال الوحيد الذى جمع بين كل المصريين بإختلاف عقائدهم الدينية و ظل هذا مستمرًا حتى الآن.
وكان عيد شم النسيم من الأعياد الرئيسية المرتبطة بالأعياد الزراعية الكونية في مصر الفروعونية، ومع مرور االعصور أخذ شكل مختلف مرتبط بالطبيعة حيث تنمو المحاصيل فية وتزدهر الأزهار، ففى اللغة المصرية القديمة عُرف هذا العيد باسم “شمو” وهى كلمة مصرية بمعنى “البعث”، وقام المصرى القديم بإطلاق نفس الكلمة على فصل الصيف، والتى جاءت بمعنى “الحصاد” ثم أصبحت بعد ذلك “شم” وهى كلمة قبطية، ثم أضيف لها كلمة “النسيم” نتيجة للجو المعتدل واللطيف فى ذلك الوقت.
وكان عيد “شم النسيم” بالنسبة للمصرى القديم هو بداية لحياة جديدة فى كل عام لأن ملامح الطبيعة تتغير فى ذلك الوقت وتزدهر بشكل جميل، متفائلين ببداية جديدة ويستعيدوا فيها نشاطهم، حيث تتفتح الأزهار ويعود الإزدهار النباتى و كان بُشرى لبداية موسم جديد وهو موسم “الحصاد”، ففى ذلك الوقت تتوافر الغلال التى تم حصادها فى المخازن، ويتم القيام بالطقوس الدينية للإله إحتفالاً بسنابل القمح الخضراء،والتى كانت ترمز للخير والسلام والرخاء فى البلاد.
واتخذ هذا الإحتفال الشعبى طابع مميز عند المصرى القديم وقام بتسجل هذه الإحتفالات على جدران المعابد و المقابر من خلال النقوش، تخليدًا لهذا الإحتفال وما تقام به من طقوس فى هذا اليوم، فكان المصريون يخرجون إلى الحدائق والحقول من أجل الإستمتاع والإحتفال، وكان يتم إعداد الكثير من الطعام والشراب المتنوع المرتبط بهذا الإحتفال، مثل البيض وكان له مدلول دينى حيث يرمز إلى التجدد لأن البيضة هى نشأة حياة وعنصر لإخراج كائن حى جديد وقت عرف باسم “سوحت”، والسمك المملح المعروف حاليًا بـ”الفسيخ” كما عرف قديمًا بـ “حعبي” وراتبط بهذا الإحتفال نتيجة الإعتقاد بأن الحياة خلقت من محيط مائى لا حدود له وجاءت منه الكائنات الحية أى كرمز للبعث، وعثر فى مقبرة الوزير “رخ مي رع” الأسرة 18 على نقوش توضح كيفية صناعة هذا السمك المملح، والبصل والذى عرف قديمًا بـ “بصر” كرمز للحماية لأنه يشفى الأمراض والخضروات الأخرى كالخس الذى ارتبط بالإله “مين” كرمز للخصوبة والوقاية من الأمراض بالإضافة إلى الحمص الأخضر والذى عرف قديمًا بـ “حور-بك” كرمز إلى التجدد والأزدهار.
وقد أظهرت النقوش المصورة لهذا الإحتفال مناظر توضح موائد الأطعمة المختلفة والتى كانت تتسم بالثراء الشديد وخاصة فى الطبقات العليا من المجتمع، كالكهنة والوزراء وكبار الموظفين،أما بالنسبة لطبقة عامة الشعب فكانوا يستمتعون ويحتفلون بتناول المأكولات والمشروبات التى تتناسب مع مستواهم المعيشى وعلى حسب الإمكانيات المتوفرة لديهم إلا أن ذلك لم يمنعهم من الإحتفال والشعور بالسعادة والتى كانت تنتشر فى كل أرجاء الدولة، وإلى جانب الطعام والشراب كانوا يحتفلون بالرقص والموسيقى.