في الأشهر الأخيرة، انتشرت لوحات إعلانية في أنحاء روسيا بألوان العلم الروسي ورسالة كتب عليها: “بلدنا، رئيسنا، خيارنا”. واليوم يدلي الملايين من الروس بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، وإن كانت الخيارات أمامهم ليست كثيرة، ذلك أن الرئيس فلاديمير بوتين الذي حكم أطول فترة منذ جوزف ستالين، نجح في التخلص من أي منافس ذي صدقية، وما من شك في أنه سيخرج منتصراً ويدشن ولاية أخرى من ستة أعوام.
وتقول مجلة “إيكونوميست: “كان مفترضاً أن يؤدي سقوط الشيوعية قبل ربع قرن إلى بروز روسيا ديمقراطية. فكيف يتمكن السيد بوتين من الفوز في كل مرة؟”.
منذ وصوله إلى السلطة عام 2000، عمل بوتين بشكل ممنهج على تقوية موقعه. وخلال ولايتيه الأوليين بعد عام 2000، نجح في تحييد سلطة الأوليغارشية، التي حشدت نفوذاً واسعاً في التسعينيات، وأعاد سيطرة الدولة على التلفزيون، واستعاد سلطة التعيين المباشر لحكام الأقاليم. وساهم ارتفاع أسعار النفط في تغذية اقتصاد مزدهر، وتالياً ساعد في اكتساب التأييد له.
التظاهرات
وبعد الانتقال إلى منصب رئيس الوزراء في 2008 وجعل من ديمتري ميدفيديف رئيساً، عاد السيد بوتين إلى الرئاسة في 2012 شخصيةًضعيفة على أثر تظاهرات واسعة النطاق ضد حكمه.
ومع ذلك، فإن الأزمة الأوكرانية التي اندلعت عقب توليه منصبه لمرة ثالثة، وفرت لبوتين فرصة لتأكيد نفسه مجدداً على المسرح الدولي. وضمت روسيا القرم وأضرمت نيران حرب في شرق أوكرانيا.
قوة عظمى
وقدم بوتين نفسه مدافعاً عن روسيا المحاطة بأعداء وزعيماً أعاد بلاده إلى مكانها “قوة عظمى” في العالم. وتجاوزت نسبة التأييد الشعبي له الـ 80 في المئة ولم تنخفض مذ ذاك.
وقبيل الانتخابات، لم يشارك بوتين حتى في مناظرات تلفزيونية، وهو بالكاد أطلق حملات انتخابية، وحتى أنه لم يعلن ترشحه رسمياً.
وأضافت أن أساس النظام الذي بناه يقوم على فكرة أن لا بدائل من حكمه. وقال نائب رئيس فريق موظفيه:”دون بوتين، لا توجد روسيا”.
ولاحظ علماء اجتماع أن نسبة التأييد له، لا تعكس إقراراً بسياساته بقدر ما تعكس التأكيد على حضور بوتين. وقد تم إما استبعاد شخصيات من المعارضة ذات صدقية، مثل الناشط في مكافحة الفساد أليكسي نافالني، وإما تم التخلص منهم مثل بوريس نيمتسوف نائب رئيس الوزراء السابق، الذي قتل قرب الكرملين قبل ثلاثة أعوام.
وللحفاظ على نوع من الشرعية، سمح الكرملين لمجموعة من الأشخاص بالترشح ممن لا أمل لهم بالفوز. وبين هؤلاء فلاديمير جيرينوفسكي، القومي المعروف بمواقفه الإنفعالية، فضلاً عن بافيل غرودنين ذي النزعة الستالينية الذي يتزعم الحزب الشيوعي، والصحافية كسنيا سوتشاك التي تحاول ارتداء عباءة المعارضة الليبرالية.
أقل من انتخابات
ورأت أن الاقتراع هو أقل من انتخابات وعبارة عن تتويج، وأكثر ما يستطيع الناس فعله لمعارضة القيصر هو مقاطعة الانتخابات. لا يزال بوتين في حاجة إلى نسبة إقبال عالية على الاقتراع لمنحه الشرعية، وسيتم إجبار الكثيرين من الروس، خاصةً الذين يحصلون على رواتبهم من الدولة، على الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
الولاية الأخيرة…إلا إذا
وفوزه السهل لا يعني أن ولايته الرئاسية الجديدة ستكون سهلة. إنها ستكون الولاية الأخيرة التي يسمح بها الدستور، وبينما قد يحاول خداع القوانين وفق ما فعل جاره الصيني شي جين بينغ، أو الاستمرار في إدارة البلاد من موقع غير رسمي، فإنه كلما طال حكمه كلما أصبح الانتقال في المستقبل أكثر خطورة. وقد بدأت النخبة الروسية فعلاً النظر في الفترة التي ستلي ولاية بوتين الأخيرة وتدرس كيف يمكن لحكم فردي ونظام استبدادي أن ينجح في تغيير القيادة.