ما فعله أردوغان كبير المتاجرين بالدين فى آيا صوفيا ومحاولة الظهور بمظهر البطل الذى يحمى المقدسات ويستعيد الأمجاد ليست حالة منفردة فى حركة تاريخ ما يسمى بالإسلام السياسى، فالمتابع لتاريخ هذه الحركات المتأسلمة التى تدعى زوراً أنها تبتغى رفعة الإسلام واستعادة الخلافة وإقامة الشريعة الإسلامية، وتختصر هذه الأمور كلها فى وجوب الاستيلاء على السلطة ونهب ثروات الشعوب وممارسة البلطجة بأى وسيلة، يرى جليا أن الدين عندهم لا يمثل سوى وسيلة أو مطية للوصول إلى أغراضهم الدنيئة باسم الدين والدين من أشباههم براء.
المعروف فى كل مناهج الإصلاح، إسلامية كانت أو غير إسلامية،أن إصلاح المجتمعات لا يكون إلا من خلال إصلاح أفرادها، وإصلاح أفرادها لا يكون إلا من خلال إصلاح قلوبها ونفوسها وأرواحها وسلوكها وأخلاقها، أما اختزال كل مشاريع الإصلاح فى الاستيلاء والنزاع على السلطة لو بالقتل وسفك الدماء وانتهاك الحرمات فهذا مسلك عجيب، ولأن الوصول للحكم عبر الوسيلة الديمقراطية الوحيدة وهى الانتخابات تحتاج لتكوين قواعد شعبية كبيرة وتقديم خدمات مجتمعية تطمئن الشعب أن هذا التيار السياسى يعمل حقيقة لمصلحته ومصلحة الوطن ويعمل على رعاية أمنه وسلامته، وهذه الطريقة هى طريقة المخلصين الوطنيين ولا شك أنها تحتاج إلى كلفة كبيرة وزمن أطول وجهود جبارة، لذلك عمدت هذه الجماعات- لأنها لا تريد إلا الدنيا ولأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة ولأن الدين عندهم ما هو إلا مطية-إلى تشويه صورة الحكام والطعن فى دينهم والزعم بأنهم يطبقون قوانين كفرية ما أنزل الله بها من سلطان، وزعموا أن الحكام يعادون الإسلام ويوالون أعداء الله والوطن وحاكوا فى سبيل ذلك من الأكاذيب والأساطير ما يشيب له الوليد، فكل حكام المسلمين فى نظرهم أعداء الله تعالى وأعداء شريعته، والطريقة الوحيدة التى استعملوها فى عملهم اللأخلاقى هذا هو ترويج الشائعات واختلاق الأكاذيب، لمداعبة واستثارة العواطف وشحن الشباب بالغضب والحنق والرغبة فى الانفلات والثورة والشباب المسكين يرى أنه بهذا يخدم دينه ووطنه وهو فى الحقيقة يدفع عمره وحياته فى صدامات وممارسات إرهابية دموية لن تكون إلا ثمنا سائغا لاستيلاء هؤلاء على الحكم والسلطة ليس إلا.
والدليل على ذلك أن جماعة الإخوان وهى أكبر جماعة سياسية من هذا التيار المتأسلم لما وصلت إلى السلطة اشرأبت أعناق الشباب وفرحت قلوبهم فقد طال انتظارهم لهذه اللحظة التاريخية المنتظرة، التى يطلقون عليه لحظة التمكين وانتظروا تغيير وجه الحياة على النحو الذى وعدتهم به قياداتهم فكان ماذا؟ أما عن تطبيق الشريعة فقد قالوا ونطقوا بالحقيقة واضحة إن الشريعة فى مصر مطبقة بالفعل بموجب الدستور الذى ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، وهذه المادة موجودة بالفعل فى الدستور من قبل وجود جماعة الإخوان نفسها، وأما بقية نشاطات الحياة التى كانوا يزعمون ضرورة تغييرها وإزالتها كالفنون والسياحة وغيرها من الأنشطة التى كانوا يشوهون بها سمعة الحكام السابقين، فقد قالوا لابد من التدريج وأن التغيير قد يتطلب سنوات طويلة ويا سبحان الله أليس هذا هو عين ما كان يقوله الحكام منذ عهد الرئيس عبد الناصر إن التغيير يأتى من الشعب بتغيير السلوكيات والأخلاق بشكل تدريجى وأن الكبت والقهر والمنع القسرى لن يأتى إلا بنتائج عكسية تماما، أما عن القروض التى زعموا أنها فوائد ربوية من صندوق النقد الدولى فقد لجأوا إلى الاستقراض وأباحوه لأن فائدة القرض التى كانت سابقا ربوية، ليست ربوية وقت وجودهم فى السلطة وإنما هى مصاريف لخدمة القرض.
لقد شحنوا الجماهير بالغضب وبالحنق على الحكام والحكومات المتعاقبة بالكذب والتزوير واستغلوا رغبة الجماهيير الصادقة فى الإصلاح والتغيير والنهوض بالبلاد ورغبتهم الحثيثة فى إحداث نهضة اقتصادية وتعليمية وصحية شاملة فى إحداث هذا التشويه، ولا يشك أحد فى وجود حالة من التقصير كانت موجودة بالفعل وأن هناك العديد من مرافق الحياة كانت بحاجة إلى إصلاح ولكن استغلال هذه الأمور فى تكفير الحكومات والحكام أمر شنيع ليس من شيم وأخلاق الإسلام فى شيء.
وقد فعلوا نفس الشيء فى تكوين كيانات اقتصادية موازية لم تبن على أساس من الخبرة الاقتصادية وتبادل المنافع المشتركة، بل على أساس أن الاقتصاد الحالى برمته اقتصاد يقوم عل الربا هكذا دفعة واحدة، فالتعامل مع البنوك إيداعا أو اقتراضا حرام شرعا وربا دون نظر لتغير طبيعة المال والعملات ودون مراعاة لمعدلات التضخم وتغير القيمة عادة بالنقصان، والربا لا شك من أعظم الكبائر وأشنعها.
وبطبيعة الحال فقد شوهوا سمعة المؤسسات الدينية الرسمية التى تبيح التعامل مع البنوك بضوابط شرعية تمنع وقوع الإنسان فى الربا، وتضع القواعد والشروط فى العقود والمعاملات حتى تضمن سلامة التعاملات من أى شبهة ربا، وبنفس طريقة ترويج الشائعات والأكاذيب شوهوا سمعة المؤسسات الدينية الرسمية، وعلى أنقاض هذا التشويه أقاموا كارثة اقتصادية أسموها شركات توظيف الأموال الإسلامية، والآثارُ المدمرة للاقتصاد المصرى معروفة لا تخفى، وهناك مظاهر كثيرة جدا تظهر بجلاء ووضوح كيف استغلت هذه الجماعات إلهاب عواطف الجماهير واستدرت عواطفهم بتشويه سمعة كل مخالف لهم سواء أكان فردا أو جماعة أو مؤسسة أو حزبا أو دولة للحصول على منافع دنيوية محضة، ولو أرادوا الإصلاح الحقيقى الذى يرضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويحقق الأمن والأمان والسلامة للمجتمع ما سلكوا إلى سبيل خدمة المجتمع وتقديم الخير للناس جميعا دون النظر إلى انتمائهم الدينى أو السياسى ودون استقطاب عاطفى رخيص بتشويه كل ما هو مخالف لهم لأن الإصلاح لا يقوم إلا على قاعدة راسخة من الإخلاص والأخلاق وحسن المعاملة.