أحزاب مغربية تنتقد المقاربة الأمنية لمواجهة احتجاجات الحسيمة
قوات الأمن المغربي خلال مواجهات مع محتجين في مدينة الحسيمة أول من أمس (أ.ف.ب) بلغ عدد المعتقلين على خلفية الاحتجاجات التي عرفتها مدينة الحسيمة المغربية (شمال البلاد) 40 شخصا، بينهم متزعم الحراك الاجتماعي ناصر زفزافي، الذي اعتقل أول من أمس، وتوزعت التهم الموجهة إلى المعتقلين ما بين المس بالسلامة الداخلية للدولة وعرقلة وتعطيل حرية العبادات، والعصيان المسلح، وإهانة رجال الأمن وإتلاف ممتلكات عامة. فيما انتقدت أحزاب مغربية المقاربة الأمنية لمواجهة الاحتجاجات. وذكر بيان للوكيل العام للملك (النائب العام) بمحكمة الاستئناف بالحسيمة، أنه على أثر الأحداث التي عرفتها مدينة الحسيمة الجمعة الماضي جرى توقيف 40 شخصا، ووضعهم تحت الحراسة النظرية (الاعتقال الاحتياطي) للبحث معهم فيما يشتبه ارتكابه من طرفهم من أفعال تدخل تحت طائلة القانون الجنائي.
وأعلن الوكيل العام للملك أنه بعد تقديم المعنيين بالأمر أمام النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بالحسيمة، أول من أمس، أصدرت هذه الأخيرة قرارا بمتابعة 25 شخصا من بين الموقوفين «من أجل جنح إهانة رجال القوة العمومية أثناء أدائهم مهامهم وممارسة العنف في حقهم نتج عنه جروح مع سبق الإصرار، والعصيان المسلح بواسطة أشخاص متعددين، وتعييب ناقلات وأشياء مخصصة للمنفعة العامة، والتظاهر من دون تصريح سابق في الطرق العمومية، والتجمهر المسلح في الطرق العمومية». وأضاف البيان أن هؤلاء الأشخاص أحيلوا إلى المحكمة الابتدائية بالحسيمة في حالة اعتقال، ومتابعة 7 أشخاص في حالة إفراج، كل حسب التهمة الموجهة إليه من أجل جنح إهانة رجال القوة العمومية أثناء أدائهم مهامهم، والعصيان والتظاهر دون تصريح سابق في الطرق العمومية، في حين تقرر حفظ المتابعة في حق 7 أشخاص، كما تمت إحالة حدث واحد على قاضي الأحداث طبقا للقانون.
في سياق متصل، انتقد نواب مغاربة من الأغلبية والمعارضة أمس عدم استجابة الحكومة لطلب إدراج قضية احتجاجات الحسيمة للنقاش داخل البرلمان، من أجل السماح لهم بالتعبير عن موقفهم اتجاه الأحداث التي يشهدها الإقليم، وتنوير الرأي العام بشأنها.
وقال إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية (غالبية حكومية) ببداية الجلسة الأسبوعية العامة المخصصة للأسئلة الشفهية، إن «البرلمان اليوم مغيب عن نقاش قضية الحسيمة التي هي قضية رأي عام وطني يهتم بها الجميع إلا البرلمان»، مشيرا إلى أن فريقه وفرقا نيابية أخرى سبق أن راسلت الحكومة بشأن تناول قضية الحسيمة طبقا للمادة 104 من النظام الداخلي للمجلس، كما طلب فريقه عقد اجتماع لجنة الداخلية بالمجلس بحضور وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت لمساءلته بشأن أحداث الحسيمة، إلا أنه لم تتم الاستجابة لذلك.
وشدد الأزمي على أن هناك «تغييبا للبرلمان عن هذا النقاش رغم أن له دورا مهما»، وطلب من رئيس المجلس «القيام باللازم كي يقوم البرلمان بدوره تجاه الحكومة».
من جانبه، قال نور الدين مضيان، رئيس فريق حزب الاستقلال، إنه سبق لفريقه أن تقدم بأكثر من سؤال حول ما يحدث في إقليم الحسيمة وأقاليم أخرى، بيد أنه تأسف لغياب تجاوب وتفاعل الحكومة، ملتمسا من رئاسة مجلس النواب التدخل من أجل برمجة سؤال محوري حول ما يحدث في الإقليم.
من جهتها، أعربت أحزاب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» و«الاستقلال» و«العدالة والتنمية» بالحسيمة عن رفضها «المقاربة الأمنية التي تنهجها الدولة حيال منطقة الريف». وذكرت الأحزاب الثلاثة في بيان أن «خطبة الجمعة التي جرى تعميمها على المساجد، والتي تناولت موضوع الفتنة والمساس باستقرار البلد، ساهمت في تأجيج الوضع واستفزاز مشاعر السكان بشكل عام وشباب الحراك الاجتماعي بشكل خاص، وما صاحب ذلك من تفعيل مكثف للمقاربة الأمنية، وما خلفته من مطاردات ومداهمات للمنازل واعتقالات واسعة طالت حتى القاصرين وما زالت مستمرة إلى حدود الآن».
وحملت الأحزاب الثلاثة المسؤولية للدولة لما آلت إليه الأوضاع بالمنطقة بسبب «تبخيس دور الأحزاب الوطنية وإفساد الحياة السياسية بالإقليم»، وطالبت بالإفراج الفوري عن جميع معتقلي الحراك الاجتماعي من دون قيد أو شرط. في المقابل، أدان البيان «التضليل الإعلامي» الذي تمارسه القنوات التلفزيونية العمومية بنشر صور وفيديوهات لأحداث معزولة لا علاقة لها بالحراك لتغليط الرأي العام الوطني والدولي.
وكانت القناة التلفزيونية المغربية الأولى، وقناة «ميدي1 تيفي» قد عرضتا تقريرين حول بيان وكيل الملك بخصوص اعتقال عدد من نشطاء حراك مدينة الحسيمة، وأرفقتهما بفيديوهات تظهر اشتباكات بين جمهور فريق الوداد وجمهور فريق الحسيمة حدثت قبل أشهر عقب مباراة لكرة القدم على أنها اعتداءات على قوات الأمن خلال المظاهرات التي عرفتها المدينة، وقد دفع هذا الحادث النائبة إيمان اليعقوبي، من حزب العدالة والتنمية، بالتقدم بسؤال شفوي آني لوزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج لمطالبته بـ«الكشف عن الإجراءات التي ينوي اتخاذها لمتابعة المسؤولين عن هذا التجاوز الإعلامي، الذي وصفته بالخطير والذي يحمل رسائل سياسية لن تؤدي إلا لعدم ثقة المواطنين في إعلامهم، وإلى نشر أخبار مغلوطة حول ما يقع في بلدهم بما يتعارض تماما مع كل أخلاقيات الصحافة»، حسب نص السؤال.
من جهتها، طالبت اللجنة التحضيرية لدعم الحراك الشعبي بالريف بإطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة، وعلى رأسهم زفزافي ومحمد جلول، ودعت اللجنة إلى إسقاط كل التهم القضائية في حقهم، معبرة عن رفضها «للمقاربة الأمنية التي تكرس مزيدا من الاحتقان الشعبي بالريف، كما دعت إلى فتح حوار جدي ومسؤول مع ممثلي الحراك».