ما هو التحديد الشرعى للرشوة و ما حكمها ؟
الرشوة فعلها رشا يرشو ، وهى إما مصدر وإما اسم للشىء الذى يرشى به ، ويقال أيضا أرشاه يرشيه أى قدم له الرشوة ، فالفعل إما ثلاثى وإما رباعى ” مختار الصحاح ” .
1 – قال ابن الأثير فى ” النهاية ” الرشوة ما يتوصل به إلى الحاجة بالمصانعة ، وأصله من الرِّشَا الذى يتوصل به إلى الماء ، فالراشى من يعطى الذى يعينه على الباطل ، والمرتشى هو الآخذ ، والرائش هو الذى يسعى بينهما ، يستزيد لهذا ويستنقص لهذا ، فأما ما يُعْطَى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه ، يروى أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة فى شىء ، فأعْطَى دينارين حتى خلى سبيله ، وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا : لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم .
جاء فى تاج العروس وحاشية الطحطاوى على الدر “ج 3 ص 177 ” أن الرشوة فى الإصطلاح ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل .
وأرى أنها تطلق فى العرف الجارى على ما يدفع لنيل ما يصعب الحصول عليه ، وذلك إما لأنه ممنوع شرعا أو قانونا ، وإما لأنه غير ممنوع ولكن يحتاج إلى جهد للحصول عليه ، فالأول كالقضاء له بشىء لا يستحقه ، أو بظلم أحد لا يستحق الظلم ، والثانى كحصوله على حقه ويحتاج إلى دفع شىء للتعجيل به وعدم التسويف فيه أو محاولة منعه ، وكدفع ظلم عنه لا يمكن إلا بما يقدم لمن يستطيع دفع هذا الظلم .
2 – والرشوة فى النوع الأول حرام لأن الممنوع شرعا أو عقلا حرام ، وكل ما يوصل إلى الحرام فهو حرام ، سواء كان ذلك بين الأفراد بعضهم مع بعض ، أم بين الأفراد ومن بيدهم سلطان قضائى أو تنفيذى ، وذلك من أجل أن ينال هذا الشىء الحرام من الأول بالحكم ومن الثانى بالتنفيذ ، قال تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } البقرة : 58 ، وقال { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } النساء : 29 .
وورد فى السنة عن عبد اللَّه بن عمرو قال : لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى . رواه أبو داود والترمذى ، وقال : حسن صحيح .
وعن أبى هريرة قال : لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى و الرائش ، يعنى الذى يسعى بينهما ، رواه الترمذى وحسَّنه ، وابن حبان فى صحيحه والحاكم ، وجاء فى بعض الروايات : والمرتشى فى الحكم وفيه حديث ابن اللتبية الذى كان يعمل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الصدقات ورجع بالصدقات وبهدايا ، فغضب الرسول وقال ” هلا قعد فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته ” ؟ ونص الحديث : عن أبى حميد عبد الرحمن بن سعد الساعدى قال : استعمل النبى صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ” ابن اللتبية ” على الصدقة ، فلما قدم قال هذا لكم وهذا اهدى إلى ، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال ” أما بعد ، فإنى أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولانى اللَّه فيأتى ويقول : هذا لكم وهذا هدية أهديت إلى ، أفلا جلس فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا ، واللَّه لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى اللّه تعالى يحمله يوم القيامة ، فلا أعرفن واحدا منكم لقى اللَّه يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار ، أو شاة تَيْعَر ” ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه فقال ” اللهم هل بلَّغت ” رواه البخارى ومسلم .
3- بعد هذا أنقل شيئا مما قاله العلماء فى موضوع الرشوة :
( أ ) جاء فى كتاب ” الآداب الشرعية والمنح المرعية ” لشمس الدين أبى عبد اللَّه محمد بن مفلح المقدسى الحنبلى المتوفى بتاريخ 2 من رجب سنة 762 هـ عن الهدية ما ملخصه :
حرم ابن تيمية الهدية فى كل شفاعة فيها إعانة على فعل واجب أو ترك محرم ، وفى شفاعة عند ولى أمر ليوليه ولاية أو يستخدمه فى المقاتلة وهو مستحق لذلك . أو ليعطيه من الموقوف على الفقراء أو القراء أو الفقهاء أو غيرهم وهو من أهل الاستحقاق ، وهذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار ، وقد رخص بعض الفقهاء المتأخرين فى ذلك ، وجعل هذا من باب الجعالة ، يعنى الشافعية .
قال : وهو مخالف للسنة وأقوال الصحابة والأئمة وهو غلط ، لأن مثل هذا من المصالح العامة التى يكون القيام بها فرض عين أو كفاية ، فيلزم من اخذ الجعل فيه ترك الحق ، والمنفعة ليست للباذل بل للناس ، وطلب الولاية منهى عنه فكيف بالعوض فهذا من بلب الفساد . انتهى كلامه .
والخبر الذى احتج به هو : روى أبو داود فى سننه ” باب الهدية للحاجة ” ثم روى عن أبى أمامة مرفوعا للنبى صلى الله عليه وسلم ” من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ” ضعفه بعضهم لكن نص أحمد رضى اللّه عنه .
على أنه لو قال : اقترض لى مائة ولك عشرة أنه يصح ، قال أصحابنا :
لأنه جعالة على فعل مباح ، وقالوا : يجوز للإمام أن يبذل جعلا لمن يدل على ما فيه مصلحة للمسلمين ، وأن المجعول له لا يستحق الجعل ، مسلما كان أو كافرا ، و قاسو على أجرة الدليل .
( ب ) والإمام الغزالى فى كتابه إحياء علوم الدين “ج 2 ص 136 طبعة عثمان خليفة ” فصَّل الموضوع تفصيلا لا مزيد عليه فى الفرق بين الرشوة والهدية ، وسأحاول تلخيص ما قال فيما يأتى :
باذل المال لا يبذله قط إلا لغرض ، ولكن الغرض إما اَجل كالثواب وإما عاجل ، والعاجل إما مال وإما فعل وإعانة على مقصود معين ، وإما تقرب إلى قلب المهدى إليه بطلب محبته ، إما للمحبه فى عينها وإما للتوصل بالمحبة إلى غرض وراءها ، فالأقسام خمسة :
الأول : ما غرضه الثواب فى الآخرة ، كأن يهدى لمحتاج أو عالم ، أو ذى نسب دينى أو صالح متدين ، فلا بأس ، وعلى هؤلاء ألا يأخذوا ذلك إلا إذا كان بهذه الصفة التى من أجلها أهدى الناس إليهم .
الثانى : ما يقصد به فى العاجل غرض معين ، كالفقير الذى يهدى إلى الغنى طمعا فى غناه ، فهذه هبة بشرط الثواب لا يخفى حكمها ، وإنما تحل عند الوفاء بالثواب المطموع فيه .
الثالث : أن يكون المراد إعانة بفعل معين . كالمحتاج إلى السلطان يهدى إلى وكيل السلطان وخاصته ومن له مكانة عنده ، فهذه هدية بشرط ثواب يعرف بقرينة الحال فينظر لهذا العمل الذى هو الثواب ، فان كان حراما ، بأخذ ما لا يستحق أو بظلم غيره حرم الأخذ ، وإن كان العمل الذى هو الثواب واجبا ، كدفع ظلم متعين على من يقدر عليه أو بشهادة متعينة فيحرم عليه ما يأخذه ، وهى الرشوة التى لا يشك فى تحريمها ، وإن كان مباحا لا واجبا ولا حراما وكان فيه تعب بحيث لو عرف لجاز الاستئجار عليه فما يأخذه حلال إن وفى بالغرض ، وهو كالجعالة ، مثل اقترح على فلان أن يعيننى فى غرض كذا أو ينعم على بكذا ، وكان ذلك يحتاج إلى كلام وجهد فهذه جعالة ، كما يأخذ الوكيل بالخصومة ” المحامى ” بين يدى للقاضى ، فليس بحرام إذا كان لا يسعى فى حرام ، أما إن كان مقصوده يحصل بكلمة لا تعب فيها ، ولكن تلك الكلمة أو كانت تلك الفعلة من ذى جاه تفيد ، كقوله للبواب :
لا تغلق دونه باب السلطان ، وكوضعه قصته بين يدى السلطان فقط فهذا حرام ، لأنه عوض عن الجاه ولم يثبت فى الشرع جواز ذلك ، بل ثبت ما يدل على النهى عنه ، كما سيأتى فى هدايا الملوك ، ومثل ذلك أخذ الطبيب العوض على كلمة واحدة ينبه بها على دواء ينفرد بمعرفته ، فلا يذكره إلا بعوض ، فإن عمله وهو التلفظ غير متقوم ، كحبة من سمسم ، فلا يجوز أخذ العوض عليه ولا على علمه ، إذ ليس ينتقل علمه إلى غيره ، وإنما يحصل لغيره مثل علمه ويبقى هو عالما به ، وهذا غير الحاذق فى الصناعة ، كالذى يصقل السيف أو المرآة بدقة واحدة لحسن معرفته بموضع الخلل ولحذقه بإصابته ، فقد يزيد بدقة واحدة مال كثير فى قيمة السيف والمرآة ، فهذا لا أرى بأسا بأخذ الأجرة عليه ، لأن مثل هذه الصناعات يتعب الرجل فى تعلمها ليكتسب بها ، ويخفف عن نفسه كثرة العمل (فى رأيى لا فرق بين الصانع والطبيب ، لأن الطبيب بذل جهدا فى تعلم الطب ليكتسب به أيضا كالصانع ، ولولا دلالته على الدواء لكان أخطر ) .
الرابع : ما يقصد به المحبة وجَلبها من قبل المهدى إليه لا لغرض معين ، بل لتأكيد الصحبة وتودد القلوب ، فهذا مندوب إليه عقلا وشرعا ، لحديث ” تهادوا تحابوا ” رواه البخارى فى الأدب المفرد ، والبيهقى ، قال الحافظ : إسناده حسن وضعفه ابن عدى كما قاله العراقى وحتى لو كانت المحبة لا تطلب لذات المحبة بل لما وراءها فان ما وراءها غير معلوم ، فتسمى هدية ويحل أخذها .
الخامس : أن يطلب التقرب إلى قلبه ليتوصل بجاهه إلى أغراض لولا جاهه ما أهداه شيئا ، فإن كان جاهه لأجل علم أو نسب فالأمر فيه أخف ، وأخذه مكروه ، فإن فيه مشابهة الرشوة ولكنها هدية فى ظاهرها فإن كان جاهه بولاية تولاها من قضاء أو عمل أو ولاية صدقة أو جباية مال أو غيره من الأعمال السلطانية فهذه رشوة فى شكل هدية ، ولولا سلطانه ما أهدى إليه ، بدليل أنه لو عزل من سلطانه دفعت الهدية إلى من يخلفه ، وهذا متفق على كراهته الشديدة .
لكن اختلفوا فى كونه حراما والمعنى فيه متعارضا ، لأنه دائر بين الهدية المحضة والرشوة المبذولة لغرض ، وإذا تعارضت المشابهة القياسية وعضدت الأخبار والآثار أحدهما تعين الميل إليه ، وقد دلت الأخبار على تشديد الأمر فى ذلك ، لحديث ” يأتى على الناس زمان يستحل فيه السحت بالهدية والقتل بالموعظة ، يقتل البرئ لتوعظ به العامة” عن هدايا السلطان فقال : سحت ، وأخذ عمر ربح مال القراض الذى أخذه ولداه من بيت المال وقال : إنما أعطيتما لمكانكما منى . وأهدت امرأة أبى عبيدة ابن الجراح إلي ” ماتون ” ملكة الروم خَلُوقًا – طيبا – فكافأتها بجوهر ، فأخذه عمر فباعه وأعطاها ثمن الخلوق ورد باقيه لبيت المال ولما رد عمر بن عبد العزيز هدية قيل له : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ، فقال : كان ذلك له هدية ولنا رشوة ” تاريخ السيوطى ص 157 ” أى كان يتقرب به إليه لنبوته لا لولايته ، ثم ذكر الغزالى حديث ابن اللتبية الذى سبق ذكره . انتهى ملخصا .
( ج ) ومما يؤثر فى هذا الموضوع أن محمد بن مسلمة عندما أرسله عمر بن الخطاب ليشاطر عمرو بن العاص ماله امتنع عن الأكل عنده وعده رشوة ” العقد الفريد لابن عبد ربه ج 1 ص 14 ” .
( د ) وبعث النبى صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه بن رواحة إلى أهل خيبر ليقدر الزكاة الواجبة عليهم ، فأرادوا أن يرشوه فقال :
تطعمونى السحت ؟ واللَّه لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى ، ولأنتم أبغض إلىَّ من عدتكم من القردة والخنازير ، ولا يحملنى بغضى لكم وحبى إياه ألا أعدل بينكم فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض ” زاد المعاد لابن القيم ج 1 ص 119” .
(هـ ) وجاء فى تفسير القرطبى”ج 6 ص 183 “عن عمر رضى اللَّه عنه قوله : رشوة الحاكم سحت ، وعن النبى صلى الله عليه وسلم ” كل لحم نبت بالسحت فالنار أولى به ” قالوا : يا رسول اللَّه وما السحت ؟ قال ” الرشوة فى الحكم “(رواه ابن جرير عن عمر كما فى الجامع الكبير للسيوطى ولم يحكم عليه ) وقيل لوهب بن منبه : الرشوة حرام فى كل شىء ؟ قال لا إنما يكره من الرشوة أن ترشى لتعطى ما ليس لك ، أو تدفع حقا قد لزمك ، فأما أن ترشى لتدفع عن دينك ومالك ودمك فليس بحرام ، قال أبو الليث السمرقندى الفقيه : وبهذا نأخذ ، لا بأس أن يدفع الرجل -عن نفسه وماله بالرشوة ، وهذا كما روى عن عبد اللَّه بن مسعود أنه كان بالحبشة ، فرشا بدينارين وقال : إنما الإثم على القابض دون الدافع .
( و ) جاء فى فتاوى الإمام النووى المسماة بالمسائل المنثورة ( ص 85 ) ملحق مجلة الأزهر صفر 1411 ما نصه :
( 192 ) مسألة : إذا كان الإنسان فى حبس السلطان أو غيره من المتعذرين حبس ظلما ، فبذل مالا لمن يتكلم فى خلاصه بجاهه أو بغيره هل يجوز ، وهل نص عليه أحد من العلماء ؟ ” والجواب ” نعم يجوز ، وصرح به جماعة منهم القاضى حسين فى أول باب الربا من تعليقه ، ونقله عن القفال المروزى قال : هذه جعالة مباحة ، قال : وليس هو من باب الرشوة ، بل هذا العوض حلال كسائر الجعالات .
( ز) وجاء قى كتاب ” مفيد العلوم ومبيد الهموم ” للخوارزمى ص 162 بيان للفرق بين الهدية والرشوة بما لا يخرج عما قاله الإمام الغزالى فى الإحياء ، ثم قال أخيرا : متى كان هذا الفعل الحرام مثل الظلم وسماع بينة الزور وتقوية الظالم فكل ما يأخذه حرام ، وكذا إذا كان الفعل متعينا عليه مثل دفع الظالم وسماع بينة الحق فكل ما يأخذه سحت .
(ح ) وذكر ابن القيم فى كتابه ” بدائع الفوائد “ج 3 ص 195 :
أن يحمى بن معين لما دخل مصر استقبلته هدايا أبى صالح كاتب الليث ، ومعها جارية ومائة دينار ، فقبلها ودخل مصر ، فلما تأمل حديثه قال لا تكتبوا عن أبى صالح ، ذكره الحاكم فى كتابه ” الجامع لذكر أئمة الأمصار المزكين لرواة الأخبار ” .
( ط ) جاء فى فتاوى ابن تيمية ” المجلد 31 ص 286 ” أن ابن مسعود سئل عن السحت فقال هو أن تشفع لأخيك شفاعة فيهدى لك هدية فتقبلها ، فقال له : أرأيت إن كانت هدية فى باطل ؟ فقال : ذلك كفر{ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك .هم الكافرون } .ثم قال ابن تيمية ما ملخصه : من أهدى هدية لولى أمر ليفعل معه ما لا يجوز : كان حراما على المهدى والمهدى إليه ، وهذه من الرشوة المنهى عنها ، وتسمى البرطيل .
فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت حراما على الآخذ وجاز للدافع أن يدفعها إليه ، كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول ” إنى لأعطى أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا ” قيل : يا رسول اللَّه فَلِمَ تعطيهم ؟ قال ” يأبون إلا أن يسألونى ويأبى اللَّه لى البخل ” .
” انظر فتوى شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق . فى مجلة الأزهر عدد ربيع الأول 1413 سبتمبر 1992 ” .
3- والرشوة فى النوع الثانى رأى جماعة حرمتها لعموم الخبر الذى جاء فيه لَعْن الراشى والمرتشى والرائش ، ونقله الشوكانى عن الإمام المهدى ، لكن قال آخرون ، وهو قول معقول ، : إن كان هذا الأمر فى يد من لا سلطان له ، وسيبذل جهدا متبرعا به غير واجب عليه ، فإعطاء شىء فى مقابل ذلك .حلال لا بأس به ، وأخذ هذا الوسيط له لا بأس به أيضا ،. فهو من باب الجعالة ، أى جعل عوض معلوم على عمل غير معلوم تفصيلا وإن كان معلوما إجمالا ، كمن يقول : من رد لى الشىء الضائع منى فله كذا ، ومن بحث لى عن عمل طيب فله كذا أما إذا كان هذا الأمر فى يد من له ولاية عليه ، كرئيس مصلحة ينجز للشخص عملا هو من حقه ، وتحت سلطان هذا الرئيس ، فإنَّ إعطاء شىء له لتسهيل الإجراءات للوصول إلى الحق جائز ، لكن أخذ الرئيس له حرام ، لأن المفروض أنه يؤدى واجبه المشروع بدون وساطة أو مقابل ورأى البعض أن إعطاءه حرام لأنه يساعده على الحرام .
ومثل ذلك ما إذا كان ذو السلطان ظالما ويريد الإنسان أن يدفع ظلمه عنه فيعطيه شيئا فذلك لا بأس به ، وعلى الظالم الإثم فى أخذه .
وكل ذلك إذا كان فيه اتفاق سابق على العمل فى مقابل الرشوة ، أما إذا لم يكن اتفاق مشروط أو معروف عرفا ، وبعد إنجاز المهمة المشروعة أعطاه صاحب الحاجة شيئا فلا حرمة فيه .
ثم قال العلماء : إن للقاضى حكما فى هذا الموضوع غير ما يكون للسلطة التنفيذية و يريدون بذلك المحافظة على نزاهة القاضى وعدم تأثره بأى شىء يجعله يميل فى الحكم ، فيمنعون عنه كل ما فيه شبهة فقالوا : إذا كانت للمهدى قضية عند القاضى فلا يجوز مطلقا أن يقبلها القاضى ، سواء أكانت هناك مهاداة سابقة بين الطرفين أم لا ، أما إذا لم تكن هناك قضية وأراد أن يهديه . هدية ، فإن لم تكن هناك مهاداة سابقة فلا يجوز للقاضى أخذها ، لأن الداعى لها هو توليه القضاء ، رجاء أن يكون فى صفِّه إذا عرضت أمامه قضية تخصه ، فإن كانت هناك مهاداة سابقة كان من الظاهر جواز دفعها وقبولها ، لكنهم قالوا أيضا من باب الاحتياط لنزاهة القاضى : إن زادت الهدية عن المعتاد السابق كانت غير جائزة ، لأن زيادتها هى لغرض ، فإن لم تزد فلا حرج فيها .
مصدر الفتوى : موقع دار الإفتاء المصرية