شارك الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مساء اليوم الإثنين، فى المؤتمر الموسع الذى نظمته غرفة التجارة المصرية الأمريكية، وذلك بمناسبة زيارة وفد “البعثة التجارية الخضراء” الأمريكى إلى مصر، الذى يضم نحو 40 شركة أمريكية، وبحضور عدد من الوزراء والمسئولين المصريين، وكذا السفير ديفيد ثورن، كبير مستشارى المبعوث الرئاسى الأمريكى للمناخ، ونيكول شامبين، القائم بأعمال السفير الأمريكى بالقاهرة، وطارق توفيق، رئيس غرفة التجارة الأمريكية، وعدد من ممثلى الشركات أعضاء الغرفة.
واستهل رئيس الوزراء كلمته أمام المؤتمر بالترحيب بالوفد الأمريكي، مُعربا عن سعادته بهذه الزيارة التى تتزامن مع الاحتفال بالذكرى المئوية لتدشين العلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، قائلا: أعيد التأكيد على قناعتنا بأن الولايات المتحدة هى شريك أساسى لنا، وأننا لا نزال ملتزمين بتعزيز هذه الشراكة، لافتا إلى أن هذا الاحتفال يعكس التزامنا المشترك بالعمل على تطوير وتعميق تعاوننا الثنائى على مختلف الأصعدة.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولى إلى أن زيارة البعثة التجارية الخضراء تعد أحد النتائج المهمة للجولة الأخيرة من الحوار الاستراتيجى بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية الذى عُقد فى نوفمبر الماضى فى “واشنطن”؛ بهدف استكشاف الفرص الاستثمارية التى يمكن أن تقدمها مصر فى مجال الاقتصاد الأخضر والطاقة الجديدة والمتجددة.
وأضاف فى هذا الصدد أن الحوار الاستراتيجى المصرى – الأمريكى نجح فى صياغة رؤية طموحة لتعزيز علاقاتنا الثنائية فى جميع المجالات، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز العلاقات الاقتصادية والعلاقات التجارية بين البلدين.
وتابع رئيس الوزراء: من النتائج المهمة أيضا للحوار الاستراتيجى هو تشكيل فريق العمل المصرى – الأمريكى لشئون المناخ، وذلك خلال زيارة جون كيري، المبعوث الرئاسى الأمريكى الخاص للمناخ، إلى القاهرة فى فبراير الماضي، معربا عن تطلع الحكومة المصرية إلى عقد اللجنة الاقتصادية المشتركة رفيعة المستوى بين مصر والولايات المتحدة، والتى ستنعقد فى المستقبل القريب.
كما استعرض الدكتور مصطفى مدبولي، خلال كلمته، أوجه التعاون المتعددة بين القاهرة و”واشنطن”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال من بين أكبر الشركاء التجاريين لمصر، وكذا تحتل المرتبة الثالثة كأكبر مستثمر، كما أن حجم التبادل التجارى بين البلدين بلغ 9 مليارات دولار فى عام 2021 ، بالإضافة إلى أن حجم الاستثمارات الأمريكية التراكمية وصل إلى 24 مليار دولارً فى عام 2022 فى قطاعات : الطاقة، البتروكيماويات، البنية التحتية، الصناعات التحويلية، السياحة والزراعة.
كما تطرق إلى التعاون القائم بين الحكومة المصرية والوكالة الأمريكية للتنمية والذى يتمثل فى تنفيذ مشروعات مشتركة فى مجالات: التعليم، الصحة، السياحة، حماية التراث، الزراعة، الحوكمة، ودعم القطاع الخاص فى مصر، من خلال مخصصات بقيمة تُقدر بنحو 600 مليون دولار.
وأعرب رئيس الوزراء عن تطلعه لجذب مزيد من الاستثمارات الأمريكية إلى السوق المصرى مع استمرار الاقتصاد المصرى فى التوسع و الجهود الحكومية المبذولة لتعزيز بيئة الأعمال .
وأوضح أن الحكومة المصرية عملت عبر رؤية شاملة للنهوض بالقطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال العمل فى مسارات متوازية، لافتا إلى أننا استطعنا تحقيق معدل نمو إيجابى للناتج المحلى الإجمالى بنحو 9٪ خلال النصف الأول من العام المالى الجاري، رغم تفشى وباء “كورونا” وتداعيات الأزمة الأوكرانية.
وقال الدكتور مصطفى مدبولى : من المتوقع أن يكون معدل النمو 4.5٪ خلال العام المقبل، لقد استثمرنا بقوة فى البنية التحتية، بالإضافة إلى ذلك، أعطينا الأولوية للاستثمار فى قطاع الطاقة والاتصالات و السياحة، مؤكدا أن الجهود المبذولة من الحكومة فى هذه القطاعات بدأت تؤتى ثمارها.
وأعرب عن سعادته باستضافة مصر، نيابة عن القارة الإفريقية ، لأعمال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP27 فى نوفمبر المقبل فى شرم الشيخ.
وأكد فى هذا السياق أن مصر تدرك بشكل خاص التهديدات التى يشكلها تغير المناخ، وبما أن الاقتصاد المصرى هو اقتصاد ناشئ يتزايد عدد سكانه، فنحن بحاجة إلى مصادر طاقة مستقرة، ومن هنا فقد تحركنا بسرعة نحو زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة لدينا.
وتابع: تمثل مصادر الطاقة المتجددة 20٪ من إنتاجنا من الطاقة، ولدينا نظرة مستقبلية قوية لتصبح مصر مركزًا إقليميًا للطاقة من خلال إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة مباشرة أو من خلال الهيدروجين الأخضر والأمونيا وغيرها.
وأوضح رئيس الوزراء أن الحكومة تعمل وفقا لخطط ملموسة مع عدد من الشركات الكبرى لإنتاج الهيدروجين الأخضر ونتوقع نمو هذا النوع من المشروعات فى المستقبل القريب.
وأشار إلى أن مصر ستتأثر بارتفاع مستوى سطح البحر الممتد على دلتا النيل، وهو ما قد يؤدى إلى حدوث عدد من التداعيات.
وأضاف: مع تولى مصر الرئاسة القادمة للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر COP27، ومع إدراكنا الواضح لأهمية الجهود العالمية بشأن تغير المناخ، بما فى ذلك الدور الذى لا غنى عنه للقطاع الخاص وأصحاب المصلحة الآخرين، نعتقد أن هذا التطور لا يُنظر إليه على أنه تحدٍ وإنما كفرصة حقيقية للنمو الاقتصادى الأخضر الشامل.
وأكد أن مصر تتطلع إلى استكشاف آفاق جديدة للمشاريع الخضراء من خلال دفع وتشجيع المزيد من الأفكار المبتكرة لضمان استدامة مواردنا، مشيرا إلى أن مصر تعتقد بشدة أن البعثة الأمريكية الخضراء، يمكن أن يكون لها دور كبير وفرصة لتحقيق هذا الهدف.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن اجتماعات الموائد المستديرة التى عقدت أثناء زيارة وفد “البعثة التجارية الخضراء” الأمريكى مع الوزراء تشكل فرصة لتبادل الرؤى حول المشروعات المصرية المقترحة، والتعرف على المشروعات المحتملة التى يمكن الاستفادة منها، لافتاً إلى أن هناك بالفعل إمكانات وفرصا هائلة يمكننا استكشافها معا، وموضحاً أن الحكومة أصدرت مؤخرًا حوافز لتشجيع الاستثمار المتعلق بالاقتصاد الأخضر والذكاء الاصطناعي، مؤكداً دعم الحكومة لتعزيز مشاركة القطاع الخاص بشكل كامل لتحقيق نمو اقتصادى أكثر استدامة.
وفى سياق متصل، استعرض رئيس الوزراء بعض أهداف ورؤية مصر للأشهر والسنوات المقبلة، مشيراً إلى إطلاق مصر لاستراتيجيتها للتنمية المستدامة: “رؤية 2030”، فضلاً عن الانتهاء من أول استراتيجية وطنية شاملة لتغير المناخ فى مصر 2050، والتى تحدد الاتجاهات والسياسات والبرامج التى يتعين اعتمادها من أجل تحقيق طموحات العمل المناخي.
وفيما يتعلق بمحور التخفيف فى مسار العمل المناخي، أشار الدكتور مصطفى مدبولى إلى أن لدينا هدفا واضحا لزيادة حصة الطاقة المتجددة وهو وصول نسبة مساهمتها إلى 42٪ بحلول عام 2035، كما نقوم بتنفيذ مشروعات نقل مستدامة طموحة، وبرنامج وطنى متكامل لإدارة النفايات الصلبة.
وفيما يتعلق بمحور التكيف، لفت إلى ما نقوم بتنفيذه من برامج ومشروعات لإدارة المياه، وتبطين الترع، وإدارة المناطق الساحلية وحمايتها، والتوسع فى مشروعات تحلية ومعالجة المياه، والتى تهدف إلى تعزيز الزراعة القادرة على الصمود فى وجه التغيرات المناخية، معرباً فى هذا السياق عن سعادته للتوقيع الذى تم خلال الزيارة على وثيقتين للتعاون فى مجال التخفيف من تغير المناخ، والتى تهدف إلى إنتاج بدائل بلاستيكية، وإقامة منشأة لتحويل النفايات إلى طاقة فى الفيوم.
وفى مجال التمويل، أشار الدكتور مصطفى مدبولى إلى أنه كان لمصر حضور رائد فى سوق التمويل الأخضر كونها أول دولة فى المنطقة تصدر سندات خضراء سيادية عام 2020، لافتاً إلى أن الشهر الماضى شهد توقيع أول إصدار للسندات الخضراء فى الشرق الأوسط وأفريقيا لإعادة تمويل محطات إحدى الشركات النرويجية العاملة فى “مشروع بنبان” للطاقة الشمسية، والذى يعد أحد أكبر مشروعات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية فى العالم.
وأشار رئيس الوزراء إلى أنه وبالنظر إلى المستقبل، فإن مصر تضع على رأس أولوياتها مجالات الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والنقل المستدام، وتستهدف إزالة الكربون من قطاعات مثل النفط والغاز، والصلب والأسمنت، والزراعة المستدامة، وإدارة المياه.
وفى سياق آخر، أوضح رئيس الوزراء أنه انطلاقا من دورنا فى ضمان حقوق الملكية الفكرية فى تشجيع الابتكار وريادة الأعمال، فإنه تم تكليف لجنة حكومية لوضع استراتيجية وطنية متكاملة لحقوق الملكية الفكرية، منوط بها أيضا دراسة إنشاء هيئة وطنية مخصصة لهذا الغرض، وإيجاد فرص لاستغلال نتائج الأبحاث العلمية المصرية اقتصاديا، منوهاً فى هذا الصدد إلى ما يتم حالياً من مراجعة لجميع التشريعات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية.
وأضاف أنه لضمان فعالية الجهود السابقة، نعمل على زيادة الوعى العام بحقوق الملكية الفكرية، معرباً عن أمله لأن يؤدى ذلك إلى تحسين تصنيفنا المحلى والعالمى فى مؤشر “حقوق الملكية الفكرية” العالمي.
وفى ختام كلمته، أشار رئيس الوزراء إلى أنه وفى ضوء ما تم طرحه خلال المؤتمر الصحفى العالمي، الذى عقد أمس بمقر الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، لإعلان خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، من دعم غير مسبوق للقطاع الخاص، فإنه يشجع الشركات الأمريكية لضخ مزيد من الاستثمارات فى السوق المصرية، مؤكداً أنه سيتابع وبشكل شخصى سير الشراكات التى ستتم مع مصر، ولافتاً إلى أنه يحرص على عقد اجتماعات دورية مع المستثمرين فى كافة المجالات للاستماع إلى مقترحاتهم وتذليل العقبات التى قد تواجههم.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولى تقديم الحكومة لكل سبل الدعم لأعضاء وفد “البعثة التجارية الخضراء” الأمريكي، معرباً عن ثقته بأن تثمر مشاوراتهم عن مزيد من الاستثمارات الأمريكية فى مصر بالنظر إلى الفرص الكبيرة المطروحة فى جميع المجالات المختلفة.