في شهر أبريل من كل عام اعتاد كثير من الناس أن يقوموا بإطلاق شائعة أو كذبة من أجل خداع الأصدقاء والأقارب المحيطين بهم كنوع من المزاح فيما يسمى بـ “كذبة أبريل”، وهي عادة سيئة ومخالفة للقيم والأخلاق الإسلامية، فضلًا عن أنها تخالف القيم الإنسانية السليمة.
ترجع تلك العادة السيئة بحسب غالبية الباحثين إلى تقليد أوروبي قديم بدأ في فرنسا بعد تغيير التقويم حيث كانت السنة الميلادية تبدأ بشهر أبريل، وليس بشهر يناير، إلى أن أمر شارل التاسع ملك فرنسا عام 1564م بجعل أول السنة يناير بدلًا من أبريل.
وكان بعض الناس لا يعترفون بهذا التغيير ويصرون على أن أول أبريل هو أول السنة فيتعرضون لمواقف محرجة وسخرية الآخرين، حتى تراجع عنها الملك شارل، وفي العام التالي في الأول من أبريل أطلق الفرنسيون موجة شائعات كذبوها في نهاية اليوم، وهكذا تحول الكذب إلى تقليد سنوي، ومنها انتشرت كذبة أبريل إلى البلدان الأخرى وانتشرت على نطاق واسع في إنجلترا بحلول القرن السابع عشر الميلادي، حتى أن البريطانيين يسمونه April Fools’ Day، أي “يوم حمقى أبريل”!!!
وللأسف اعتاد هذا الأمر الكثير من أهل البلدان العربية والإسلامية، فصاروا يطلقون الأكاذيب والشائعات في أول يوم من أبريل، ونسوا أن الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه وآله وسلم قد حذر من الكذب، وعده رأس كل خطيئة لأنه من خصال المنافقين ويؤدي إلى الفجور.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صلى وصام وحج واعتمر، من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان”.
والكاذب يصور المعدوم موجودًا، والموجود معدومًا، والحقَّ باطلًا، والباطل حقًّا، والخير شرًّا والشرَّ خيرًا، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفوس الناس.
والبعض يحتج بأن هذا الكذب لا يتعدى المزاح، ولعلهم نسوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له”.
والكذب حتى ولو كان مزاحًا يعد معصية وهو دليل على فجور الكاذب، بل يظل المرء يكذب حتى يطبع على قلبه فيصير الكذب عنده عادة، فيكتب في زمرة الكذابين ويكون ذلك سببًا في دخوله النار، قال صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله محذراً من الكذب ومما يؤدي إليه: “إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا”.
وللأسف لم تعد “كذبة أبريل” تقتصر فقط على أفراد المجتمع، بل تبناها كذلك وسائل الإعلام والصحف، حيث يقومون بنشر أخبار كاذبة أو غير معقولة، ثم يكذبونها وهم يسخرون لأنها كذبة أبريل، وقد لا ينتبه إلى هذا التكذيب أو التصحيح الكثير من الناس ويترتب على ذلك الكثير من المشكلات.
ولقد فطن الصحابة الكرام والسلف الصالح إلى خطورة الكذب حتى ولو كان مزحًا، فنقل عنه الكثير من الأقوال في ذم الكذب، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لأن يضعني الصدق- وقلَّما يضع- أحبُّ إليَّ من أن يرفعني الكذب، وقلَّما يفعل”.
وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “أعظم الخطايا الكذب، ومن يعفَّ يعفُ الله عنه”، وروي عنه أيضًا أنه قال: “الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزل”.
كان سيدنا ابن عباس يقول: “الكذب فجور، والنَّمِيمَة سحرٌ، فمن كذب فقد فجر، ومن نمَّ فقد سحر”.
فعلينا ألا ننجر وراء تلك العادة السيئة التي تقضي على أخلاقنا وديننا وقيمنا الإسلامية، وتنشر الكذب في المجتمع، فالكذب يدل على فجور صاحبه وفساد قلبه وإيمانه.