بعد انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالأولاد واطرادها في عالمنا العربي، فرضت التربية الجنسية نفسها مبدأ جوهرياً لدى الأولاد في سنّ مبكرة خصوصاً أنها قد تحول دون وقوع الكارثة.
هي أسئلة بريئة إنما مشروعة، تشكل حيرة لإيجاد الاجابات المقنعة، من هنا جاءت التربية الجنسية لتفكك العقد وتحدّ من الانحرافات وتتجلى في إعطاء الأولاد معلومات صحيحة تساعدهم على التكيّف مع المواقف الجنسية التي قد تعترض طريقهم في الحياة المستقبلية.
وتنطلق التربية الجنسية من المنزل لتمتد الى المدرسة، حيث تزوّد بأساليب مبسطة وصحيحة، من خلال انتقاء المفردات الملائمة حسب عمر الأولاد، تاركين المجال لمخيلتهم الطفولية بفهم الأمور. وتشير إحدى الدراسات التي أعدّتها جمعية أطفال العالم ـ حقوق الانسان مع دعم المجلس الأعلى للطفولة والدعم المالي لقسم المساعدات الإنسانية في المفوضية الأوروبية الى ضرورة الإجابة بصدق على أسئلة الأولاد دون الغوص في تفسيرات معمقة والامتناع عن الاجابات الخاطئة، كي لا يفقد الولد الثقة بأهله. من جهة أخرى، يدعو الخبراء الى عدم منع الأولاد من طرح المواضيع التي تخطر في بالهم تحت مظلة المحظورات كي لا تجعلهم في المستقبل عرضة لاضطربات أكثر.
حشرية معرفية
غالباً ما تحتار الأمهات في كيفية انتقاء المفردات السليمة والخالية من الصدمات، حول تساؤلات الأولاد الجنسية التي تتزامن مع اكتشافهم لجسدهم في سنّ النضج، وتطرح على نفسها أسئلة عدة: بماذا أجيب؟ متى؟ وكيف؟
ويشير علم النفس الى أن “أسئلة الأولاد حول المواضيع الجنسية تكون نابعة من من الحشرية المعرفية، وهي من مؤشرات الذكاء. وتشبّع المعلومات التي تناسب أسئلتهم حشريتهم وتحرّرهم من القلق كما تجنبهم السلوكيات المنحرفة من خلال التربية الجنسية السليمة”.
وشددت الدراسات على أنه من عمر السنتين وحتى السادسة، يزيد الفضول حيال الناحية الجنسية. ويظهر ذلك من خلال تلمس الجسد. هنا يصل الولد لتجربة العادة السرية والتي تعتبر طبيعية في هذا العمر. وهكذا تبدأ تساؤلاته حول الفروقات بين الجنسين ويتخللها ألعاب معينة مثل لعبة الطبيب، لعبة الأب والأم التي يمارسها الطفل بشكل عفوي.
في المقابل، تتراجع الاهتمامات الجنسية بعد تخطي الأولاد مرحلة الاستكشاف هذه وبعد أن يحصلوا على معلومات كافية. فتمر حشريته الجنسية بمرحلة كنمو تمتد تقريباً ما بين 6 و11 سنة. ثم تعود لتظهر مجدداً وبشكل مغاير في مرحلة المراهقة أي مرحلة التحولات الجسدية والبيولوجية والنفسية. ويستدعي البلوغ حاجة لوقوف الراشدين والعائلة الى جانبه لدعمه وطمأنة هواجسه المتصاعدة.
إصغاء ومصارحة
من الضروري تحضير الولد لمرحلة البلوغ عبر شرح التغيرات البيولوجية والتحولات الجسدية المصاحبة عبر تجنب ما هو سلبي، بدلاً من تركه يكتشف ذلك وحيداً قلقاً وحتى مصدوماً. وكلما تقدم في السن، يصبح التفسير أكثر وضوحاً ودقة ومعتمداً على معارف علمية.
ينصح الخبراء بأهمية الإصغاء الى أسئلة الأبناء لتعويدهم على مصارحتهم بكل ما يصادفونه في حياتهم. ومن المهم أن يتلقى الولد المعلومات عن البلوغ من أشخاص مقربين إليه، خصوصاً في ظل انتشار المواد الجنسية أينما كان وبنوعٍ خاص على الانترنت.
ولا يقتصر دور التوعية على الأهل، بل تتسع رقعتها لتطال المحيط وبشكل خاصّ المدرسة حيث ما زالت التربية الجنسية، وعلى أهميتها غائبة عن المناهج الأكاديمية بسبب الانقسام حولها بين قائلٍ إنها تساهم في زعزعة أخلاقيات الطفل قبل بلوغه وبين مؤكّدٍ أنها ضرورية في هذه السنّ كي لا يتفاجأ الولد بها لاحقاً، ناهيك عن أنه قادرٌ على الحصول عليها من أيّ مصدرٍ كان.
تخيّم الحشرية على اهتمامات أولادنا، حشرية ترافقها قدرات خيالية لاكتشاف العالم “المجهول”، تأتي عواقبها وخيمة إن أفرطنا في استغلالها وتوجيهها تماماً كما إذا أفرطنا في قمعها والتعتيم عليها.