الحديث عن إمكانية عزل الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، تزايد منذ التحقيقات التي جرت على يد روبرت مولر، فيما يتعلق بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب، أمام منافسته هيلاري كلينتون، لكنها انتهت إلى لا شيء بعد صدور تقرير مولر الشهير وبراءة ساحة رجل البيت الأبيض من هذا الاتهام، بالرغم من الغموض الذي شاب عملية التحقيقات وطريقة إعلان التقرير بعد التصعيد.
عزل ترامب
وعاد الحديث مرة أخرى حول إمكانية عزل ترامب من منصبه مجددا، على خلفية محادثة هاتفية أجراها ترامب مع نظيره الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، خلال الصيف الماضي، وكشف عنها عنصر المخابرات المسئول، الذي ارتاب من ضغط ترامب المستمر على الرئيس الأوكراني لفتح تحقيق بشأن كيفية حصول ابن منافسه المحتمل في انتخابات الرئاسة المقبلة، جو بايدن، على وظيفة في شركة غاز أوكرانية، عقب زيارة أجراها والده إلى هناك، على أن يسهّل ترامب حصول أوكرانيا على صفقة أسلحة أمريكية. ولربّما يمثّل ذلك، إن ثبت، كما يقول الديمقراطيون، محاولة من الرئيس للاستفادة من منصبه من أجل التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
طرق عزل ترامب
يمنح الدستور الأمريكي الكونجرس سلطة عزل الرئيس رغم أنه لم يحدث أن تم عزل أحد رؤساء الولايات المتحدة من خلال تلك العملية الشاقة.
الكونجرس يدرس الإعلان رسميا عن بدء إجراءات عزل ترامب الليلة
ويحبذ بعض الأعضاء في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون الشروع في هذه العملية، وتحدثت أنباء عن بلوغ عدد النواب المباركين للخطوة 150 نائبا، إضافة إلى قناعة مستشاري ترامب بضرورة عزله لما بات يمثله من تهديد للمصالح العليا للدولة، غير أن مجلس الشيوخ الذي سينتهي إليه بحث الأمر يخضع لسيطرة الجمهوريين.
ويستبعد الخبراء أن يعزل الجمهوريون ترامب من منصبه ما لم يتحول الرأي العام بشدة تأييدا لهذه الخطوة خشية انهيار الحزب ولكون هذه الواقعة سوف تظل ملتصقة بتاريخ الجمهوريين في المستقبل وتعوق طريق مرشحيهم إلى بيت الأبيض فيما بعد نهاية عهد ترامب.
خطوات العزل
وكانت وكالة “رويترز” قد نشرت في وقت سابق من هذا العام تقريرا أوضحت فيه الخطوات التي يتم من خلالها عملية عزل الرئيس الأمريكي، وما يقوله دستور أمريكا عن عزل الرئيس.
أول تعليق من ترامب بعد إجراءات رسمية من الكونجرس بعزله
استحدث مؤسسو الولايات المتحدة منصب الرئيس وكانوا يخشون إساءة السلطات الممنوحة له، ولذلك أدرجوا عملية العزل كجزء لا يتجزأ من الدستور.
ومنح الدستور مجلس النواب السلطة الحصرية لتوجيه الاتهام للرئيس ومجلس الشيوخ السلطة الحصرية لنظر دعوى العزل كما كلف رئيس قضاة المحكمة العليا برئاسة جلسات العزل في مجلس الشيوخ.
حالات تتوجب العزل
ويجوز عزل ترامب أو غيره من الرؤساء في الماضى والمستقبل، بمقتضى الدستور بسبب “الخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجنايات الكبرى والجنح”. وليس ثمة ما يوضح معنى ذلك على وجه الدقة. ومن الناحية التاريخية يمكن أن يشمل ذلك الفساد وغيره من مظاهر إساءة السلطة بما في ذلك محاولة تعطيل الإجراءات القضائية.
وقال جيرالد فورد وهو نائب للرئيس قبل أن يصبح رئيسا في 1974 “المخالفة الموجبة للعزل هي ما تقرره الأغلبية في مجلس النواب في أي لحظة في التاريخ”.
وحل فورد محل الرئيس ريتشارد نيكسون الذي استقال قبل أن يتحرك الكونجرس لعزله.
كيفية عزل ترامب
تبدأ إجراءات العزل في مجلس النواب الذي يناقش الأمر ويجري تصويتا على توجيه اتهامات للرئيس من خلال الموافقة على قرار بذلك أو الموافقة على بنود العزل بأغلبية بسيطة في المجلس المكون من 435 عضوا.
وإذا وافق المجلس على القرار تجري وقائع المحاكمة في مجلس الشيوخ، ويقوم أعضاء مجلس النواب بدور المدعين وأعضاء مجلس الشيوخ بدور هيئة المحلفين ويرأس الجلسات كبير القضاة.
ويشترط الدستور الموافقة بأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ المكون من 100 عضو لإدانة الرئيس وعزله. ولم يسبق قط أن حدث ذلك.
وقد وجه مجلس النواب اتهامات للرئيسين أندرو جونسون في 1868 وبيل كلينتون في 1998 لكنهما احتفظا بمنصب الرئاسة بعد تبرئتهما في مجلس الشيوخ.
دور المحكمة العليا
قال ترامب على تويتر في وقت سابق: إنه سيطلب من المحكمة العليا التدخل إذا حاول مجلس النواب توجيه الاتهام إليه. غير أن مؤسسي الولايات المتحدة رفضوا صراحة السماح باستئناف قرار الإدانة الصادر من مجلس الشيوخ أمام القضاء الاتحادي.
هيئة المحلفين
في المحاكم الجنائية العادية يطلب القاضي من هيئة المحلفين إصدار قرار بالإدانة إذا كان هناك “دليل يتجاوز الشك المعقول” وهو ما يعد شرطا مشددا إلى حد ما. أما إجراءات عزل الرئيس فمختلفة. ويمكن لمجلسي النواب والشيوخ تحديد معاييرها الخاصة للدليل.
تركيبة الأعضاء
يوجد 235 عضوا من الديمقراطيين و197 من الجمهوريين، بالإضافة إلى ثلاثة مقاعد شاغرة في مجلس النواب، ولذلك فإن بوسع الديمقراطيين توجيه الاتهام لترامب دون أي دعم من الجمهوريين.
وفي عام 1998 عندما كانت الأغلبية للجمهوريين في مجلس النواب صوت أعضاء كل حزب من الحزبين بما يتفق مع سياسة حزبه، وكانت النتيجة توجيه الاتهام لكلينتون الديمقراطي.
ويوجد في مجلس الشيوخ الآن 53 عضوا من الجمهوريين و45 عضوا من الديمقراطيين، بالإضافة إلى اثنين من المستقلين يصوتون في العادة مع الديمقراطيين. وتتطلب إدانة الرئيس وعزله 67 صوتا، ولذا فإن عزل ترامب يحتاج موافقة 20 على الأقل من الأعضاء الجمهوريين وكل الديمقراطيين والمستقلين.
وفي حال إدانة مجلس الشيوخ لترامب، -وهو أمر غير مرجح- كما أشرنا في السطور السابقة، يصبح نائب الرئيس مايك بنس رئيسا لما يتبقى من فترة رئاسة ترامب التي تنتهي في 20 يناير 2021.
عزل أندرو جونسون
وفى التاريخ الأمريكى لحق شبح العزل، الرئيس السابع عشر أندرو جونسون، الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة خلفًا لأبراهام لينكولن في الفترة ما بين 1865 و1869.
وواجه جونسون عام 1868، الإقالة من منصبه، لكنه نجا منه بعد أن رفض مجلس الشيوخ حينها عزل الرئيس الديمقراطي من منصبه.
وتم محاولة عزل جونسون بعدما قام بإقالة وزير الحرب –الدفاع- إدوين ستانتون، بمخالفة قرار الكونجرس، الذي غل يد الرئيس الأمريكي، وقيدها تجاه مسألة إقالة مسئولى مجلس الوزراء.
وعلى ضوء ذلك، سحب مجلس النواب الثقة من أندرو جونسون، وتم إحالة الأمر إلى مجلس الشيوخ لعزل الرئيس الأمريكي. وبالكاد نجا جونسون بهامشٍ بسيط من العزل بعد أن صوت أعضاء مجلس الشيوخ لصالح عزله، ولكن بأغلبية أقل من أغلبية الثلثين.
فضائح قضت على أحلام الزعماء
جاءت المحاولة الثانية عام 1974، مع الرئيس الجمهوري السابع والثلاثين ريتشارد نيكسون، والذي أُدين بفضيحة “وترجيت” الشهيرة، الخاصة بالتجسس على أعضاء الحزب الديمقراطي.
واتهم نيكسون من قبل مجلس النواب بتهمة التجسس، وسحب المجلس الأزرق منه الثقة، ليتم إحالة الأمر إلى مجلس الشيوخ لحسم مصيره.
وقبيل تصويت مجلس الشيوخ لصالح عزل نيكسون قرر الاستقالة من منصبه، ليتحاشى العزل من منصبه، الذي كان حتميًا وقتها، وتولى من بعده نائبه جيرالد فورد رئاسة البلاد.
المحاولة الأخيرة كانت من نصيب الرئيس الثاني والأربعين بيل كلينتون، الذي واجه اتهامات بالكذب وتضليل العدالة، خلال فضيحة أخلاقية شهيرة متعلقة بـ”مونيكا”، بعد أن تم إدانته بإقامة علاقة جنسية معها، وكان قد أقسم على عدم إقامة هذه العلاقة.
استقالة روبرت مولر من منصبه بعد انتهاء تحقيقات الانتخابات الرئاسية
وبعد إدانته من قبل مجلس النواب، نجا كلينتون من العزل من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي كان يهيمن وقتها عليه الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه بيل كلينتون.
بعد هذا السرد يبقى عزل ترامب أمام سيناريوهات وخيارات مفتوحة، تشمل نجاته أو استقالته، لكن في ظل سياسة الرئيس الأمريكى الحالى التي يعتبرها المراقبون إرهاقا للمؤسسات الأمريكية، ربما ينال نصيب الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة، جون كيندي الذي اغتيل في 22 نوفمبر عام 1963 بطريقة مريبة أقرب إلى تشبيهه بعملية دبرت في الدولة العميقة للتخلص منه.