أرست المحكمة الدستورية العليا مبدأ قضائى جديد بشأن تأكيد سيادة الشعب، والمساواة والحق في التقاضي اعتدادا بأن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه ألا تخل تشريعاتها بحقوق يُعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًا لقيام دولة القانون، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وهو ما حرص الدستور على تأكيده في شأن صيانة حقوق المرأة.
وأكدت المحكمة أن الدستور نص على التزام الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا، وكفالة تمكينها من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، استنادا إلى أن السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها باعتباره مصدر السلطات، مقرنًا ذلك بغاية سامية تتمثل في صيانة وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، مما مؤداه ارتباط مبدأ سيادة الشعب، ارتباطًا لا تنفصم عراه، بالمساواة بين جميع المواطنين.
وتابعت: إن قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافة؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا بل يمتد مجال إعمالها إلى ما كفله المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يراه محققًا للصالح العام.
وأضافت المحكمة: إذ كان من المقرر أيضًا أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها، وتعكس مشروعيتها إطارًا لمصلحة عامة يسعى المشرع لبلوغها متخذًا من قواعد قانونية يقوم عليها هذا التنظيم سبيلًا إليها.
وشددت المحكمة على أن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بأغراض مشروعة يتوخاها، فإذا قام دليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًا.
وأوضحت المحكمة أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي أنها سلطة تقديرية، جوهرها مفاضلة يجريها بين مختلف البدائل التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته فرض بشأن مباشرتها ضوابط محددة ينبغي التزامها.
واستمكلت: إنه في إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، ويقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا التزامًا بمقاصدها باعتبارها شكلًا للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالًا.
واختتمت المحكمة أنه لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها ولا محملًا بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق منضبطًا وفق أسس موضوعية وفي إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.