كشفت تقارير فرنسية عدة في اليومين الأخيرين، ارتفاع وتيرة الأحداث في قطر وخارجها، بما يعكس حجم التحولات التي تعرفها الدوحة، بعد الأزمة الخليجية، وجنوح قطر إلى التصعيد في وجه دول المقاطعة، ما دفع بالدوحة إلى خيار المواجهة في الداخل والخارج، في إطار سياسة الهروب إلى الأمام، باعتقال شخصيات قطرية بارزة في طليعتها 4 من أحفاد الحاكم السابق لقطر الشيخ أحمد بن علي آل ثاني قبل إقالته في انقلاب 1972 الذي نفذه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني.
وفي تقرير نشرته مجلة لوبوان، زجت السلطات بعشرين شخصاً ينتمون إلى عائلة آل ثاني الموسعة، أبرزهم طلال بن عبد العزيز بن أحمد بن علي آل ثاني، وعبد الله بن خليفة بن جاسم بن علي آل ثاني، وعلي بن فهد بن جاسم بن علي آل ثاني، وناصر بن عبد الله خالد بن علي آل ثاني، حسب التقرير الفرنسي، فإن المعتقلين الذي يُقيمون في العنبر 6 بسجن الدوحة، متهمون بإصدار شيكات دون رصيد، والاستحواذ على أموال دون وجه حق، والتحايل المالي، أما الشبان منهم، فوجهت لهم تهم حيازة واستهلاك المخدرات، ولكن الصلة الوحيدة بين هؤلاء المساجين هي انتماؤهم جميعاً إلى عائلة الحاكم السابق لقطر علي بن عبد الله آل ثاني، التي تعتبر نفسها أحق بحكم البلاد، بحكم أنه جد الفرع الحاكم في الدوحة اليوم، المتحدر من نسل الشيخ حمد بن عبدالله بن قاسم بن محمد آل ثاني، استولى على السلطة في 1972 من الأمير الشرعي السابق، ولم يكن حاكماً على الإطلاق بما أنه توفي عندما كان ولياً لعهد شقيقه علي بن عبد الله في 1948.
ولكن التطورات التي تعرفها قطر، لا تنتهي في الدوحة، بل امتدت إلى الخارج لتطارد استثمارات وصناديق وشركات الاستثمار التابعة للأمير المتخلي الشيخ حمد بن خليفة، والعاملة في فرنسا، في مؤشر على نهاية شهر العسل السابق بين الأمير المتخلي وباريس، والذي شهد ذروته في رئاسة نيكولا ساركوزي، الذي كان وراء صدور قانون على مقاس الاستثمارات القطرية في البلاد، بعد وصوله إلى الرئاسة في 2007.
ولي العهد السابق
وفي مؤشر على هذا التحول، يُنتظر أن يمثل ولي العهد القطري المُقال من منصبه في 2003 الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني في 12 أكتوبر أمام محكمة مدينة تونون لو بان، بعد اتهامه بالفساد والتحايل، والإخلال بشروط التهيئة والتراتيب في واحدة من أرقى المناطق في فرنسا، على الحدود مع سويسرا وعلى ضفاف بحيرة ليمان الشهيرة على الشاطئ الفرنسي.
وحسب صحيفة لوباريزيان، فإن مقاضاة الأمير القطري، سابقة في تاريخ العلاقة بين البلدين، ذلك أن التجاوزات الكثيرة التي يُتهم بها الشيخ القطري، حظيت وفق تحقيق الصحيفة بموافقة ودعم السلطات السياسية في باريس، التي سمحت للشيخ جاسم بتجاوز مقتضيات ما يُعرف بالمخطط المحلي للتهيئة العمرانية في منطقة سافوا العليا، بعد اتهام رئيسة بلدية المنطقة ماري بيار برتييه، السلطات “السياسية العليا في باريس، بالضغط على بلديتنا للتغاضي عن التجاوزات المرتكبة منذ 2015، والأمر بتفادي بإزعاج الأمير أو التعرض له”.
وتُضيف الصحيفة : “لا بد من التذكير أن فرنسا في ذلك الوقت كانت تُفاوض قطر، جاهدةً لإقناعها بشراء 24 طائرة عسكرية من طراز رافال، مقابل 6 مليارات يورو” وهي الصفقة التي وقعت أواخر مايو 2015.
وفي انتظار قرار المحكمة، خاصةً بعد ظهور دلائل على فساد صفقة شراء قصر الشيخ جاسم بن حمد، والأراضي الشاسعة المحيطة به بطريقة سرية، تتجه الأنظار إلى مستقبل ثروة الأمير الوالد نفسه، الشيخ حمد بن خليفة، بعد الاهتمام المفاجئ للقضاء الفرنسي، وفق ميديا بارت الفرنسي بشركات واستثمارات الأمير المُقال من الحكم، والإخلالات الكثيرة التي شابتها، والقضايا الكثيرة التي رفعها المتضررون منذ بضع سنوات ضد الأمير وشركاته، والمسؤولة عن عملياته المالية في فرنسا، الفرنسية من أصل فلسطيني شادية كلوت، واسمها الحقيقي جيهان صنبر.
ولتفادي المشاكل مع القضاء، بعد وصول الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرئاسة في نهاية حملة انتخابية وعد فيها “بإعادة النظر في الامتيازات الغريبة والمنافية لأبسط مبادئ العدالة الجبائية في بلادنا، والتي حصلت عليها بعض الصناديق القطرية في عهد ساركوزي” عمد الشيخ حمد بن خليفة، إلى التخلي عن صنبر التي أشرفت على عشرات الصفقات بشكل مباشر أو سري، لفائدة صندوق الاستثمار الضخم الذي يملكه الشيخ حمد بن خليفة، وعائلته، والمسجل في هولاندا باسم صندوق مايابان الضخم، الذي يقف وراء عشرات الشركات والصفقات والاستحواذات التي نفذتها جيهان صنبر في فرنسا عبر الشركة التابعة فرانش بروبرتيز، لفائدة الأمير السابق، في فرنسا، وأيضاً في بلجيكا، وفي دول أوروبية أخرى كثيرة.
تهرب ضريبي
وحسب ميديا بارت الفرنسي المتخصص في التحقيقات الصحافية، يُشرف صندوق مايابان الهولندي في فرنسا وحدها، على حوالي 20 شركة تابعة، وتعمل جميعها على شراء قصور، ومبانٍ ومؤسسات اقتصادية فرنسية مختلفة، ومن أشهر الصفقات التي تُثير اهتمام القضاء الفرنسي هذه الأيام، صفقة الاستحواذ على محلات لوبرانتون الفرنسية الشهيرة في 2013، مقابل 1.6 مليار يورو، بطرق مُثيرة للريبة خاصةً بعد تسرب أنباء عن عروض أخرى منافسة للحصول على العلامة الفرنسية الكبرى، مقابل 1.8 مليار يورو، كما ثبت من وثائق لشركة غاليري لافييت التي نافست الصندوق القطري على الصفقة.
ولتفادي المشاكل مع القضاء، الذي ينظر أيضاً في قضيتين شهيرتين في بداية 2018، تتعلق الأولى بظروف وملابسات حصول الشيخ حمد على يخت فاخر، عبر التهرب من الضرائب في فرنسا، على خلاف ما تنص عليه اتفاقية الإعفاء الضريبي بين باريس والدوحة، وتسجيل الصفقة في ملاذات ضريبية، ما كلف الخزانة الفرنسية خسائر هامة من صفقة فاقت 600 مليون يورو، وخاصةً صفقة شراء فندق فيستا بالاس الشهير في جنوب فرنسا، على خليج موناكو، عن طريق شركة أنشأتها جيهان صنبر، قبل 24 ساعة من غلق باب التقدم بعروض لشراء الفندق الشهير، القضية التي تسببت في اتهام صنبر رسمياً في عدد كبير من القضايا التي رُفعت أمام القضاء، خاصةً لمعرفة سبب حصول الأمير على فندق فيستا بالاس مقابل 25 مليون يورو، والحال أن قيمة الفندق الراقي، كانت في تاريخ الصفقة تتجاوز 250 مليون يورو.
بيع أصول وطرد صنبر
وبعد تعدد القضايا التي تُطارد ممثلة الأمير في فرنسا، تخلى الشيخ حمد بن خليفة عن مديرة أعماله بشكل مفاجئ، فطردها من خدمته في آخر يوينو الماضي، وذلك بالتوازي مع تنفيذ برنامج واسع لتسييل أصول هامة في باريس مثل التخلي عن حصته في شركة لوتانير لصناعة الجلود الفاخرة، المزود الرسمي للعلامات الدولية الشهيرة، مثل غوتشي، أو إيف سان لوران، والتخلص من شركة لوربرانتون للعقارات، وخاصةً شركة فرانش بروبرتيز المالكة لأكثر من 20 شركة أخرى تابعة، في مجالات متنوعة كثيرة، مثل السياحة، والعقارات، والإعلام، والرياضة، وغيرها من الأصول والشركات المملوكة للشيخ حمد وشركاته، والمرتبطة بجيهان صنبر الملاحقة من قبل القضاء الفرنسي، والتي أكدت في التحقيقات الكثيرة معها أنها لم تتصرف أبداً، وبناءً على وثائق رسمية، على ما يبدو بشكل منفرد ولكن بأمر من الشيخ حمد بن خليفة، أو مستشاريه المباشرين في الدوحة.