قال مركز الازهر العالمى للفتوى الالكترونية ،إن صلوات الجُمَع والجماعات شعائر عظيمة من أجَلِّ شعائر الإسلام، شرعها الله سُبحانه وتعالى؛ إظهارًا لشعار الإسلام، ولاجتماعِ وتلاقي المسلمين، وتأكيدِ وحدتهم، وتعاونِهم على الطَّاعة والعبادة.
وأضاف: هذه من أعظم مَقَاصدِها التي متى انتفت فلا معنى لإقامتها خلف تلفازٍ أو مِذياع أو موقع إلكتروني في البُيوت.
وتابع: ولذا؛ اشترط الفُقهاء لصحَّةِ صلاةِ الجُمُعة شُروطًا تُحَقِّق هذه المقاصد العظيمة؛ من مَسجدٍ، أو جامعِ مِصْرٍ (أي جامع البلدة الكبيرة المليئة بالسُّكان)، أو عددِ مُصِّلين، أو إذن حاكم، أو غير ذلك، ونَقَل غيرُ واحدٍ منهم اتفاقَ الفقهاء على بعضها، كما اشترط كثيرٌ منهم لصحَّة صلاة الجماعة اتصال صفوفها، واتحاد مكان الإمام والمأموم فيها؛ لكون الاقتداء يقتضي التَّبعيَّة في الصَّلاة ومنهم من اشترط ألَّا يكون بين الإمام والمأموم حائلٌ غير سور المسجد من جدار أو نحوه؛ فإن حال غير ذلك بطلت صلاة المأموم، ومنهم من اشترط ألَّا تزيد المسافة بين المأموم وإمامه عن ثلاثمائة ذراع (185م تقريبًا) أو نحوها.
والشواهد على هذه الشروط من كلام الفقهاء كثيرة، منها: قول الإمام ابن مازَة رحمه الله تعالى: «واختلاف المكان يمنع صحة الاقتداء» [المحيط البرهاني لابن مازة (1/ 416)].
وقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: «وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَا -أي الإمام والمأموم- جَمِيعًا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، صَحَّ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْإِمَامِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ، كَثِيرًا كَانَ الْعُلُوُّ أَوْ قَلِيلًا، بِشَرْطِ كَوْنِ الصُّفُوفِ مُتَّصِلَةً وَيُشَاهِدُ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ، …إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ مَعْنَى اتِّصَالِ الصُّفُوفِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا بُعْدٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، وَلَا يَمْنَعُ إمْكَانَ الِاقْتِدَاءِ» [المغني لابن قدامة (2/ 152)].
وقد استنبط الفقهاء هذه الشُّروط ممَّا صحَّ عندهم من صفة صلاة النبي ﷺ، وما دلت عليه ظواهر النُّصوص الشَّريفة من القرآن الكريم والسُّنة النَّبوية، وعمل الصَّحابة والتَّابعين.
ومن ذلك قول الله سبحانه: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم..} [النساء: 102]؛ فقوله (معك) ظاهر في المراد.
وقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
وقول سيِّدنا رسول الله ﷺ: «صَلَاةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ علَى صَلَاتِهِ في بَيْتِهِ، وصَلَاتِهِ في سُوقِهِ، خَمْسًا وعِشْرِينَ دَرَجَةً..» [متفق عليه]، وظاهر لفظ «الجميع» في الحديث هو: الاجتماع في مكان واحد.
وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ» [صحيح مسلم].
بالإضافة للنُّصوص الواردة في الأمر بتسوية صفوف صلاة الجماعة، وسدِّ فُرَجِها، والتي منها قول سيِّدنا رسول الله ﷺ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ» [مُتفق عليه].
وكل هذا غير مُتحقّق في الاقتداءِ بإمامٍ عبْر موجات الأثير الإذاعي أو الفضائي أو الإلكتروني في صلاة جماعة.
وعليه؛ فلا تصح صلاة الجمعة في البيت عبر هذا الأثير باتفاق الفقهاء؛ اعتبارًا لشروط الجُمُعة والجماعة المذكورة، وينبغي على المسلم أن يصليها ظهرًا أربع ركعات بغير خطبة جماعةً مع أهل بيته أو انفرادًا إذا منعه من شهود الجمعة عذرٌ من خوف أو مرض، أو حال دون صلاة المُسلمين في المساجد إغلاقُها وتعليقُ جُمعِها وجماعاتها؛ منعًا من انتشار الوباء؛ ويدل على ذلك قوله ﷺ: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ، عُذْرٌ»، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟، قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّىٰ» [سنن أبي داود].
وكذا فِعْل السَّلف الصَّالح رضوان الله عليهم؛ فقد كانوا لا يُصلُّون الجُمُعة في البُيُوت إنْ حَال بينهم وبين تأديتِها جماعةً في المسجد حائلٌ، وإن كَثُرَ عددُهم؛ فَعَنْ مُوسَى بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: «شَهِدْتُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ، وَزِرًّا، وَسَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ -وكلهم من التَّابعين-، فَذَكَرَ زِرًّا وَالتَّيْمِيَّ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، ثُمَّ صَلَّوا الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا -أي: ظهرًا- فِي مَكَانِهِمْ، وَكَانُوا خَائِفِينَ» [مصنف ابن أبي شَيبَة (1/ 466)]، أي كانوا يؤدونها ظهرًا أربع ركعاتٍ بغير خُطبةٍ.
وحُكْم باقي الجماعات كحُكْمِ الجُمُعة عند جمهور الفقهاء؛ اعتبارًا للشروط سالفة الذِّكر -كل مذهب واشتراطه-، خلافًا لفقهاء المالكية وبعض فقهاء الحنابلة الذين فرَّقوا بين الجمعة وباقي الجماعات؛ فاكتفوا لصحَّة ما سوى الجمعة من الجماعات بتمَكُّن المأموم من ضَبطِ أفعال إمامه برؤية أو سماع ولو بمُبلِّغ، وإنْ فَصَل بينهما طريقٌ أو نهرٌ، دون اعتبارٍ لباقي شروط الجماعة المذكورة.
وصلاة المُسلم جماعةً في بيته خلف إمامِ تلفَازٍ أو مِذياعٍ أو بثٍّ إلكتروني -علاوةً على فقدها شروط الفقهاء- لا تُحقِّق مقاصد الاجتماع على أداء الشَّعيرة، وإنْ وقعت بهذه الصُّورة لم تقع الجماعةُ صحيحةً، كما أنّ القول بجوازها يفتح باب ترك إعمار المساجد، والسّعي في خرابها بعد زوال الوباء بإذن الله.
بالإضافة إلى أنَّه لا حاجة داعية إلى الصّلاة بهذه الصّورة مع وجود رخصة شرعية في تعليق جماعات المساجد وقت الوباء، ووجود البديل وهو: صلاة أهل البيت الواحد جماعةً أو فُرادَى؛ سيَّما إذا كانت الرخصة بمثابة العزيمة حال الضَّرورة.