تعانى المؤسسات الأمنية العراقية وتحديدا الجيش من محاولات يقوم بها الساسة العراقيين بإبعاد الضباط الوطنيين الذين يمتلكون شعبية جارفة وسيرة طيبة بين أبناء الشعب العراقى، ولعل أبرز القيادات التى تم إقصائها من الجيش هو الفريق عبد الوهاب الساعدى قائد جهاز مكافحة الإرهاب فى البلاد دون أسباب واضحة.
وتحول الفريق عبد الوهاب الساعدى إلى أيقونة شعبية ورمز للعسكرية العراقية بعد دوره الكبير والبارز فى تحرير المدن والمحافظات العراقية وتحديدا صلاح الدين والفلوجة، فضلا عن دوره الكبير فى تحرير مدينة الموصل ذات الأغلبية السنية، فهل يتحول القائد العسكرى العراقى لشرارة ثورة على الفساد والظلم وسوء الإدارة فى العراق.
وانخرط الفريق عبد الوهاب الساعدى فى المؤسسة العسكرية العراقية مطلع الثمانينات، وتخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم عام 1985، وواصل الدراسة حتى حاز الماجستير ثم الدكتوراة فى العلوم العسكرية عام 1996، لينتقل إلى محاضر فى كلية الأركان العسكرية العراقية، إذ أسهم فى تخريج كثير من الضباط العراقيين والعرب.
وكان الساعدى عام 2003 من بين الضباط الذين وقع عليهم اختيار القيادة العسكرية العراقية بالتنسيق مع الجيش الأمريكى، ليشكلوا العمود الفقرى لجهاز مكافحة الإرهاب، الذى اكتسب اسمه المعروف هذا عام 2007 وهو الذى جاء ترتيبه ضمن أفضل قوات خاصة فى منطقة الشرق الأوسط.
ونجا الفريق عبد الوهاب الساعدى من محاولات عدة للاغتيال نفذها قناصة تنظيم داعش الإرهابى خلال تفقده لقواته، إلا أن القائد العسكرى تحدى الإرهابيين وتابع سير العمليات العسكرية فى الموصل من سطح فندق نينوى.
ويؤمن الفريق عبد الوهاب الساعدى بأن العراق لن ينهض إلا ببناء مؤسسة عسكرية وطنية قادرة على صد أى هجوم خارجى، وتحدث القائد العسكرى فى يناير عام 2017 خلال معركة تحرير الموصل، معربا عن أمله فى أن يتم تبادل المعلومات والخبرات مع الدول العربية وخاصة مصر التى تمتلك جيش متكامل وقوى، معربا عن حاجة العراق للتعاون فى الدورات العسكرية فى ظل امتلاكه خبرة عالية فى قتال المجموعات الإرهابية المتطرفة.
وبالعودة إلى أسباب إقصاء الفريق الساعدى، حاول رئيس الوزراء العراقى عندما حاول رئيس الوزراء تفسير أسباب القرار المفاجئ بإقصاء الساعدي عن جهاز مكافحة الإرهاب، باتهام ضباطه بالتسكع عند أبواب سفارات الدول الأجنبية فى بغداد، فى إشارة إلى السفارة الأمريكية.
ورد الفريق عبد الوهاب الساعدى على تلميحات رئيس الوزراء العراقى بأنه لم يسبق له أن زار السفارة الأمريكية إلا مرة واحدة للحصول على تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، تلبية لدعوة من جامعة هارفرد، حيث ألقى هناك محاضرة عن التكتيكات العسكرية التي استخدمها خلال معركة استعادة مدينة الفلوجة من تنظيم داعش الإرهابى.
ويصف الشعب العراقى الفريق عبد الوهاب الساعدى بأنه “رومل العراق”، نسبة إلى الضابط الألمانى الشهير الذى ذاع صيته خلال الحرب العالمية الثانية، بسبب خططه العسكرية التى يضعها والانتصارات التى يحققها فى معاركه ضد تنظيم داعش الإرهابى.
ورغم المعاناة التى تعصف بالعراق بسبب الطائفية فى البلاد إلا أن الفريق الساعدى الشيعى كان الأكثر قربا لأهالى مدينة الموصل ذات الغالبية السنة، فقد أمضى القائد العسكرى أربعة أعوام طالباً فى جامعتها، حتى حصل على البكالوريوس فى الفيزياء عام 1979، وعندما عاد إلى الموصل محرراً لها عام 2017 خرج السكان لاستقباله مهللين، حتى أنهم صنعوا له تمثالاً خاصاً، رفضت السلطات العسكرية رفع الستار عنه طيلة عام ونصف، قبل أن تتخذ فجر الاثنين قراراً بإزالته من موقعه.
وتدرج الساعدي فى جهاز مكافحة الإرهاب من كونه “قوة خاصة” أنشئت تحديداً لملاحقة وضرب أو اعتقال الأهداف الثمينة، إلى قوة قتالية، تتوغل فى الجبهات وتسيطر على مساحات واسعة من العراق وتخوض اشتباكات طويلة وقصيرة بكل حرفية.
وبرز اسم الفريق عبد الوهاب الساعدى، عندما كلف بقيادة القوات الخاصة العراقية، ضمن عملية تحرير صلاح الدين وهى المحافظة التى سيطر عليها داعش دون قتال بسبب انسحاب عناصر الجيش من المدينة، وقاد الساعدى تحرير المدينة من قبضة داعش، وتجنب استخدام الأسلحة الثقيلة ورفض خطة أمريكية لدك المدينة بالطائرات قبل الهجوم، وذلك خوفا على تدمير المحافظة وتضرر البنية التحتية لها.
وفى عام 2016 قاد الفريق عبد الوهاب الساعدى عمليات تحرير الفلوجة بطريقة مشابهة، وعام 2017 قاد عملية استعادة الموصل، قبل أن يتم تكليفه رسمياً بقيادة قوات جهاز مكافحة الإرهاب، بعد الانتصارات العسكرية الكبيرة التى حققها الرجل الذى أصبحت شعبية جارفة تهدد ساسة العراق وتحديدا الأحزاب الدينية.
ويصف العراقيون الفريق عبد الوهاب الساعدى بـ”المنقذ” و”المخلص” للبلاد من الفساد والفشل الذى تتخبط فيه البلاد من عام 2003، ويمتلك الرجل سيرة طيبة بين أبناء الشعب العراقى الذين يرفضون الساسة العراقيين الذين دخلوا البلاد بعد 2003، بالإضافة إلى أنه ينحدر من عشيرة شيعية عراقية جنوبية، معروفة على نطاق واسع بكرمها وحسن أخلاق أبنائها.
ويرى مراقبون أن التفاف أبناء الشعب العراقى خلف “الساعدى” جاء فى توقيت تحتاج فيه البلاد إلا رمز وطنى يخلصهم من فساد الساسة ويكون قادرا على الحفاظ على المؤسسة العسكرية العراقية من الاختراق.