جريمة
«الاعتداء الجنسي والتجاهل».. لماذا ينتحر الأطفال؟
انتحار – تعبيرية
تكررت في الآونة الأخيرة، حوادث انتحار الأطفال في أعمار لا تتجاوز 10 سنوات، ما يجبرنا على تسليط الضوء على تلك الوقائع، والحث على التعامل معها بمحمل الجد، خاصة أنها لم تعد حوادث خارجية نسمع عنها، وإنما تكررت وقائعها داخل شوارعنا البسيطة.
وشهد هذا العام منذ بدايته حوادث مروعة لأطفال، قرروا إنهاء حياتهم بطرق غريبة، وتتسع القائمة لتضم ضحايا جدد من الأطفال والمراهقين، وكان أخرهم انتحار طالب في الصف الثاني الإعدادي، بسبب ضعف درجاته في امتحانات نهاية العام الدراسي، بالبحيرة، وأكدت التحريات أنه شنق نفسه باستخدام رباط طبي ربطه في مسمار بالحائط، لمروره بأزمة نفسية بسبب ضعف درجاته في الامتحان.
أثار تكرار هذه الحوادث تساؤلات عديدة ومحيرة، لماذا يقبل طفل على التخلص من حياته؟ وعلى من تقع المسئولية؟ الأسرة أم البيئة المحيطة بهم والظروف؟ وهل من سبيل للعلاج؟ أم أن القائمة ستتسع لاستقبال ضحايا جدد؟
الاعتداء الجنسي
تقول ميريان فاضل، مدربة نفسية بالجامعة الأمريكية، إن الإعتداء الجنسي أو التقليل من شأن الطفل ومحاولة إهانته والاستهزاء به طول الوقت، وتمييز طفل عن الأخر، يعد سببا أساسيا وكارثيا لتدمير نفسية الطفل، وما يزيد من تأثيرها الأسلوب الذي تتعامل به الأسر مع الطفل المعتدى عليه، خاصة إذا تم التفريط في حقه والاستجابة للتهديدات التي تمارس، لكنه في النهاية يؤدي إلى شخص لديه مشكلة في التعامل مع المجتمع من حوله، نتيجة الشرخ النفسي الذي أصابه، ويمكن أن تستمر المشكلة طوال حياته.
وتضيف فاضل أن الإعلام سببا من الأسباب الكارثية في استكمال سيناريو الانتحار، مؤكدة أن الأطفال لا ينتحرون إلا في ظروف نادرة، لكنهم يهددون بالانتحار، لا رغبة في الموت وإنما كوسيلة للهروب من تجربة مؤلمة أو عنف أسري أو مدرسي، يحاول فيها الطفل أن يخطط لها على أن تكون هناك مساعدة ومحاولات إنقاذ، إلا أن هذه الخطة قد تكون خاطئة أحيانا ولا يجد الطفل من يسعفه فيموت.
وللتخفيف من كوارث انتحار الأطفال، تنصح الخبيرة النفسية بأهمية احترام رغبة الطفل وتجنب الضغط عليه والامتناع عن استخدام العنف معه والتطاول عليه، والسعي وراء اكتشاف موهبته ووضع قواعد ثابتة في حالة مخالفتها يتم عقابه لكن بدون قسوة، أو مكافئته وتحفيظه وإتاحة الفرصة له لتجربة نشاطات متنوعة، وإعطاءه الفرصة لإبداء رأيه، والتحاور معه.
وأكدت أن الأب والأم لهما أهمية كبيرة في رعاية أبنائهما ومعاملتهم كما يرغب الأطفال وليس كما يرغب الآباء، وترك مساحة حرة للتعبير فيها عن أنفسهم، مطالبة بأهمية توفير بيانات كافية عن حالات الانتحار وظروفها، من أجل البحث عن سبل مناسبة للعلاج وتقديم خدمات مناسبة عبر مراكز رعاية الطفل على مستوى الجمهورية، خاصة أن معظم المؤسسات المعنية بشؤون الطفل لم تصل لإحصائية حقيقية وواضحة، ويعتبرون حالات الانتحار للصغار وقائع نادرة لا تحدث كثيرا.
وأوضحت أن مرحلة المراهقة هي التى يزيد فيها الاندفاع والتمرد والشعور بالاكتئاب نتيجة التصادم المستمر مع الوالدين، ويعتبر الوازع الديني والتفكير المنطقي أهم رادع للانتحار.
التجاهل الخطوة الأولى
أكد عبد المجيد البنا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن هناك نوعية من الأطفال يكونون أكثر عرضة للانتحار من غيرهم، وهم الأطفال العصبيون، سريعين الغضب، الذين يعانون من مشاعر متطرفة وحالات اكتئاب قد تكون أول درجة في الشعور بفقدان الأمل، خاصة إذا تعاملت الأسرة على أنه طفلا عادي وليس إنسان صاحب رأي.
وتابع البنا أن هناك الكثير من الحالات التي تموت قبل وصولها إلى المستشفى، إضافة لحالات الغرق والحرق، الأمر الذي يؤكد أن محاولات الانتحار الفعلي أكثر من البيانات الصادرة بكثير، وإذا أضيف لها الحالات التي تتردد على المستشفيات في كافة محافظات الدولة والحالات التي تفارق الحياة فور انتحارها، فإن النسب ستكون أعلى بكثير من الأرقام الحالية، والسبب في ذلك الضغوط النفسية والعوامل الاجتماعية التي تتحدى نفسية المقبل على الانتحار.
وشدد على ضرورة الاهتمام بالحالة النفسية للطفل والمبادرة بالعلاج في حالة ظهور أي بوادر للاكتئاب أو الانعزال، أو ترددت على لسانه عبارات التهديد بالانتحار، مشيرا إلى أن التجاهل الخطوة الأولي التي قد تدفع الطفل لمحاولة الانتحار، خاصة أن معظم حالات الانتحار للأطفال يسبقها تهديد تأخذه الأسرة على محمل سوء الأخلاق وقلة التربية، وتتعامل على الموقف بالعقاب فقط دون بحث الأمر أو شكل أخر من التجاهل.