هناك ميزة لكون فيروس كورونا جاء فى عصر المعلومات والتدفق والاتصالات، حيث إن أنباء الفيروس تنتقل بين دول العالم، ويبدو الناس على مسافة متساوية من المعلومات المتاحة، لكن فى المقابل فإن التدفق الكثيف للمعلومات حول الفيروس، يمثل نوعا آخر من التزاحم المعلوماتى، خاصة أن هناك تداخلا بين الأنباء الصحيحة، والأخرى المزيفة أو المشكوك فيها.
وحتى أنباء اللقاحات بقدر ما تحمل الكثير من الأمل للبشر فى التخلص من الفيروس القاتل، فإنها أيضا تحمل بعض المخاوف، وهى مخاوف بعضها طبيعى باعتبار أن اللقاحات فى مرحلة التجارب، والآخر ناتج عن مبالغات تفرضها المنافسة التجارية، بل والسياسية أحيانا.
فقد تلقى الأوروبيون أنباء لقاح سبوتنيك الروسى، بالكثير من التحفظ، ونفس الأمر مع اللقاح الصينى، حيث أعلنت جهات متعددة عن أن اللقاح الصينى يحمى بنسبة تتراوح فقط بين 50 إلى 70%، وظهرت تقارير عن أعراض جانبية للقاح الصينى فى البرازيل وبعض الدول.
وقد أعلن العلماء أن الأعراض الجانبية واردة مع كل اللقاحات المنتجة، وأن الجرعات الأولى غالبا ما تكون تحت التجريب والرقابة للتعرف عما إذا كانت قادرة على منح المناعة، وفى نفس الوقت لا تزال النتائج النهائية للقاحات مؤجلة، لحين تلقيح عشرات الملايين، وظهور كل الأعراض الجانبية، والتى تختلف من شخص لآخر وطبقا للحالة الصحية لمن يتلقى الجرعات.
وقد تجددت بعض المخاوف بعد إعلان النرويج عن وفيات من بين 30 ألفا تلقوا لقاح فايزر، وحسب وكالة بلومبرج سجلت النرويج 29 وفاة بين أشخاص فوق 75 عاما ممن تلقوا الجرعة الأولى للقاح كورونا.. وأفادت وكالة الأنباء الألمانية، بأن خبراء من معهد Paul Ehrlich الفيدرالى لتطوير اللقاحات والأدوية الطبية، يحققون فى أسباب وفاة 10 أشخاص بعد مدة من خضوعهم للقاح «فايزر» و«بيونتيك»، مشيرة إلى أن المتوفين كانوا يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة وحدثت الوفيات فى غضون أربعة أيام بعد تطعيمهم، وأن الخبراء يستبعدون وجود علاقة بين الوفيات وتطعيمهم.
ولهذا دعا خبراء صينيون فى مجال الصحة، النرويج وبقية دول العالم إلى تعليق استعمال اللقاحات التى تعتمد على تقنية الـMRNA مثل لقاح «فايزر»، خاصة بالنسبة للمسنين، باعتبار أن اللقاحات المعتمدة على تقنية الـMRNA لم يحظ اختبارها بالوقت الكافى للوقوف على تداعياتها على البشر بمختلف شرائحهم وخصوصياتهم الصحية، ما يجعل سلامتها غير يقينة.
لكن خبراء اللقاحات يردون بأن الأعراض الجانبية واردة دائما، وأن الادعاء بالاستعجال يمكن أن يطلق على كل اللقاحات، ولا تزال الدراسات مستمرة للتعرف عما إذا كان هناك ارتباط بين اللقاح والوفاة، خاصة أن هناك أعراضا أخرى كالشلل ظهرت بين إسرائيليين تلقوا اللقاحات، من بين نصف مليون.
السؤال الأهم يتعلق بمدى قدرة اللقاحات على تكوين مناعة، وهو أمر يتوقع أن يستغرق وقتا، خاصة وقد أصيب بعض ممن تلقوا اللقاحات بالفيروس، وهو متغير قد يثير المزيد من التساؤلات حول كفاءة اللقاحات، وبشكل عام فقد تراجع الأمل فى بناء مناعة كاملة من اللقاحات، والاكتفاء بأن يساعد اللقاح على بناء قدرة مقاومة خاصة لدى المرضى المصابين بأمراض مزمنة وكبار السن، لكن ما زالت هذه التفاصيل تنتظر اختبارا.
وبسبب هذه الاختبارات لا يتوقع أن يتم إنتاج وتوزيع مئات الملايين من الجرعات، قبل التأكد من نتيجتها بشكل حاسم، وهو سبب التأخير، باعتبار أن اللقاحات لا تزال فى مرحلة التجارب، بل إن هناك نسبة لا بأس بها أعلنت فى أوروبا من خلال استطلاعات للرأى أنهم لن يتلقوا اللقاحات ويفضلون الحياة من دونه.
كل هذه التفاصيل تجيب عن من يستعجلون شراء اللقاحات، بينما النتائج لا تزال غير واضحة، وأيضا بعض الغموض فيما يتعلق بالسلالات والطفرات الجديدة من كوفيد – 19، ومدى فاعلية اللقاحات المطروحة، ولهذا يبدو أن العالم سينتظر وقتا لحين حسم الموقف من اللقاحات وفاعليتها، وتظل الإجراءات الاحترازية هى الأفضل لحين إنهاء المخاوف وانتصار الأمل.