أعلنت الرئاسة الجزائرية يوم (9) يونيو الجاري تعليق ( معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون ) التي أبرمت عام 2002 مع إسبانيا ، وذلك بعد تغيير موقف إسبانيا من قضية الصحراء الغربية ، حيث أعلنت في مارس 2022 علناً وللمرة الأولى دعمها موقف المغرب في قضية الصحراء الغربية ، معتبرة أن مبادرة الحكم الذاتي المُقَدمة في 2007 من جانب المغرب هي الأساس الأكثر جدية وواقعية لحل هذا النزاع .. الأمر الذي أثار غضب الجزائر الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو ، حيث أكدت الرئاسة الجزائرية أن موقف الحكومة الإسبانية يعتبر منافياً للشرعية الدولية ، ويساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في الصحراء الغربية والمنطقة .. تصعيداً للموقف اتخذت الجزائر أيضاً عدد من الإجراءات من بينها ( إعلان شركة المحروقات الوطنية سوناطراك رفع أسعار الغاز الذي تسلمه الجزائر لأسبانيا / أصدرت جمعية البنوك الجزائرية تعليمات للمؤسسات المالية تقضي بتجميد عمليات التصدير والاستيراد من وإلى إسبانيا ، ووقف أي عملية توطين بنكي لإجراء عمليات تجارية مع مدريد ) .. وفيما يلي أبرز ما تم رصده في هذا الشأن :
(( الموقف الإسباني ))
1 – أكدت إسبانيا أنها ستدافع بقوة عن مصالحها الوطنية في ضوء قرار الجزائر تعليق معاهدة الصداقة ، وحظرها كل أشكال التجارة مع إسبانيا عدا الغاز ، حيث أكد وزير الخارجية ” خوسيه ألباريس” أن إسبانيا تراقب أيضاً تدفقات الغاز من الجزائر ، ثاني أكبر مورد لها بعد الولايات المتحدة ، لكنها لم تتأثر حتى الآن بالخلاف الدبلوماسي بين البلدين .. من ناحية أخرى أجرى ” ألباريس ” اتصال هاتفي مؤخراً بعدد من مسئولي الأحزاب السياسية وبعض رجال الأعمال الذين لديهم مشاريع في الجزائر ، ليخبرهم بأن المفوضية الأوروبية أبلغته بدور روسيا في هذه الأزمة لخلق أزمة في الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي بعد الحرب التي تشهدها الحدود الشرقية للاتحاد جراء حرب أوكرانيا .
• تعليقاً على ذلك ، أشارت صحيفة ( إلباييس ) الإسبانية إلى أن الاتحاد الأوروبي يرى ضلوع روسيا في الضغط الجزائري على إسبانيا ، حيث نقلت عن مصادر أوروبية الدور الذي لعبه وزير الخارجية الروسي ” سيرجي لافروف ” في هذا الشأن عندما زار الجزائر في (10) مايو الماضي ، حيث خصصت افتتاحية للأزمة الحالية ، مشيرة إلى المستوى الاستراتيجي للتنسيق ( الروسي – الجزائري ) في مختلف القضايا ومنها إعادة تحريك نزاع الصحراء .
2 – أكدت وزيرة الطاقة ” تيريزا ريبيرا ” أنها واثقة من أن شركة الغاز الجزائرية المملوكة للدولة
( سوناطراك ) ستحترم عقودها التجارية لتوريد الغاز الطبيعي إلى المرافق الإسبانية على الرغم من الخلاف الدبلوماسي .
3 – أكدت وزيرة الاقتصاد ” ناديا كالبينو ” أن قرار الجزائر تعليق معاهدة صداقة ثنائية مع بلادها الأسبوع الماضي لم يكن مفاجئاً لأن الجزائر تنحاز بشكل متزايد إلى روسيا ، مضيفة أنها لاحظت تقارباً متزايداً بين ( الجزائر / روسيا ) في اجتماع الربيع لصندوق النقد الدولي قبل أسابيع قليلة .
4 ـ أكد رئيس الحزب الشعبي الإسباني – المعارض – ” ألبرتو فيخو ” أن النتيجة الوحيدة لتغيير موقف رئيس الوزراء الإسباني حول نزاع الصحراء الغربية قد أفضى إلى أكبر أزمة دبلوماسية مع بلد من البلدان الاستراتيجية بالنسبة لإسبانيا وهو الجزائر .
5 – أوضح رئيس الوزراء الأسبق ” خوسي أزنار ” أن الحكومة الإسبانية قامت بخطوة – سخيفة للغاية – مع الجزائر وتركت البلد في وضع حرج .. في إشارة إلى تغيير موقف الحكومة الإسبانية بشأن الصحراء الغربية ، مضيفاً أن حزب ( فوكس ) – ممثل اليمين المتطرف في إسبانيا – طالب باستقالة رئيس الوزراء ” بيدرو سانشيز ” الذي تسبب في إفساد العلاقات مع الجزائر .
(( الموقف الجزائري ))
1 – أعربت وزارة الخارجية عن رفضها واستنكارها لما وصفته بالتصريحات المتسرعة التي أصدرها الاتحاد الأوروبي مؤخراً ، بشأن قرار الجزائر تعليق معاهدة الصداقة مع إسبانيا ، مضيفة أن التسرع والتحيز في هذه البيانات يسلّطان الضوء على عدم ملائمة محتواها ، لكون الأمر يتعلق باختلاف سياسي مع دولة أوروبية ذات علاقة ثنائية ، ولا تؤثر على التزامات الجزائر تجاه الاتحاد الأوروبي .. وقد حذر بيان الاتحاد الأوروبي الجزائر من تداعيات القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا .
2 – تعليقاً على بيانات الاتحاد الأوروبي ، أصدرت بعثة الجزائر لدى الاتحاد الأوروبي – بياناً – أعربت خلاله عن أسفها من موقف المفوضية الأوروبية بشأن الأزمة مع إسبانيا ، واعتبرت أن مفوضية الأوروبية ردت دون استشارة مسبقة ودون التحقق مع الحكومة الجزائرية ، وشدد البيان على أن إجراء تعليق الاتفاقية مع إسبانيا لا يؤثر على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ، وجدد التزام الجزائر ، وفقاً لتأكيدات أعلى سلطة في البلاد ، بـ”عقود الغاز مع إسبانيا”، ولمح إلى أن قرار وقف التصدير والتوريد مع إسبانيا مازال غير رسمي .
(( موقف الاتحاد الأوروبي ))
1 – حذر الاتحاد الجزائر من تداعيات القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا ، مهدداً بإجراءات رد إذا لم تتم تسوية الخلاف ، وأكد كل من ( منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل / المفوض التجاري فالديس دومبروفسكيس ) أن قرار الجزائر حظر التعاملات التجارية مع إسبانيا في أعقاب خلاف دبلوماسي بشأن الصحراء الغربية ، ربما يمثل انتهاكاً لقانون التجارة بالاتحاد الأوروبي ، وأن الاتحاد مستعد للوقوف في وجه أي نوع من الإجراءات القسرية ضد دولة عضو ، ومع ذلك يواصل الاتحاد الأوروبي تفضيل الحوار أولاً لحل الخلافات ، كما أكدا أن الاتحاد الأوروبي مستعد لمعارضة أي نوع من الإجراءات القسرية المطبقة على دولة عضو ، مشيرين إلى أن مؤسسات الاتحاد هي المسئولة عن مسائل التجارة .
2 – دعا الاتحاد السلطات الجزائرية إلى إعادة النظر في قرار تعليق معاهدة تعاون مع إسبانيا ، واعتبر أن القرار مقلق للغاية ، خاصة أن الجزائر شريك مهم للاستقرار الإقليمي ، ودعت المتحدثة باسم مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ” نبيلة مصرالي ” الجزائر إلى إعادة النظر في قرارها ، واستئناف الحوار بينها وبين إسبانيا لتجاوز الخلافات الحالية .
(( موقف جبهة البوليساريو))
شدد السفير المكلف لدى الجبهة في أوروبا والاتحاد الأوروبي ” عاليين الكنتاوي ” أن إسبانيا لا يمكن أن تكون محايدة في نزاع الصحراء الغربية ، بل هي مُلزمة بالتدخل في اتجاه البحث عن الحل العادل والتصرف كوسيط نزيه باعتبارها أصل المشكلة ، وبالتالي يجب أن تكون جزءاً من الحل ، مضيفاً أن أسبانيا بصفتها قوة استعمارية سابقة مسئولة عن إشعال هذا الصراع بسبب خرقها لالتزاماتها كقوة إدارية لإقليم الصحراء الغربية ، بدلاً من توجيه الإقليم نحو تقرير المصير والاستقلال كما طالبت به الأمم المتحدة منذ الستينيات .
بنود ( معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار ) والتي أعلنت الجزائر تعليقها مع إسبانيا :
• احترام الشرعية الدولية ، وتمسك الأطراف المتعاقدة بحسن نية بالالتزامات التي تعهدت بها طبقاً لمبادئ ومعايير القانون الدولي وتلك المترتبة على معاهدات أو اتفاقات أخرى طبقاً للقانون الدولي والتي تكون طرفاً فيها .
• الالتزام بتسوية الخلافات التي قد تنشأ بين البلدين بالطرق السلمية ، بحيث لا تهدّد السلم والأمن الدوليين وتلتزم في جو من الصداقة والثقة بإيجاد حل عادل لكل خلاف ثنائي يتطابق مع القانون الدولي .
• العلاقات الثنائية في المجال القنصلي والمبادلات البشرية وتنقل الأشخاص والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والإتجار غير المشروع بالمخدرات .
• اجتماع رؤساء حكومة البلدين مرة في السنة بالتناوب في الجزائر وإسبانيا ، واجتماع وزراء خارجية البلدين مرة في السنة بالتناوب .
• تشجيع الاتصالات بين القطاعات المنتجة ومصالح البلدين ومشاريع الاستثمار والمؤسسات المختلطة وتنص على تقديم الطرف الإسباني دعمه في مجال تكنولوجيا الصناعة والمؤسسات والمقاييس سواء على المستوى الثنائي أو في الإطار الأكثر شمولية لاتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي .
• التنسيق في المجال الأمني والهجرة السرية ، وتعزيز التعاون بين المؤسسات القضائية في الشئون المدنية والتجارية والجنائية والإدارية .
• تعزيز التعاون بين قواتهما المسلحة ، مع إيلاء اهتمام خاص بتبادل الوفود ، وعقد دورات التدريب والتحسين ، وتنظيم التدريبات المشتركة .
• تنفيذ برامج مشتركة للبحث والتطوير وإنتاج أنظمة الأسلحة والمواد والمعدات الدفاعية الموجهة لتغطية احتياجات الطرفين من خلال تبادل المعلومات التقنية والتكنولوجية والصناعية .
• التعاون في مجالي التربية والتعليم ، من خلال تبادل الطلاب والأساتذة والباحثين الجامعيين والتوثيق العلمي والتربوي ، والاهتمام بتدريس اللغة والحضارة الإسبانيتين في الجزائر والعربية في إسبانيا ، وإنشاء وتشغيل مراكز ثقافية متبادلة .
• التعاون في المجالين السمعي والبصري ، وتولي اهتماماً خاصاً بالتصوير السينمائي وشبكات الكمبيوتر والبرامج التعليمية والثقافية والفنية .
(( حجم التبادل التجاري بين البلدين ))
وفقاً لإحصائيات رسمية صادرة من مصلحة الجمارك الجزائرية لعام 2021، فقد وصل حجم التبادل التجاري بين
( الجزائر / إسبانيا ) إلى (8) مليار دولار ، حيث وصلت واردات إسبانيا من الجزائر مع نهاية العام الماضي إلى (5.64) مليار دولار .. وفيما يخص الصادرات الإسبانية إلى الجزائر نهاية 2021 فقد وصلت إلى (2.16) مليار دولار .