في إطار المتابعة المستمرة لكافة المستجدات على الاتجاهات الاستراتيجية ، وخاصة الساحــة الأفريقية ، على مختلف الأصعدة بشكل عام ، خاصة الصعيد الأمني ، تم إعداد هذا التقرير ، والذي يتضمن أبرز تطورات الأوضاع فيما يخص نشاط الحركات المسلحة التشادية في ( تشاد / جنوب ليبيا ) ، إضافة لأبرز المعلومات المتيسرة عن هذه الحركات ، فضلاً عن الجهود المبذولة لمناهضة تلك الحركات المسلحة ، وذلك عقب تصاعد توتر الأوضاع الأمنية داخل تشاد ، وأيضاً في الجنوب الليبي نتيجة انتشار عدد من العناصر المسلحة والمرتزقة الأفارقة التابعة لبعض حركات التمرد في دول ( السودان / النيجر / تشاد ) ، والتي تنتشـر بشكل خاص على الحدود الجنوبية لليبيا ، حيث تقوم تلك العناصر بأعمال ( نهب وسرقة / خطف / تهريب / ترويع المواطنين ) .. وفيما يلي أبرز ما تم رصده بهذا الصدد :
أولاً : نشاط الحركات المسلحة في تشاد :
1 – تشهد تشاد حالة من عدم الاستقرار الأمني ، حيث تواجه منذ سنوات عدد من التنظيمات الإرهابية على طول حدودها ، كما تكافح تنظيم بوكو حرام في غرب البلاد ، والذي يبايع تنظيم داعش الإرهابي ، كما يتواجد بها نزاعات بين المتمردين على طول الحدود مع ليبيا ، إضافة للنزاعات الداخلية .. كما تشهد ( منطقة جبال تيبستي ) قرب الحدود مع ليبيا منذ سنوات مواجهات مستمرة بين الجيش التشادي وحركة المقاومة الوطنية لجبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد FACT – قادمين من ليبيا – .. وقد برز ذلك في قوع اشتباكات عنيفة في هذه المنطقة عام 2019 عندما أوقفت عمليات قصف فرنسية بطلب من الحكومة التشادية تقدم المتمردين الذين حاولوا الإطاحة بالرئيس ” ديبي ” حينها ، حيث كان ” ديبي ” يواجه حالة من السخط الشعبي المتزايد بسبب إدارته للثروة النفطية بالبلاد ، فضلاً عن تعامله الحاد مع المعارضة الداخلية .
2 – في هذا الإطار قامت حركة المقاومة الوطنية لجبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد FACT – قادمين من ليبيا – بشن هجوم على القوات الحكومية بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية يوم (11) أبريل 2021 ، ودارت اشتباكات عنيفة بين ( مسلحي الجبهة / قوات الجيش ) ، أسفرت عن مقتل وإصابة العديد من الجانبين ، حيث أعلن الجيش عن مقتل نحو (300) مسلح توغلوا في شمال البلاد في معارك قتل فيها (5) جنود ، فيما تم أسر (150) مسلح بينهم (3) قادة ، موضحاً أن قوات الجيش تمكنت من ضبط (24) مركبة خاصة بالمسلحين ، وفي أعقاب ذلك أعلن المتحدث باسم الجيش التشادي ” عزم برماندوا أجونا “ مقتل الرئيس ” ديبي ” متأثراً بإصابته خلال اشتباكات لحركات مسلحة مع الميليشيات الناشطة في جنوب ليبيا .
ثانياً : نشاط الحركات المسلحة التشادية في جنوب ليبيا :
1 – من خلال المتابعة لتطورات الأوضاع الأمنية في جنوب ليبيا ، تلاحظ وجود نشاط ملحوظ لعدد من الحركات المسلحة التشادية هناك ، مستغلة حالة الفراغ الأمني النسبي ، واتساع المساحات الصحراوية بتلك المناطق والتي اتخذتها تلك الحركات مقراً لها ، لتمارس أنشطتها الإجرامية والمسلحة ، وقد أبدى مسئولون في دول ( النيجر / أفريقيا الوسطي / السودان ) – تشترك في حدود مع ليبيا – تخوفهم من الميليشيات والمرتزقة المنتشـرين في ليبيا ، خاصة بعد التغيرات ( السياسية / العسكرية ) التي شهدتها بعض الدول الإفريقية ، أبرزها ( مقتل الرئيس التشادي ديبي إبريل 2021 / الانقلاب العسكري في غينيا على الرئيس الفا كوندي في سبتمبر الجاري ) ، وسط تحذيرات دولية من تدهور الوضع الأمني داخل ( ليبيا / تشاد ) بسبب تلك الأحداث والفراغ الأمني بتلك المناطق .
2 – أيضاً تقوم الحركات المسلحة التشادية ببث مقاطع فيديو تهدد خلالها أهالي الجنوب الليبي بعدم مغادرة جنوب ليبيا ، رداً على مطاردة الجيش الليبي لهم على حدود البلدين ، حيث ظهر في المقطع الذي تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي خلال شهر مايو 2021 مجموعة من الحركات المسلحة التشادية وهم يتوعدون أهالي مدينة مرزق المهجرين بالجنوب الليبي بقتلهم وتشريد عائلاتهم ، على خلفية مطالبات أهالي مرزق لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة ” الدبيبة ” بضرورة إيقاف تفعيل صندوق إعمار المدينة إلى حين عودة أهلها ، وإخراج المجموعات التشادية المسلحة التي تهدد المدينة ، وأكدت وكالة ( نوفا ) الإيطالية أن الحركات المسلحة التشادية تعمل على توفير الأموال من تهريب الوقود والمخدرات والبضائع المختلفة للميليشيات بالغرب الليبي.
ثالثاً : الجهود المبذولة لمناهضة الحركات المسلحة في ( تشاد / جنوب ليبيا ) :
1 – فيما يخص الجيش الليبي :
أطلقت قوات الجيش عملية عسكرية يوم (14) سبتمبر الجاري ضد مسلحي المعارضة التشادية المنتشرة في جنوب ليبيا ، والتي استغلت الفراغ الأمني النسبي واتساع المساحات الصحراوية بتلك المناطق ، لتمارس أنشطتها الإجرامية والتي تتمثل في ( التهريب / القتل / الترويع / السرقة ) .. وأسفرت العملية العسكرية حتى الآن والتي شاركت فيها القوات ( البرية / الجوية ) عن مقتل العشرات من عناصر تلك الجماعات من بينهم نائب رئيس جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد – إحدى حركات المعارضة التشادية – ” هارون محمد شتي ” ومساعده ، وتدمير عشرات العربات .. تأتي هذه العملية في إطار خطة القوات المسلّحة من أجل فرض كامل السيطرة على الجنوب الليبي وتأمين الحدود الجنوبية .
2 – فيما يخص تشاد :
أ – الإعلان بتاريخ (18) سبتمبر الجاري عن انشقاق (98) آلية مسلحة تابعة للمعارضة التشادية بقيادة ” محمد حكي عبدالرحمن “ عن المعارضة ، والانضمام للقوات التشادية النظامية ، عقب تكبد المعارضة التشادية خسائر فادحة ، حيث أعلن التليفزيون الرسمي التشادي أن المجموعة المسلحة عادت من ليبيا إلى تشاد وانضمت إلى القوات التشادية النظامية .
ب – اقترح رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد ” إدريس ديبي “ بتاريخ (26) أغسطس 2021 إعادة إحياء الاتفاق الرباعي بين ( ليبيا / السودان / النيجر / تشاد ) بتشكيل قوة عسكرية مشتركة على الحدود مع ليبيا للحيلولة دون توغل جماعات متمردة على غرار ما حدث في أبريل الماضي وأدى إلى مقتل والده .
جـ- أعلنت تشاد عن إعادة (600) جندي بعد الاتفاق مع قوات مجموعة دول الساحل الخمس لمكافحة التنظيمات الإرهابية التي تشن هجمات داخل تشاد والتي تنطلق من مواقعها في الجنوب الليبي .
رابعاً : أبرز المعلومات عن الحركات المسلحة التشادية المنتشرة في الجنوب الليبي :
صنفت تقارير ليبية ودولية (5) حركات تشادية معارضة مسلحة تنشط في ( تشاد / جنوب ليبيا ) تعد الأخطر على أمن المنطقة ، حيث تشن عمليات عسكرية تسبب توتراً دائماً للأنظمة الحاكمة بالمنطقة ، وأبرزها الآتي :
1 – ( حركة المقاومة الوطنية لجبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد FACT ) – الحركة الأقوى عسكرياً – برئاسة ” مهدي علي ” ، تتمركز بمواقع عدة في ( سبها / منطقة أم الأرانب ) جنوب غرب ليبيا .. وفيما يلي أبرز المعلومات المتيسرة عنها :
– تشكلت في أبريل 2016 أثناء الاستعدادات للانتخابات الرئاسية في تشاد في ذلك العام بعد انشقاق عن جماعة متمردة تشادية أخرى هي اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية .
– يقودها ” مهدي علي محمد “ ، والذي قضى وقتاً في المنفى في فرنسا قبل أن يعود إلى ليبيا عام 2015 ، وينتمي إلى عرقية القرعان من منطقة بحر الغزال وسط تشاد .
– في أحد أوائل المنشورات للجبهة على فيسبوك في أبريل 2016 دعت إلى ميلاد ثورة جديدة في تشاد ، وركزت على الإطاحة بالرئيسي ” ديبي ” لما زعمت أنه تزوير في انتخابات ( 2016 / 2021 ) .
– تتباين التقديرات لقوة السلاح الذي تمتلكه الجبهة وحجم قواتها ، حيث أفادت أنباء في أبريل 2016 بأن الجبهة لديها (1500) مقاتل ، فيما ذكر تقرير في يونيو 2017 أن الجبهة لديهم نحو (1000) مقاتل و(100) مركبة ، كما أشارت لجنة خبراء في ليبيا تابعة للأمم المتحدة في تقرير أصدرته في ديسمبر 2019 إلى أن الجبهة لديها نحو (700) مقاتل .
– تتكون من الكثير من المقاتلين من عرقيات مختلفة الغالبية منها تنتمي لقبائل ( التبو ) المستقرة على جانبي الحدود التشادية الليبية ، وينحدر الرئيس السابق ” إدريس بري ” الذي أطيح به من ” الغوران ” إحدى هذه القبائل التي ظل أفرادها عموماً معادين لسلطات نجامينا ، ولا يرغب الغوران والعرب في أن تقتصر السلطة على الزغاوة ( قبيلة ديبي ) ، فهم يرفضون منطق الخلافة الأسرية للحكم .
أبرز المعلومات المتيسرة عن زعيم جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد :
– الاسم : ” مهدي علي محمد ” قائد حركة المقاومة الوطنية لجبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد FACT ، ويعد أحد القادة الرئيسيين للمعارضة المسلحة .
– مواليد عام 1964 بالعاصمة ( نجامينا ) .
– ينتمي لجماعة ( القرعان ) العرقية .
– في عام 2005 وقعت حركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد – التي كان أحد ممثليها في فرنسا – اتفاقية سلام مع ” ديبي ” ، وعلى إثرها تولى وظيفة مرموقة في وزارة البنية التحتية التشادية ، لكن عام 2008 ، وصل التمرد إلى العاصمة ، وانضم للتمرد مرة أخرى .
– قاد حملة للحزب الاشتراكي في الصحراء الليبية ضد ” إدريس ديبي ” منذ عام 2008 .
– درس في فرنسا .
– حصل على اللجوء السياسي في فرنسا .
– شارك في العديد من حركات المعارضة .
– عام 2015 تم إرساله إلى ليبيا لإعادة تنظيم قوات التمرد بأوامر من ” محمد نوري ” الزعيم التاريخي للتمرد التشادي ، ولكن وقع خلاف بينهما انتهى بلجوء ” مهدي ” إلى ليبيا ، حيث أنشأ حركته الخاصة التي انضم إليها نحو (1500) مقاتل حينها .
2 – حركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد ، والتي تتكوّن من مسلحين تابعين لقبائل ( التبو ) التشادية ، وتأسست في جبال ( تيبستي ) ، ونقلت نشاطاتها إلى الجنوب الليبي بعد الثورة ، وهي من أقدم الحركات المتمردة في الصحراء بين البلدين ، وكانت الحكومة الليبية السابقة في عهد ” القذافي ” قد سجنت غالبية قادتها بطلب من حكومة ( نجامينا ) في تسعينيات القرن الماضي .
3 – القوات الثورية المسلحة من أجل الصحراء(FARS) ، وهي الجماعة التشادية التي تشتهر بنشاطاتها المسلحة في ( جنوب ليبيا / شمال تشاد / النيجر ) ، واتهمها تقرير استخباراتي أمريكي نشرته سفارة واشنطن في ليبيا بالتجهيز لعمليات مسلحة واسعة تستهدف النظامين ( التشادي / النيجري ) ، وأكدت أنها جهزت لهذه العمليات انطلاقاً من ليبيا ، مما عزز الاعتقاد بوقوف هذه الحركة المتمردة ، وراء الأحداث الأخيرة في تشاد التي أودت بحياة رئيس البلاد .
4 – المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية التشادية ، وهو من بين الفصائل المعارضة لنظام الحكم في تشاد التي لها وجود في جنوب ليبيا وتحركات مسلحة في الأراضي التشادية ، وهي من أكبر حركات المعارضة ، حيث أعادت عام 2019 تشكيل مجلس قيادتها بـ (12) شخص ، على رأسهم ” أبكر شريف عيسى ” كأمين عام ، خلفاً لـ ” محمد حسن بولماي ” الذي اعتقلته الحكومة النيجرية مع عدد من معاونيه عند دخوله البلاد قادماً من ليبيا وقتها .
5 – تجمع القوى من أجل التغيير في تشاد ، وهو التجمع الذي صنفته تقارير ليبية ودولية ضمن الجماعات المسلحة التشادية البارزة في جنوب ليبيا ، وبحسب هذه التقارير فغالبية منتسبيه من القوميات التشادية المنتشرة في شرق البلاد ، وأهمها قبائل ( الزغاوة ) التي ينتمي إليها زعيم هذه الحركة الجنرال ” تيمان أرديمي ” ، وهو واحد من أشهر قادة المعارضة ، حيث شغل قبل تمرده منصب مدير مكتب الرئيس التشادي الراحل ” ديبي “ ، وكاد أن ينجح مع الجنرال ” محمد نوري ” في إسقاط نظام الحكم عام 1998 .