قبل شهر من الدورة الأولى للانتخابات التشريعية الفرنسية المقررة في 11 يونيو المقبل، تسعى الأحزاب السياسية التقليدية خصوصاً والتي هزها الفوز الكبير للمرشح الوسطي الشاب إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية، لإعادة لململة صفوفها، في محاولة لاستعادة مكانتها في المشهد السياسي الفرنسي وتحقيق اختراق في الانتخابات المقبلة.
ويواجه ماكرون اختباراً حاسماً في الانتخابات التشريعية، إذ سيكون عليه إقناع الفرنسيين بأنه يستحق الغالبية التي تتيح له الحكم وإدخال الإصلاحات التي وعد بها في بلد منقسم. وهو يحتاج إلى تأييد شخصيات منبثقة من اليمين ومن اليسار الوسطيين.
خلط الأوراق
ولكن في اليمين كما في اليسار يستمر خلط الأوراق، وتحاول الأحزاب إعادة التموضع لتصحيح المسار قبل الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية. ولعل آخر معالم هذه التحولات إعلان رئيس الوزراء الاشتراكي السابق مانويل فالس انضمامه إلى الغالبية التي يمثلها ماكرون، والانسحاب المؤقت من العمل السياسي لماريون ماريشال-لوبان الوجه الصاعد في الجبهة الوطنية بعد هزيمة خالتها مارين لوبان.
فالس
وفي مؤشر لتعقيدات الوضع، أثار قرار فالس ارتباكاً في صفوف الحزب الاشتراكي، فيما قوبل بفتور في صفوف “إلى الامام” الذي بات يسمى “الجمهورية إلى الامام”.
وقال مسؤول في الحركة الأربعاء إن عضوية فالس لا تلبي حتى الآن المعايير المطلوبة لـ”الغالبية الرئاسية”، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء السابق الذي يمثل الجناح اليميني للحزب الاشتراكي، لا ينتمي إلى الحركة.
وتلقى الحزب الاشتراكي صفعة قوية خلال الانتخابات، إذ لم يحصل مرشحه بينوا هامون على أكثر من 6,4 في المئة من الأصوات، بعدما تراجعت شعبية الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند إلى مستويات قياسية منعته من الترشح لولاية ثانية. ومع ذلك، لا مؤشرات تعكس جبهة قوية استعداداً للتشريعيات.
فقد بدأ الحزب الأربعاء حملته للانتخابات التشريعية بقيادة رئيس الوزراء المنتهية ولايته برنار كازنوف الذي يبدي علناً انزعاجه من الإعلان عن الموت الوشيك لمعسكره السياسي، معلناً إنشاء حركة “واسعة وجامعة” لمختلف التوجهات الحزبية سعيا إلى “إعادة بناء اليسار”، على أن يعلن عنها في يوليو، وأعلن كذلك عن حركة جديدة “للتجديد” أبرز شخصياتها رئيسة بلدية باريس الاشتراكية آن هيدالغو ووزيرة العدل السابقة كريستين توبيرا.
وفي المقابل، قال بنوا هامون، المرشح الاشتراكي الخاسر في الانتخابات الرئاسي إنه لن يترك الحزب الذي يجسد تياره اليساري، بعدما عرض عليه مرشح اليسار الراديكالي جان-لوك ميلنشون ترك حزبه شرطاً للانضمام إليه.
ميلنشون
وفي أقصى اليسار، أعلن ميلنشون الذي شكل مفاجأة الانتخابات بحصوله على 19,6 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى، ترشحه إلى الانتخابات التشريعية في مرسيليا ليستفيد بذلك من الزخم الذي حققته حركته “فرنسا الأبية”، وإن يكن بدأ حملته بقطيعة مع حلفائه الشيوعيين.
ففي إطار الخلافات في صفوف اليسار، اتهم زعيم الحزب الشيوعي بيار لوران اليسار الراديكالي بعدم الرغبة في إبرام اتفاق لخوض الانتخابات معاً.
اليمين
وفي اليمين، يحاول الجمهوريون بصعوبة الحفاظ على وحدتهم بمواجهة اغراءات ماكرون. وفي هذا الإطار أقر الحزب الثلاثاء مشروعاً لطي صفحة فرنسوا فيون، المرشح الخاسر للانتخابات الرئاسية، مع إضافة بعض التعديلات على البرنامج الانتخابي لتعزيز القدرة الشرائية.
وفيما حذر فرنسوا باروان الذي سيقود الحزب في الانتخابات التشريعية من أن أي عضو من الجمهوريين ينضم إلى معسكر ماكرون سيتم اقصاؤه، فإن البعض يفكر بالتعاون مع الرئيس المنتخب.
يبدو هدف حزب الجمهوريين الذي استبعد للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة من الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، واضحاً وهو فرض مساكنة على ماكرون مع حكومة تنبثق من صفوفهم. ومع أن قيادة الحزب ترفض “التشويش وأنصاف الحلول” كما تصف برنامج ماكرون، يتم التداول بأسماء بعض ممثلي اليمين مثل رئيس بلدية هافر في شمال غرب فرنسا إدوار فيليب باعتباره مرشحا محتملا لرئاسة حكومة ماكرون.
ولمح بعض أقطاب الجمهوريين من المقربين من رئيس الوزراء السابق ألان جوبيه، على غرار جان-بيار رافارات وفابيان كيلر وكريتسان إستروزي، إلى استعدادهم للعمل مع ماكرون.
الجبهة الوطنية
ولم تسلم الجبهة الوطنية من الهزات، مع إعلان ماريون ماريشال-لوبان (27 عاماً) الانسحاب من الحياة السياسية. وقالت ماريون التي تتمتع بشعبية في جنوب شرق فرنسا، وهي واحدة من نائبين للجبهة الوطنية في الجمعية الوطنية الفرنسية، إنها اتخذت قرارها لأسباب “شخصية وسياسية”.
وقالت أصغر نواب الجمعية الوطنية التي تتبنى مواقف أكثر راديكالية من خالتها أن “يكون المرء قائداً سياسياً جيداً يعني أن يخوض تجارب أخرى غير النجاح الانتخابي” دون أن تستبعد العودة.