بينما يتجول محللو الاستخبارات الأمريكية في الوثائق الإلكترونية والورقية التي استولت عليها في نهاية الأسبوع الماضي من مخبأ أبو بكر البغدادي، فإن السؤال الأول الذي يدور في أذهانهم: كيف تمكن زعيم تنظيم داعش من العثور على ملجأ آمن في محافظة سورية تحت أعين الجيش التركي والقوات التي تحارب لصالح أنقرة بالوكالة؟
الكاتب الأمريكي إلي ليك، قال في مقال له بصحيفة “بلومبرج”، إن ثلاثة من مسؤولي الأمن القومي الأمريكي أخبروه بأنهم يريدون معرفة المزيد عن علم تركيا بمكان اختباء البغدادي، وهي إحدى أهم المهام الذي يقوم بها الفريق الآن من خلال المواد التي تمت مصادرتها في غارة البغدادي والغارة الأخرى التي قتلت المتحدث باسم التنظيم؛ أبو الحسن المهاجر، وهي تحديد العلاقة بين جهاز المخابرات التركي وتنظيم داعش.
كان الإرهابيان يختبئان بالقرب في منطقة سورية بالقرب من الحدود التركية، إذ تم العثور على المهاجر في بلدة جرابلس التابعة لمحافظة حلب، حيث تقوم القوات التركية بدوريات هناك، فيما تم العثور على البغدادي في بلدة باريشا، التابعة لمحافظة إدلب، حيث توجد العديد من نقاط التفتيش العسكرية التركية.
وأكد الكاتب أنه بالطبع، تمكن الإرهابيان اللذان يُعتبرا من أكثر المطلوبين في العالم، من الفرار تحت أنظار تركيا؛ إحدى أعضاء حلف الناتو، وهو ما يثير شكّ المسؤولين الأمريكيين، وهذا الشك لا يستند فقط على المكان الذي تم العثور فيه على الرجلين في سوريا.
في بداية الحرب الأهلية السورية، سمحت المخابرات التركية للمُجندين الأجانب من أوروبا وإفريقيا بالسفر عبر تركيا إلى سوريا، وفي ذلك الوقت، اتبعت تركيا سياسة تغيير النظام في سوريا، ودعم العديد من المقاتلين الإرهابيين ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
وفي الفترة الأخيرة، حددت الحكومة الأمريكية مسؤولاً واحدًا على الأقل في داعش مقره في تركيا، كما لاحظت وزارة الخزانة الأمريكية في أغسطس 2017 أن وزير مالية التنظيم، انتقل من العراق إلى تركيا في وقت سابق من ذلك العام، بحسب الكاتب الذي ذكر أن أحد المسؤولين الأمريكيين الذي يعمل عن كثب في السياسة السورية، أخبره بأن تركيا “بذلت كل ما في وسعها لدعم أسوأ الجهات الفاعلة في الحرب الأهلية السورية”.
وأضاف الكاتب، أن توم جوسلين، وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أخبره أن الأتراك يضعون أنفسهم في صورة المُتصدي لداعش والقاعدة، في حين تجد المصادر الأمريكية في أكثر الأحيان أن الجهاديين “يتجولون بحرية”، مما يثير التساؤلات عن حقيقة سياسة تركيا بشأن تنظيم داعش.
وأشار الكاتب إلى أن كل هذه الوقائع تدعو إلى المقارنة مع باكستان في الثمانينيات، إذ عملت وكالة الاستخبارات الأمريكية، مع باكستان لدعم الجماعات الجهادية المُسلحة التي تقاتل السوفييت في أفغانستان، وهو ما حدث في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، حين دعمت السي آي إيه بشكل غير مباشر العناصر الجهادية التي تقاتل نظام الأسد.
وبمرور الوقت، تباعدت المصالح الأمريكية عن مصالح حليفها، مع ظهور القاعدة وطالبان في باكستان وداعش في تركيا، وتم العثور على أسامة بن لادن في عام 2011 في أبوت آباد، حيث تقع أكاديمية باكستان العسكرية المرموقة، وتم العثور على البغدادي في إدلب، الواقعة تحت مسؤولية الجيش التركي، بحسب الكاتب.
وحتى يومنا هذا، لم تتهم الحكومة الأمريكية أجهزة الاستخبارات الباكستانية بإخفاء بن لادن، على الرغم من أن الجيش الأمريكي يعتبر عناصر من أجهزة الاستخبارات العسكرية الباكستانية تعمل مع طالبان في أفغانستان، وفي السنوات الثماني التي تلت الغارة على أبوت آباد، استقرت العلاقات الأمريكية الباكستانية التي كانت متوترة، كما دعا ترامب في وقت سابق من هذا العام، رئيس الوزراء الباكستاني إلى البيت الأبيض.
ويرى الكاتب أن هناك ديناميكية متشابهة يُمكن أن تلعبها واشنطن مع أنقرة في وقت قريب، إذ دعا ترامب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البيت الأبيض هذا الشهر، رغم أن أردوغان قال إنه قد لا يقبل الدعوة بعد أن أقر مجلس النواب قرارًا يدين تركيا لدورها في الإبادة الجماعية للأرمن، وعلى التوازي؛ انتهك الجيش التركي وقف إطلاق النار في شمال سوريا واستأنف عدوانه ضد المدنيين الأكراد.
وذكّر الكاتب بأن الأكراد السوريين زودوا الولايات المتحدة بالمعلومات حول موقع اختباء البغدادي، مُرجحًا أن تكتشف الاستخبارات الأمريكية قريبًا أن تركيا كانت دائمًا تعلم أين كان البغدادي.