أعادت الغارات الإسرائيلية على الأراضي العراقية التي استهدف قواعد للميليشيات الإيرانية شمال بغداد، تاريخاً طويلاً من العبث بالأمن العربي دأبت الدولتان على ممارسته.
ويؤكد هذا النزاع على وجود أجندات خفية هدفها القضاء على الأمن الوطني في الدول العربية، من خلال جعله مسرحاً لحرب بين أطراف أجنبية، مستهدفة تفتيت اللحمة الاجتماعية عبر تغذية الطائفية وتسليح الميلشيات وإشاعة جو من الإرهاب يشكل مرتعاً خصباً للجماعات التكفيرية والطائيفة.
فبعد صراعهما المرير الذي كلف سوريا ولبنان الغالي والنفيس، وسعت طهران وتل أبيب صراعهما في الأراض العربية، وهذه المرة باستهداف العراق.
قصف العراق
لفتت تقارير إخبارية، إلى أن إسرائيل وسعت دائرة هجماتها ضد الأهداف الإيرانية في سوريا والعراق، وكشف تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن مقاتلة من طراز “إف-35” تابعة لإسرائيل قصفت مواقع في العراق، موضحاً أن القصف استهدف معسكر الزمرد في محافظة صلاح الدين شمال غرب العراق، وهو قاعدة ميليشيا تابعة للنظام الإيراني.
وفقاً للتقرير، فقد أسفر القصف عن مقتل العديد من صفوف ميليشيا حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وقال مصدر رفض الكشف عن اسمه إن “القاعدة التي تم قصفها كانت تحتوي على صواريخ باليستية إيرانية الصنع مخبأة في شاحنات تبريد الطعام”.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية لصحيفة “الشرق الأوسط”، إن إسرائيل نفذت الهجوم الأخير على درعا وتل الحارة في جنوب سوريا بهدف منع إيران من السيطرة على هذا التل الاستراتيجي الواقع مقابل مرتفعات الجولان.
وبدوره، قال خبير أمني عراقي فضّل عدم ذكر اسمه إنّ “الضربة مؤلمة للحشد الشعبي وحلفائه الإيرانيين واللبنانيين سواء كان المسؤول عنها تنظيم داعش، أو أي جهة أخرى معنية بمواجهة الوجود الإيراني في العراق”.
خطة محكمة
أشار التقرير إلى أن الإيرانيين ربما يكونون قد بنوا قاعدة تخزين لوجستية أمامية في العراق للصواريخ عبر الممر البري إلى سوريا أو لبنان من أجل تشغيلها ضد إسرائيل.
وأفاد بأن هذه القاعدة تمتاز بقربها من الحدود السورية التي تسمح بنقل الصواريخ إلى مرتفعات الجولان السورية في غضون ساعات قليلة، فضلاً عن قربها من إسرائيل حيث تبعد 700 كيلومتراً فقط، ما يجعل من الصعب على القوات الجوية الإسرائيلية العمل هناك، بالإضافة إلى قربها من الحدود العراقية السورية، وتواجدها بالقرب من ممر العبور الرئيسي الذي يربط إيران بسوريا ولبنان عبر العراق.
ومن جهته، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ورئيس الأركان أفيف كوتشافي، ورئيس الأركان اللواء تامير هيمان، ورئيس الموساد يوسي كوهين، حكومة العراق من التعزيزات التي تقدمها للحرس الثوري والميليشيات في البلاد.
تحرك سوري عراقي
نقلت صحيفة “إندبندنت عربية” عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن “إسرائيل تحركت في العراق كما تتحرك في سوريا”، وذلك بعد أسبوع على استهداف قاعدة عسكرية في محافظة صلاح الدين العراقية.
وقال إن “إسرائيل تستطيع التحرك في اليمن وفي إيران من أجل منع أعدائها من نقل الأسلحة النوعية، أو التمركز في نقاط استراتيجية في المنطقة”.
ولفت المسؤول العسكري الإسرائيلي، إلى أن “إسرائيل تكثف من هجماتها مؤخراً في الجولان السوري من أجل إنهاء الوجود العسكري لميليشيا حزب الله وإيران هناك”، على حد تعبيره.
مواجهة مباشرة
أشارت مصادر إلى أن خطر اندلاع مواجهة مباشرة بين العدوين اللدودين، إسرائيل وإيران، يعتمل منذ فترة طويلة في سوريا حيث أرسى الجيش الإيراني وجوداً منذ بدايات الحرب الأهلية المستمرة منذ نحو 8 سنوات دعماً لحكومة الرئيس بشار الأسد.
وأضافت أن هجمات إسرائيل التي تعتبر إيران الخطر الأكبر، تكررت عدة مرات على أهداف في سوريا تخص إيران وقوات متحالفة معها من بينها ميليشيا حزب الله اللبنانية.
وذكرت أن الحكومة الإسرائيلية بدأت تتحدث عن هجماتها بقدر أكبر من العلانية مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات المقررة في سبتمبر المقبل، كما أنها اتخذت موقفاً أكثر حزماً إزاء ميليشيا حزب الله المتواجدة على الحدود مع لبنان.
مجمعات عسكرية
أعلنت مصادر عسكرية أن “معسكر أشرف” يعد واحداً من أكبر المجمعات العسكرية المتواجدة في شرق العراق، إذ يحتوي على مساحة لإيواء أكثر من 4 آلاف جندي بالإضافة إلى أنظمة أسلحتهم، وكما أنه يحتوي على مجمع كبير من المنشآت الجوفية التي تخزن الصواريخ والدبابات والمدفعية الثقيلة.
وأوضحت أن المعسكر هو عنوان القاعدة الرئيسية ومقر قيادة كتائب بدر(أكبر قوة موالية لإيران في العراق)، وقد أصبحت هذه القوات منخرطة بشدة في حملة طهران الجديدة لتحويل العراق إلى قاعدة أمامية للعمليات.
وقالت إن “إسرائيل استهدفت في 19 يوليو الجاري موقعاً آخر لكتائب بدر في شرق العراق خارج مدينة العامري في محافظة صلاح الدين، حيث يضم اللواء 52 التابع لقوات الحشد الشعبي”.
وأضافت المصادر أن “الهجمات الإسرائيلية الثلاث تشير إلى تصعيد جذري في عمليات إسرائيل ضد المبادرات الإيرانية الجديدة والمستمرة، لإقامة وجود عسكري جديد على خط المواجهة في العراق وجنوب سوريا”.
تهديد أمني
أكد مسؤولون أمنيون إسرائيليون، أن التموضع الإيراني في العراق يشكل تهديداً أمنياً على إسرائيل، في ظل حديث عن نية لطهران قصف مناطق إسرائيلية انطلاقاً من العراق.
وقالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في تقرير إنه “بسبب الجهود الإسرائيلية الرامية إلى إحباط محاولات إيران إدخال أسلحة متطورة وقوات جوية وبحرية في سوريا، تعود طهران إلى الطريقة التي اعتادت أن تعمل بها في العراق من خلال الميليشيات، وبالتالي فهي تأمل أن تصعب العمليات التي تقوم بها إسرائيل هناك”.
وأضافت أنه “بينما تواجه إيران صعوبة في تأسيس نفسها عسكرياً والتموضع في سوريا، فإنها لم تتخل بعد عن نيتها من إنشاء هيمنة إقليمية من خلال التحالفات، تمتد من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان”.
ووفقاً لتقدير الاستخبارات الإسرائيلية، تقوم إيران حالياً بنقل صواريخ مداها من 200 إلى 700 كيلومتر إلى العراق قادرة على إلحاق الضرر واستهداف جميع الأماكن في إسرائيل، حيث إن هذه الصواريخ لها دقة أعلى من تلك الموجودة حالياً لدى ميليشيا حزب الله.
وترجح التقديرات أن إيران تخطط لاستخدام هذه الصواريخ ضد إسرائيل من شمال العراق، وكذلك إيصالها عند الحاجة إلى سوريا ولبنان، إذ أن طهران تستثمر معظم جهودها في تعزيز نظامها الصاروخي، لأنها تعتقد أن سلاحها الجوي والدروع لن تكون قادرة على مواجهة القوات الغربية.
قد تكون هذه الهجمات الأخيرة جزءاً من مخطط أكبر للقيام بعمليات سريّة ضد أهداف داخل إيران وخارجها، وذلك لإيقاع أكبر قدر من الخسائر بإيران من دون إتاحة المجال لها للرد عليها.
وتبدو الرسالة واضحة، وهي أنّه من غير المسموح نقل صواريخ بالستية إيرانية للميليشيات الشيعية في العراق لتهديد الدول المحيطة، وأنّ استخدام النظام الإيراني للعراق كساحة حرب ضد آخرين قد ينقلب على إيران أيضاً في أي وقت.