إسرائيل: الأسد مصلحة حيوية
دبابة إسرائيلية على الحدود مع سوريا (أ.ف.ب) تاريخياً، تبدو العلاقة بين النظام السوري وإسرائيل غامضة. في الشكل، هي علاقة عداء، أما في حسابات الميدان العسكري، منذ عام 1973، فالمصالح تبدو على العكس تماماً. ومراراً، أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية وغيرها إلى مفاوضات سرية تجري أو تواصل ورسائل تنقل.
ما يعزز غموض هذه العلاقة عملياً أنه منذ انطلاقة الثورة السورية، بدأت تتواتر بكثرة مفردة «ضرورة بقاء بشار الأسد» على لسان القيادات العسكرية في إسرائيل ووسائل الإعلام، مستندة إلى الهدوء الذي يطبع جبهة الجولان منذ سنوات، وأن ضرورة بقاء هذا الهدوء من ضرورة بقاء الأسد.
وبعد سنوات من الأزمة في سوريا، بدا مركز «بيغين – السادات» للدراسات الاستراتيجية واضحاً في إشارته الأخيرة إلى أن «بقاء الأسد في السلطة في سوريا هو أفضل مصلحة حيوية لإسرائيل التي نعمت بالهدوء والاستقرار في الجولان طيلة حكم آل الأسد الذين حرصوا على عدم الدخول في معركة حربية مع إسرائيل منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، واكتفوا بالتفاهمات غير المباشرة معها وشن الحملات الدعائية ضدها».
كلام المركز، الذي يأتي في ورقة استراتيجية أعدها الباحث في شؤون الشرق الأوسط الدكتور إيدي كوهين، يعدد المحاولات الدبلوماسية السورية في إطار العلاقة مع إسرائيل، مشيراً إلى المشاركة في محادثات مدريد في عام 1991، وإلى مفاوضات أخرى قبل أشهر قليلة من وفاة الأسد (الأب) في عام 2000، حيث اجتمع إيهود باراك مع وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في الولايات المتحدة.
وخلص المركز، الذي يعتبر أهم مركز للدراسات الاستراتيجية في إسرائيل، إلى أن إسرائيل محاطة بالأعداء، وهي تحتاج إلى أن يقود هؤلاء الأعداء حكام أقوياء مستقرون يتحكمون في جيوشهم، ويمنعون إطلاق النار على الأراضي الإسرائيلية والتوغل فيها. وقد نجح كل من الأسد الأب والابن في ذلك، وما زال الابن يفعل ذلك حتى اليوم، على الرغم من أن سوريا لم تعد اليوم دولة ذات سيادة، وهذا أمر سيء بالنسبة لإسرائيل، لكن بقاء الأسد مصلحة حيوية لإسرائيل.
ليست هذه التصريحات العلنية الأولى في إسرائيل. عملياً، سبقها قبل أسابيع قليلة حديث لقائد هيئة الأركان العامة السابق دان حالوتس، أشار فيه إلى أن الأسد هو الحل المناسب بالنسبة لإسرائيل في المرحلة الحالية. وتولى حالوتس، المولود في إسرائيل لأب من أصل عراقي وأم من أصل إيراني، مناصب عدة في الجيش الإسرائيلي، آخرها رئاسة أركان الجيش في الفترة ما بين 2005 و2007.
وقبل سنوات، وتحديداً في عام 2013، نشر الرئيس السابق لجهاز «الموساد»، أفرايم هاليفي، مقالاً لافتاً في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، تحت عنوان «رجل إسرائيل في دمشق»، أشار فيه إلى أن الأسد هو رجل تل أبيب في دمشق، وأن إسرائيل تضع في اعتبارها أن هذا الرجل ووالده تمكنا من الحفاظ على الهدوء على جبهة الجولان طيلة 40 سنة، منذ تم توقيع اتفاقية فك الاشتباك بين الطرفين في عام 1974.
ويعتبر هاليفي أحد أبرز الخبراء الأمنيين في إسرائيل، بعد أن شغل منصب رئيس الموساد ومنصب رئيس مجلس الأمن القومي، إضافة إلى دوره في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية التي تم توقيعها في وادي عربة، في عام 1994، والتي يعتبر أحد مهندسيها.
وفي أحد تحليلاتها السابقة، تقول صحيفة «هآرتس»، بعيد انطلاق الأزمة في سوريا، إن «تصريحات النظام السوري ضد إسرائيل ليست سوى مجرد شعارات للاستهلاك المحلى، لكسب الرأي العام الداخلي في سوريا».
وتلخص، عملياً، هذه المعادلة العلاقة بين النظام السوري وإسرائيل، خصوصاً أنه في عام 2005 صافح الأسد نظيره الإسرائيلي موشيه كتساف أثناء تشييع البابا يوحنا بولس الثاني، يومها وضع النظام ما حصل «في إطار الحالة العرضية التي ليس لها أي مغزى سياسي».