ما حكم من يظن أنه من حقه أن يحكم على بعض المسلمين بأنهم خرجوا من الملة أو أنهم من الكفار ؟
الإجابة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : “إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه” وفي هذه القضية الشائكة ينبغي علينا التفريق بين معرفة الحكم الشرعي، وبين إنزال هذا الحكم على آحاد الناس، فهناك فرق بين معرفة ما هو الكفر، وبين الحكم على شخص بالكفر، وهو ما يعرف بالتكفير.
وقد بين العلماء ما هو الكفر في مواضع مختلفة وفي أثناء تحرير القواعد الفقهية، فعرفوه بأنه : إنكار ما علم ضرورةً أنّه من دين سيدنا محمّدٍ – صلى الله عليه وسلم- كإنكار وجود الصّانع، ونبوّته – عليه الصّلاة والسّلام- وحرمة الزّنا ونحو ذلك. قال القرافي : «وأصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية، إما بالجهل بوجود الصانع، أو صفاته العلية، أو جحد ما علم من الدين بالضرورة». أما التكفير وهو الحكم على الآخر بأنه كافر فدائر بين حكمين؛ أحدهما: التحريم، وذلك إذا كان صادرا من غير ذي أهل لذلك من عوام الناس، وكان من يوصف بالكفر مسلما باقيا على إسلامه، ولم يقم الدليل على كفره؛ لقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا? وقوله: «أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ». ثانيهما : الوجوب وهو إذا رفع أمره إلى أهل الاختصاص من المفتيين والقضاة للبت في حكمه، فحينها يجب الحكم به إن كان حال من رفع لهم استوفى الأركان والشروط وانتفت الموانع من إنزال الحكم به، فحينئذ يجب على هؤلاء الحكم به أعلمهم الله به. فالتكفير من اختصاص أهل القضاء وأهل الفتوى لأنها مسألة فقهية، بمعنى أنها حكم شرعي يوصف به فعل من كان مكلفا بالشرع، قال الغزالي – رضي الله عنه- في الاقتصاد: «إن هذه مسألة فقهية…». وقال في مصنف آخر : «الكفر حكم شرعي، كالرق والحرية مثلا». وعلى الرغم من أن قضية إنزال حكم الكفر خاصة بالمفتيين والقضاة إلا أن العلماء لم يفوتهم أن ينبهوا على الاحتياط في هذا الشأن؛ لذلك تضافرت أدلة الشرع الشريف على وجوب الاحتياط في تكفير المسلم، فعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « .. ومَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ». يقول الإمام الغزالي : «والخطأ في ترك تكفير ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم امرئ مسلم». وقال ابن حجر الهيتمي: «ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظيم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام». وقال ابن عابدين: «لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ خِلَافٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ رِوَايَةً ضَعِيفَةً». وبما ذكر يتضح أن المسلم يحرم عليه إنزال حكم الكفر على آحاد الناس، فلا ينبغي أن يشغل نفسه بالحكم عليه في الدنيا والآخرة، وعليه إن رأى ذلك أن يعظ هذا الشخص باللين والحكم، والله تعالى أعلى وأعلم