فيما تشهد المناهج الدراسية للمرحلة الابتدائية في تركيا، قصصاً أشبه بحكايات تنظيم داعش الإرهابي الذي يعتمد على الفكر المتطرف، أعلن مدير البرنامج الدولي لتقيييم الطلبة (بيسا)، أندرياس سكليشر، أن “نظام التعليم التركي لا يلائم العالم”.
فعلى سبيل المثال، يروي كتاب “زهور الضحك” لطلبة الصفين الثاني والثالث الابتدائي، في إحدى صفحاته قصة عن طفلة رأت مشهد طفل مقطوع الرأس، بينما الرأس يتم طبخه في طنجرة.
هناك أمثلة كثيرة عن شرح قصص مُخيفة في مناهج التعليم التركية للأطفال في المرحلة الابتدائية على وجه الخصوص، وهو ما يلتقي تماماً مع المشاهد التلفزيونية الموثقة التي كان يبثّها تنظيم داعش من سوريا والعراق.
“مدارس الخطباء”
وترى الكاتبة التركية مايا أراكون المُتخصّصة بالمجال التعليمي الأكاديمي، أنّ القائمين على النظام التعليمي التركي في الوقت الحالي، يرغبون عبر آليات مرسومة وخطط موضوعة، بفتح الباب أمام إرسال الطلاب الذين لا يتمكنون من النجاح في مختلف المراحل الدراسية الابتدائية والإعدادية والثانوية، إلى مدارس الأئمة والخطباء.
بالمقابل، حصدت تركيا بطلابها المرتبة الأخيرة من بين 540 ألف طالب شاركوا في اختبار “بيسا” وهو عبارة عن امتحان في الرياضيات والعلوم والقراءة، يُجرى مرّة كل ثلاث سنوات، يٌشارك به الطلبة الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة في جميع أنحاء العالم.
ولم تغلب “الدائرة الإسلامية المُتشدّدة” يوماً عن إحاطة الداخل التركي المُتسامح، وإن لم يظهر ذلك للعلن بشكل مباشر، حتى وإن تمّ اعتماد العلمانية كأساس للنظام السياسي في تركيا منذ حوالي الـ 100 عام، الأمر الذي أثر سلباً حينها على العلاقات التركية الإسلامية، إلى أن جاء الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، بتوجهاته الإسلامية ورغبته في إعادة الخلافة العثمانية.
وانتقل أردوغان ومع بدء الأزمة السورية إلى خلق مشاكل مع كافة الدول المُحيطة والقريبة منه في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي ساهم في تعميق العزلة بقراراته وتدخلاته ذات الطابع الإسلامي المُتطرف.
إسلام معتدل
في الوقت الذي يدعو فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبذل كل ما هو ممكن للعودة بالإسلام إلى جذوره الصحيحة، الإسلام المُعتدل الذي يتعايش مع مختلف الأديان والثقافات والشعوب، نجد الرئيس التركي ينفي وجود أيّ اختلافات في مفهوم الإسلام، وكأنّه بذلك يكشف علانية ويعترف بحقيقة الدعم التركي لمختلف الحركات الأصولية والدينية المُتشدّدة في العالم الإسلامي، وأخطرها حالياً تنظيمات الإخوان وداعش وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة)، والتي شرّع لها مختلف الأبواب والحدود الجوية والبحرية والبرية.
وليس بغريب أن يتحوّل النظام التعليمي الحالي في البلاد من نظام علماني منفتح ومتسامح، إلى نظام مُتشدّد حتى في مناهج الصفوف الابتدائية لأطفال في عُمر الورود.
ويرى بعض المفكرين الأتراك المنتمين إلى التيارات الإسلامية، أنّ حجر الزاوية في تحديد علاقات تركيا الخارجية هو مقدار الجذب الحضاري للبلاد ونظرة الآخر لها.
لكن، وفي ضوء المتغيرات العالمية الحالية وانفتاح الدول بعضها على بعض، وبعد أن شارف عصر الأيديولوجية الداعشية على السقوط، فإنّ السياسة التركية في الداخل والخارج، التي تتعرّض للاهتزاز بشدّة، مُطالبة بإحداث تغيير جذري في علاقات أنقرة مع العالم الإسلامي على وجه الخصوص، والبداية لن تكون إلا من خلال المنظومة التعليمية في تركيا.