آراء أخرى

أين جسد جمال خاشقجي؟!!

آثرت المملكة العربية السعودية أن تميط بيدها اللثام عن لغز قضية اختفاء الناشط السعودي جمال خاشقجي، ليبقى السؤال: أين جسد المغدور به؟ وربما لن يعلم أحدٌ يومًا أين اختفى هذا الجسد الذي ولج قنصلية بلاده بإسطنبول ظهيرة 2 أكتوبر الماضي لإنجاز إجراء رسمي ولم يخرج منها.

تمامًا كما لا نعلم على وجه اليقين أين ذهب جسد الصحفي المصري رضا هلال الذي استقل المصعد الكهربائي نحو شقته بمنطقة السيدة زينب في أغسطس 2003 دون أن يصل إليها.

ولا نملك الجزم أيضًا هل تبخرَ جسد المعارض الجزائري المهدي بن بركة بينما يصطحبه شرطيان فرنسيان من أمام المقهى اللاتيني بباريس في أكتوبر 1965.. أو كيف كان مصير جسد عالم الدين الشيعي اللبناني موسى الصدر الذي تلاشى أثره بطرابلس بعد أن وصلها في أغسطس 1978 تلبية لدعوة الرئيس الليبي معمر القذافي ثم وجدت حقائبه بأحد فنادق روما.

كل ما سبق ألغازُ لأجساد لم يكشف سر غموض اختفائها أحد.. حتى السيناريست محمد أمين راضي، الذي يعلم وحده سر اختفاء جثة سيد نفيسة في “السبع وصايا”.

تقول الدعابة: نصفُ حل لغز اختفاء “جمال خاشقجي” يكمنُ في نطق اسمه بصورة صحيحة.. فكلمة “خاشقجي”.. التركية الأصل معقدة النطق والكتابة.. المشتقة من اسم جوهرة ثمينة يحتضنها قصر توب كابي، أمست أيقونة البحث الإخباري في هذه الآونة، واللغزُ الذي غرسَ في أرض الشرق الأوسط ألف علامة استفهام، وأطلق في وجه كافة الأطراف في المنطقة أصابع الاتهام.. وكاد يغدو محددًا هامًا في توجيه دفة العلاقات الأمريكية ـ السعودية بعدما كان يسودها من وئام.

فجمال خاشقجي.. الصحفي السعودي الذي خرج ولم يعد، قبل إتمام عامه الستون بنحو 9 أيام، شكل اختفاؤه لغزًا ربما لا يثير فضول البعض، ولكنه يشغل أذهان من كان يستظل بظلهم، أولئك الذي تكالبوا على المملكة العربية السعودية وأمسكوا الأبواق ليهتفوا: أين جمال خاشقجي؟!! فالعديد من الأطراف حاولوا إحراج المملكة في العلن، في الوقت الذي سعت أطرافُ أخرى للضغط عليها في الخفاء، ففضلت الإدارةُ السعودية أن تقلب الطاولة على الجميع، فالجريمة واضحة كالشمس، والأدلة التي تثبتُ دخوله مقر قنصلية بلاده لا تناظرها أخرى تؤكد مغادرته لها.

أحسنت المملكة العربية السعودية حين اتخذت السبيل الوحيد في فتح تحقيق رسمي، وتوقيف المشتبه بهم على ذمة القضية، وهم 18 شخصًا يحملون الجنسية السعودية، ثم الكشف عن نتائج التحقيقات أولًا بأول، والإقرار في بيان رسمي للنائب العام للمملكة سعود بن عبد الله المعجب، بموت “خاشقجي” داخل القنصلية إثر شجار واشتباك بالأيدي مع أشخاص، وما تبعه صدورُ أوامرُ ملكية جريئة بالإعفاء من المنصب لكل من سعود بن عبد الله القحطاني المستشار بالديوان الملكي، وأحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة، وعدد من مساعدي رئيس الاستخبارات العامة، والتأكيد على استمرار التحقيقات للوصول إلى كافة الحقائق وإعلانها، ومحاسبة جميع المتورطين في هذه القضية وتقديمهم للعدالة.

خرجت المملكة من خانة “كش ملك”.. وتمكنت من إعادة إحياء المباراة، الأمر الذي سيساهمُ في إخماد العاصفة المثارةُ حولها في الدوائر العالمية، وربما الإشادة بالقرارات الجريئة التي أُتخذت، والتي مثلت عملية التطهير من الداخل، ولكن ربما تبقى القضية شاغلًا للداخلُ السعودي، الذي بقدر ما تريحه تلك القرارات، فإنه سيحتاجُ إلى وقت لتهدأ الشكوك ومشاعر القلق في داخله، فخاشقجي في نهاية الأمر مواطنٌ سعودي، قضى نحبه وفق بيان النائب العام في قلب قنصلية بلاده، على يد أشخاص من بني جلدته، ولعل إجراءاتُ المحاسبة الصارمة التي بدأت، وربما يتبعها موجات أخرى، تعيدُ الثقة لدى المواطن السعودي، الذي أثق في أنه سيقف وراء إدارته في وجه كل من أراد أن يستغل تلك الواقعة ضد المملكة.

فالدولة التركية التي شكلت ملاذًا أخيرًا للناشط السياسي جمال خاشقجي، قد تحركت في هذا الملف بمنتهى الصلف، من خلال تكريس وسائل إعلامها للتلويح ضد المملكة العربية السعودية، من منظور احتساب خاشقجي بصورة أو بأخرى على جماعة الإخوان الإرهابية، أو من منظور كون الحادثة تمس السيادة التركية حتى وإن وقعت على ما يفترض أنها أرض سعودية “القنصلية”.

كما بدت الإدارة الأمريكية كمن وجد في حادث الاختفاء مبررًا يمكن استثماره للضغط على المملكة لتحقيق مكاسب إضافية تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، وهو النهجُ الذي يتسق مع محددات التحرك الخارجي للولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب، الذي يبدو كمن يلهو دوما بالعصا والجزرة، لضمان الهيمنة الأمريكية في صورتها الناعمة، تمامًا كفزاعة “حقوق الإنسان” التي اعتادت الولايات المتحدة على إشهارها في وجه كل دولةٌ تتعارض توجهاتها مع مصالح أبناء العم سام.

زر الذهاب إلى الأعلى