ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه “من هم آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟”.
من جانبه، أجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على هذا السؤال كالتالي: الآل تطلق في اللغة على أهل الرجل وعياله، كما تطلق على أتباعه وأوليائه، ومنه قوله تعالى: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [آل عمران: 11]: يعني مَن آل إليه بدِينٍ أو مذهبٍ أو نسب. انظر: “تاج العروس” (28/ 36).
آل بيت النبي
وذهبت طائفة إلى أن أصلها “أهل” ثم قلبت الهاء همزة، ثم سُهِّلت على قياس أمثالها فقيل: “آل”، وقد ضعف ابن القيم في “جلاء الأفهام” هذا الرأي من وجوه؛ منها: أنه يلزم منه القلب الشاذ من غير موجب مع مخالفة الأصل، وأن الأهل تضاف إلى العاقل وغيره، والآل لا تضاف إلا إلى عاقل، وأن الرجل حيث أضيف إلى آله دخل فيه؛ كقوله تعالى: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 46]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» رواه البخاري، وهذا إذا لم يذكر معه من أضيف إليه الآل، وأما إذا ذكر معه؛ فقد يقال: ذُكر مفردًا وداخلًا في الآل، وقد يقال: ذِكره مفردًا أغنى عن ذِكره مضافًا، والأهل بخلاف ذلك، فإذا قلت: جاء أهل زيد؛ لم يدخل فيهم. انظر: “جلاء الأفهام” (ص203-204، ط. دار العروبة بالكويت).
وأما خصوص “آل البيت” أو “أهل البيت” -ولا فرق بينهما-: فقد اختلف العلماء في المقصود بـهم على ثلاثة أقوال ذكرها العلامة ابن الجوزي في “زاد المسير” (3/ 462-463، ط. دار الكتاب العربي)؛ فقال:
[أحدها: أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، لأنهنَّ في بيته، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وابن السّائب، ومقاتل.
والثاني: أنه خاصٌّ في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم، قاله أبو سعيد الخدري، وروي عن أنس وعائشة وأمّ سلمة نحو ذلك.
والثالث: أنهم أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأزواجه؛ قاله الضحاك] اهـ بتصرف.
من هم آل بيت النبي
وقال الإمام الرازي في “تفسيره” (25/ 168، ط. دار إحياء التراث العربي): [والأولى أن يقال: هم أولاده، وأزواجه، والحسن والحسين منهم، وعليٌّ منهم؛ لأنه كان من أهل بيته؛ بسبب معاشرته ببنت النبي عليه السلام، وملازمته للنبي] اهـ.
أما آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فَيُطلَقُونَ ويراد بهم: أقاربه المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب. وقولنا: “بني” خرج مخرج التغليب، فيشمل البنات أيضًا.
وهذا هو مذهب الإمام الشافعي وجمهور أصحابه، ودليله: ما رواه الإمام البخاري عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلنا: يا رسول الله، أعطيت بني المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيءٌ وَاحِدٌ».
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في “أحكام القرآن” (1/ 76-77، ط. دار الكتب العلمية): [وإذا عد من آل الرجل: ولده الذين إليه نسبهم، ومن يأويه بيته؛ من زوجه، أو مملوكه، أو مولى، أو أحد ضمه عياله، وكان هذا في بعض قرابته من قِبَل أبيه دون قرابته من قِبَل أمه، وكان يجمعه قرابة في بعض قرابته من قبل أبيه دون بعض: فلم يجز أن يستعمل على ما أراد الله عز وجل من هذا، ثم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْنَا الصَّدَقَةَ، وَعَوَّضَنَا مِنْهَا الْخُمْسَ»؛ دل هذا على أن آل محمدٍ: الذين حرم الله عليهم الصدقة وعوضهم منها الخمس.
وقال الله عز وجل: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال: 41]، فكانت هذه الآية في معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ»، وكان الدليل عليه: أن لا يوجد أمر يقطع العنت ويلزم أهل العلم -والله أعلم- إلا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فرض الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤتي ذا القربى حقه، وأعلمه أن لله خمسه وللرسول ولذي القربى، فأعطى سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب: دل ذلك على أن الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخمس هم: آل محمد الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليهم معه والذين اصطفاهم من خلقه بعد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه يقول: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]، فاعلم أنه اصطفى الأنبياء صلوات الله عليهم وآلهم] اهـ.
وقال الإمام البيهقي في “الاعتقاد” (ص: 325-326، ط. دار الآفاق الجديدة): [اسم الآل لكل من يُحْرَم الصدقة من أولاد هاشم وأولاد المطلب؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ»، وإعطائه الخمس الذي عوضهم من الصدقة بني هاشم وبني المطلب، وقال: «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ»، وقد يسمى أزواجه آلًا؛ بمعنى التشبيه بالنسب] اهـ.
وقيل: إن آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم خصوص بني هاشم؛ وهو مذهب الحنفية والحنابلة. وقال العلامة أشهب من أصحاب الإمام مالك: هم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب.
وقيل: هم ذريته وأزواجه خاصة. وقيل: “آله”: أتباعه على دينه إلى يوم القيامة؛ روي ذلك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، واختاره بعض السادة الشافعية، وقال به كثير من علماء الحنابلة في مقام الدعاء خاصة. وقيل: هم الأتقياء من أمته؛ حكاه القاضي حسين وغيره.
انظر: “لوامع الأنوار البهية” للسفاريني (1/ 51، ط. مؤسسة الخافقين).
وقد تطلق عبارة “أهل البيت” في سياقٍ آخر ويراد بها معنًى آخر؛ فـ”الآل” بالمعنى السابق تطلق في مقام الزكاة، وقد تطلق في سياق الدعاء ويراد بها ما يشمل كل مسلم ولو كان عاصيًا، وقد تطلق في سياق المدح ويراد بها كل تقي.
قال الإمام البيجوري في “حاشيته على شرح العلامة ابن قاسم لمتن أبي شجاع” (1/ 16-17، ط، مصطفى الحلبي) بعد أن ذكر هذا المعنى: [فتحصل أنهم -أي: آل محمد- مختلفون باختلاف المقامات. وقال بعض المحققين: يُنظَر للقرينة؛ فإن دلت على أن المراد بهم الأقارب: حُمِلَ عليهم؛ كقولك: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا. وإن دلت على أن المراد بهم الأتقياء: حُمِلَ عليهم؛ كقولك: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الذين اخترتهم لطاعتك. وإن دلت على أن المراد بهم كل مسلم ولو عاصيًا: حُمِلَ عليهم؛ كقولك: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله سكان جنتك. والحاصل: أنه لا يطلق القول في تفسير الآل، بل يُعَوَّلُ على القرينة] اهـ.