تفاصيل الأزمة :
1 – بدأت الأزمة الحالية في السودان عقب إعلان الحكومة في بداية نوفمبر الحالي تحرير سعر الوقود وزيادة تعرفة الكهرباء في محاولة للسيطرة على معدلات التضخم ووقف تراجع العملة الوطنية ، حيث أعلن وزير المالية والاقتصاد بدر الدين محمود في مؤتمر صحفي عن حزمة من الاجراءات الاقتصادية شملت إعادة جدولة الدعم على السلع بزيادة أسعار المحروقات .. وتبعاً لذلك تم تطبيق القرار فعلياً بمحطات الوقود ، وتمت زيادة تعرفة الكهرباء للمستهلكين لأكثر من (400) كيلو وات ، وفي مقابل ذلك تمت زيادة الأجور والبدلات للعاملين في الدولة بنسبة (20%) .. جاء الزيادات عقب إعلان الحكومة في أكتوبر الماضي عزمها رفع الدعم عن كل السلع وتحريرها بشكل كامل ، تزامناً مع زيادة في الأجور ، في مشروع موازنة الدولة للعام 2017 .
2 – من جهتها حرضت أحزاب المعارضة على النزول إلى الشارع رفضاً للزيادات الجديدة بأسعار المحروقات والكهرباء والدواء التي أعلنتها الحكومة ، داعية للانتظام في احتجاجات واعتصامات لإرغام الحكومة على التراجع عن تلك الإجراءات .
3 – فيما قوات الأمن بحملة اعتقالات واسعة طالت أكثر من 20 من قيادات حزب المؤتمر السوداني ، من ضمنهم رئيس الحزب عمر الدقير ونائبه خالد عمر يوسف والرئيس السابق للحزب ابراهيم الشيخ والأمين العام مستور أحمد ، فضلاً عن كوادر لأحزاب الأمة القومي والبعث وتحالف قوى المستقبل ، وناشطين وصحفيين على خلفية نشاطهم التحريضي في الشارع ضد زيادات الأسعار الأخيرة .. تزامـــن ذلك مع قيـــام أجهزة الأمن بوقف بث قناة أم درمان وتحذير قناة سودانية 24 ومصادرة أعداد 5 صحف هي ، التيار ، واليوم التالي ، والأيام ، والجريدة ، والوطن ، لتناولها قضية رفع الدعم الحكومي عن الدواء .
4 – جاء ذلك بالتزامن مع إطلاق نشطاء السودان دعوات للعصيان المدني احتجاجاً على ارتفاع أسعر الدواء ، استمرت لمدة 3 أيام خلال الفترة من 27 إلى 29 نوفمبر الجاري ، تضامن معها الأحزاب السياسية المعارضة ، وسط استجابة بنسب متفاوتة من المواطنين في أحياء ومدن الخرطوم ، حيث تلاحظ شلل جزئي لكافة الأسواق والصيدليات وبعض المؤسسات التعليمية المختلفة ، وهو ما قدره متابعون بنسبة فاقت 40% بشكل عام .. وذلك وسط تأكيد مسئولين حكوميين عدم نجاح العصيان في تحقيق أي نتيجة ملموسة على الأرض ، رغم تأكيد الداعون للعصيان المدني بأن الحكومة تفاجأت بالتعاطي غير المعهود من المواطنين مع الدعوات رغم مراهنتها على عدم استجابة أي مواطن لها .
الموقـــف الاقتصـــادي في ظـــل الأزمـــة الحاليــة :
1 – واصل الجنيه السوداني تراجعه بشكل متسارع أمام الدولار، الذي سجل ارتفاعاً غير مسبوق يوم 24 نوفمبر 2016 ، في السوق الموازي ببلوغه 19 جنيه للبيع ، و18.8 للشراء ، ويتوقع أن يصل لـ 20 جنيه .
2 – أعلن الجهاز المركزي للإحصاء بالسودان أن معدل التضخم خلال أكتوبر الماضي ارتفع لـ 19.6% مقارنة بـ 18.32% في سبتمبر مع زيادة أسعار المواد الغذائية والمواصلات وتراجع العملة بالسوق الموازي .
أبــــرز ما تضمنه الحـــراك الشعبي ضد الإجـــراءات الحكوميـــة :
1 – خرج المئات من طلاب المدارس الثانوية يوم 24 نوفمبر 2016 في مظاهرة بـالخرطوم ، تنديدًا بقرار الحكومة رفع الدعم عن الوقود ، ونسبياً هذه أكبر مظاهرة من بين عدد من المظاهرات المحدودة التي دعت لها المعارضة لمناهضة قرار الحكومة رفع الدعم عن الوقود قبل 3 أسابيع ما ترتب عليه زيادة في الأسعار بنسبة 30 % .
2 – تظاهر طلاب 4 مدارس ثانوية بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور يوم 27 نوفمبر ، منددين بزيادة أسعار الدواء وارتفاع كلفة المعيشة ، وقد تصدت الشرطة للمتظاهرين بإطلاق الغاز المسيل للدموع .
3 – شن إمام وخطيب مسجد الخرطوم العتيق الصادق أبو شورة هجوماً عنيفاً على قرارات وزارة المالية الأخيرة التي قضت برفع الدعم عن المحروقات والكهرباء ، قائلاً إن القرارات سيكون لها ” توابع مريرة ” ، وتساءل : ” لماذا الغلاء ولماذا يتحمل الموطن ذلك وتتكئ عليه الدولة ؟ ” ، مشدداً على أن المواطن يتحمل عبء الدولة والسياسات الاقتصادية الخاطئة ، وطالب المسئولين بأن يتقوا الله في الرعية ، محذراً إياهم بقوله ” سيكونون مسؤولين أمام الله عما يفعلوه ” .
4 – انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج بعنوان #SudanCivilDisobedience للتحدث والتعليق على العصيان المدني بالسودان يوم 30 نوفمبر 2016 الذي دعا إليه نشطاء قبل أيام ، وكان قد ظهر هاشتاج وغيره للاحتجاج على الفساد وارتفاع الأسعار في البلاد ، وحصد الهاشتاج أكثر من 60 ألف تغريدة منذ إطلاقه صباح اليوم ، وكان الهاشتاج من بين الأكثر تداولاً بالسودان بينما انتشر في دول عربية أخرى مثل ( السعودية / قطر ) ، ونشر عدد من المغردين على موقع تويتر صوراً تظهر شوارع العاصمة الخرطوم وهي هادئة خالية من المارة ، وكتب العديد عن التزام الكثيرين بالعصيان ونيتهم الاستمرار في التظاهر .
موقف مؤسسة الرئاسة السودانية
1 – صرح الرئيس عمر البشير أن حكومته لا تخاف من دفع الثمن السياسي المترتب على قرارها برفع الدعم عن المحروقات وزيادة تعرفة الكهرباء وتخفيض قيمة الجنية السوداني أمام الدولار ، وأضاف : ” كنا أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ إما جراحة عميقة تحول دون انهيار الاقتصاد وبالتالي انهيار الدولة، أو اتخاذ هذه الإجراءات لإنقـاذ الاقتصـاد ” .. وتابع : ” نعم هذه الإجراءات سيقابلها ثمن سياسي، ونحن لا نخاف منه وسنتحمل هذا الثمن ” .
2 – أكد نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن التزام الدولة بعدم تأثير القرارات الاقتصادية الخاصة بإعادة هيكلة الدعم على الفقراء ومحدودي الدخل والعاملين ، وأكد أنها تأتي في إطار إصلاح الدولة التي اختتمت بالحوار الوطني .
3 – أكد نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم إبراهيم محمود أن الإجراءات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة ، هي احدى الإصلاحات لمواجهة آثار الحصار والحرب المفروضة على البلاد ، مشيراً إلى أنها تأتي لدعم الضعفاء وتخفيف آثار الإصلاح الاقتصادي الذي تمارسه الكثير من الدول نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية ، كما أنها تأتي لمواجهة آثار الحصار والحرب المفروضة على السودان .
4 – أكد وزير النفط محمد زايد عوض أن زيادة أسعار المحروقات تأتي ضمن سياسة إعادة جدولة الدعم ، لافتاً إلى أن الاصلاح لن يتحقق إلا بزيادة الانتاجية ، وأضاف أن وزارته اتخذت إجراءات فنية قبل أشهر قليلة أسهمت في زيادة إنتاج الغاز والجازولين بنسبة ( 17% ـ 30% ) ، ونبه الى أن البلاد كانت تستورد 5 بواخر غاز شهرياً ، تراجعت بعد تحرير سعر الغاز وزيادة إنتاج مصفاة الخرطوم إلى باخرة واحدة كل 25 يوماً .
5 – كشفت وزارة المالية عن حزمة إجراءات تقشفية لخفض الإنفاق الحكومي ، حيث أكد الوزير تخفيض تكاليف السفر الخارجي ووقود الدستوريين بنسبة (50% ) ، وتقليص الصرف على البعثات الدبلوماسية وإيقاف شراء السيارات الحكومية إلا بموافقة وزارة المالية مع إعادة تخصيص الموجود منها / تخفيض صرف الكهرباء للوزارات والوحدات الحكومية .
6 – تراجع الحكومة عن أسعار الدواء الجديدة عقب إعلانها .. حيث أعلن وزير الصحة بحر أبو قردة في مؤتمر صحفي طارئ يوم 25 نوفمبر إعفاء رئيس الجهورية لأمين عام مجلس الأدوية والسموم وإلغاء قائمة أسعار الدواء التي أصدرها ، وفي السياق ذاته ، أكد وزير الدولة بوزارة الإعلام ياسر يوسف عدم تحرّج الإدارة السياسية من تدارك الأخطاء وتصحيحها ، حال تثبتها من وجود خلل ما تم ارتكابه بواسطة مؤسسات الدولة في إشارة إلى قرارات أصدرتها الحكومة بشأن أسعار الادوية ، موضحاً أن قرارات وزير الصحة المتعلقة بإلغاء قائمة أسعار الأدوية التي أصدرها المجلس القومي للأدوية والسموم مؤخراً ، جاءت للتأكيد على أن القيادة السياسية في البلاد تحس بنبض الشارع وتتابع كل ما يدور فيه .. حيث جاء ذلك أعقاب موجه الاحتجاجات التي غلب عليها العنصر النسائي ضد رفع الدعم الحكومي عن الدواء ، وحظي هاشتاج ” أعيدوا الدعم للأدوية ” على ” تويتر ” بمناصرة لافتة من قبل متداخلين في الدول العربية ، ورغم محدودية المشاركة في احتجاجات الدواء لكنها أثارت ردود فعل واسعة .
موقف القوى المعارضة لهذه الاجراءات
1 – أعلن حزب الأمة القومي الجهاد المدني لمقاومة الزيادات في الأسعار ، داعياً للإضراب والاعتصام ، وأعتبر الحزب أن المخرج الوحيد لأزمات الوطن هو التحول لنظام جديد عبر آليات تصعيد العمل المقاوم الرافض لسياسات النظام واتساع دائرة الإضرابات والاعتصامات ، ووصف الحزب هذه الزيادات بأنها إعلان حرب على المواطنين ، ودعا إلى الوحدة لإسقاط النظام .
2 – رفضت حركة الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين الاجراءات الاقتصادية الجديدة للحكومة ، وطالبت بإلغائها فوراً ، وحثت الحركة كل القوى السياسية للتنسيق في التعامل لمعارضة هذه الاجراءات ، وحرضت السودانيين على التحرك الفاعل لمعارضتها .
3 – كشف حزب البعث العربي الاشتراكي أن جهاز الأمن أعتقل عضو الحزب أكرم عبد الوهاب على خلفية قيام تنظيمات الحزب بفعالية سياسية تمثلت في نشر ملصقات على الجدران في مناطق مختلفة من أم درمان رفعت فيها شعارات منددة بالنظام وسياساته .
4 – أعلن الحزب الشيوعي أن قوى المعارضة ستتجه لمخاطبة الجماهير خلال الأيام القادمة ، ولن تخشى استعراض النظام الحاكم لقواته ، حتى لو ضربت قيادات وكوادر المعارضة بالرصاص ، مؤكداً أن نهج النظام الأمني لا يخيف الشارع السوداني الذي اكتوى بفعل سياسات النظام وسلوكيات المؤتمر الوطني .
5 – تبرأ الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ، الشريك الأكبر في الحكومة من قرارات الحكومة ، وأعلن تشكيل لجنة لمقاومة السياسات الاقتصادية الجديدة ، وأعلنت الهيئة القيادية للحزب رفض الزيادات على السلع والخدمات التي أعلنتها الحكومة .. كما أكد الحزب رفضه لحملة الاعتقالات التي نفذها جهاز الأمن والمخابرات وطالت قيادات سياسية ناهضت زيادات الأسعار ، وطالب الحزب بإطلاق سراحهم فوراً ، واعتبر أن تعامل الحكومة مع أنشطة الأحزاب المناهضة لزيادات الأسعار ، يخالف ما اتفق عليه في مخرجات الحوار الوطني وتحديداً مرتكزات حرية التعبير والحركة والتجمعات ، كما أكد الحزب الرفض القاطع لكل القرارات القاضية برفع يد الدولة عن واجبها في تخفيف الأعباء عن كاهلهم ، وناشد الحزب كافة القوى السياسية والمجتمعية برفع وتيرة العمل لإنهاء الحرب وتحقيق السلام وإقامة نظام حكم ديمقراطي وتحقيق عدالة اقتصادية شاملة .
6 – انتقد القيادي بحزب الأمة مبارك الفاضل المهدي ، الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة ، مطالباً الحكومة بتجميد القرارات وإرجاء تنفيذها إلى نهاية العام الحالي ، على أن يتم تكليف فريق من الخبراء الاقتصاديين السودانيين ممن اكتسبوا خبرات دولية بترجمة توصيات الحوار الوطني الاقتصادية إلى برنامج اقتصادي شامل خلال شهر ، وتقديم البدائل المناسبة لدعم الإنتاج الزراعي والشرائح الفقيرة في المجتمع وخفض الإنفاق الحكومي .
7 – أعلنت الجبهة الثورية السودانية – التي تقاتل الحكومة في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق جنوب كردفان – دعمها للصعود الجماهيري الرافض لسياسات النظام وقراراته الاقتصادية الأخيرة ، وأكدت أنها إجراءات تهدف إلى تحميل المواطن أعباء إضافية بتحرير سعر العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني ، والتي أدت لزيادة أسعار المحروقات وكل السلع الضرورية من الغذاء والدواء .. وقد أصدرت مكونات الجبهة بيانات منفصلة ، كانت على النحو الآتي :
أ – أكدت حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور دعمها الكامل للانتفاضة الشعبية الجارية الآن ، ودعت السودانيين وكافة القوى السياسية الراغبة في التغيير للنزول إلى الشوارع في كافة المدن والساحات وإعلان حالة العصيان المدني الشامل وابتكار الوسائل الكفيلة بإسقاط النظام .
ب – دعت حركة جيش تحرير السودان قيادة مناوي الشعب ، للاصطفاف من أجل اقتلاع نظام الانقاذ، لأنه فقد مبررات بقائه .
جـ- دشنت الحركة الشعبية قطاع الشمال حملة تضامن مع تلك الدعوات ، وطالبت كذلك بالتضامن مع الشعب والمعتقلين السياسيين .
د – أكدت حركة العدل والمساواة أن قواعد الحركة ستكون مع الشعب في انتفاضته السلمية لتخليص البلاد من المنعطف الخطير الذي تمر به .
هـ- طالب حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي بضرورة إسقاط نظام الحكم القائم في البلاد ، بعدما اتهمه بالطغيان والجبروت وارتكاب الجرائم بحق المواطن والوطن ، وأكد أنه لا خيار للشعب السوداني غير مواجهته سلمياً حتى إسقاطه .