حرب المخابرات.. أسرار صراع «سي أي إيه» لإسقاط ترامب
بات بقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منصبه شكا يراود عددا من المحللين السياسيين في قراءتهم للمشهد السياسي للدولة الكبرى في العالم.
ونقلت تقارير صحفية أمريكية تحليلات سياسيين أشاروا فيها إلى أن أجهزة سيادية بالولايات المتحدة ترفض توجهات ترامب خاصة فيما يتعلق بالقوى المعادية لها «روسيا».
ولم تكن تلك التحليلات ببعيدة عن رأي الاقتصادي الأمريكي مارتن أرمسترونج الذي حذر ترامب في مقال له مما وصفها بـ«مؤامرة حقيقية» تحاك للإطاحة به من منصبه، واتهم السياسيون وعددا من الصحف الكبرى بالتمهيد لذلك، معتبرا أن هذه ليست مجرد تكهنات بل صفقة حقيقية في الواقع.
وسبق هذه التحليلات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذ أعرب عن تخوفه من حدوث انقلاب على نظيره الأمريكي ترامب، ووصف بمؤتمر صحفي في يناير الماضي إن المنافسة السياسية داخل أمريكا بالـ«عهر»، مضيفا أن ذلك يترك لديه انطباعا باستعداد قوى معينة لتنظيم انقلاب على ترامب.
وبعد مرور 6 أشهر على تولي ترامب الرئاسة الأمريكية تصدرت عناوين الصحف تقارير تشير إلى قرب رحيله عن منصبه.
فوضى الاستقالات
ومما شجع توقعات الصحف الأزمات السياسية والتخبطات التي تشهدها الإدارة الأمريكية، فضلا عن علو أصوات داخل الكونجرس تطالب بتنحية ترامب عن منصبه.
واستقال ما يقرب من خمسة مسؤولين حتى الآن من إدارة ترامب فى ظاهرة تحدث لأول مرة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان آخر هذه الاستقالات هو المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، الذى استقال احتجاجًا على تعديل فريق الاتصالات الحكومى لترامب، وفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز».
وجاءت استقالة سبايسر احتجاجا على تعيين ترامب لأنطوني سكاراموتشي في منصب مدير الاتصالات فى البيت الأبيض، والذي أقيل بعد 10 أيام فقط على تعيينه.
وقدم أيضا مايكل دوبكى مدير الاتصالات فى البيت الأبيض استقالته بعد أن شغل منصبه لمدة ثلاثة أشهر.
ونقلت «رويترز» بعض التكهنات بأن وزير الخارجية الأمريكى، ريكس تيلرسون، سوف يستقيل من منصبه، ولكنه نفى تمامًا هذه الشائعات وقال إنه تربطه علاقة طيبة بترامب.
ودفعت الفوضى التي تجري بين رجال الإدارة الأمريكية، ترامب لتعيين وزير الأمن القومي الجنرال جون كيلي في منصب الأمين عام للبيت الأبيض من أجل حسم الأمور وضبط أروقة البيت السياسي الأشهر عالميا.
سحب الصلاحيات
وليس ببعيد عن المشهد مواقف الكونجرس الذي بات يؤرق مضجع ترامب خاصة بعدما فشل الرئيس الأمريكي في تعديل مشروع الرعاية الصحية «أوباما كير».
وتحدى الكونجرس الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات جديدة على موسكو، إذ وافق مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة على فرض عقوبات جديدة ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية رغم اعتراضات الرئيس الأمريكي على التشريع، وهو الأمر الذي أجبر ترامب نفسه على التوقيع على قرار العقوبات.
وانزعج ترامب من قانون العقوبات داعيا الكونجرس لترك مساحة تسمح له بالتفاوض السياسي مع بوتين.
وأشارت شبكة «سى إن إن» إلى أن الكونجرس بإصداره قانون فرض العقوبات، يستعيد صلاحيات من ترامب فى الشؤون المتعلقة بالأمن القومى، إذ يقترح الجمهوريون مراجعات جديدة لكبح جماح سلطة البيت الأبيض فى بعض القضايا لتتجاهل رغبات إدارة ترامب فى الأمن القومى والسياسة الخارجية.
حروب الـ«سي أي إيه»
ميول ترامب ناحية التوافق مع أكبر دولة معادية لـ«سي أي إيه»، قد يجعل اعتلائه عرش الإمبراطورية الأمريكية العظمى على المحك، وفي هذا الشأن، تنبأت صحيفة "الجارديان" البريطانية بسقوط الرئيس الأمريكي.
وذكرت في تقرير لها تحت عنوان «رئاسة ترامب قد تنتهي خلال سنة فقط»، قائلة إن ترامب قد يتم عزله بعد مضي أقل من سنة على توليه رئاسة الولايات المتحدة، مرجعة سبب ذلك إلى التحقيقات بشأن الدور الروسي في حملة الرئيس الأمريكي الانتخابية، خاصة بعد تشكيل لجنة تحقيق عليا، تتمتع بصلاحيات واسعة من بينها استدعاء الشهود والاطلاع على الوثائق السرية.
وأفادت صحيفة «واشنطن بوست»، بأن المخابرات الأمريكية «سى أى إيه» أبلغت الرئيس السابق باراك أوباما قبل الانتخابات بأن اختراق حسابات الحزب الديمقراطى تم بأمر من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لضرب هيلارى كلينتون ودعم دونالد ترامب.
وباتت التسريبات السرية مُهيّجة للرأي العام ضد ترامب، آخرها التي تتهم أقاربه من بينهم نجله الأكبر وزوج ابنته جاريد كوشنير بإجراء اتصالات سياسية سرية مع الروس.
وكشفت صحفا أمريكية عقد مستشار ترامب للأمن القومى مايكل فلين لقاءً سريا مع السفير الروسى بواشنطن، ما أدى إلى استقالة رجل ترامب، وهي ذريعة دفعت بعض الأصوات داخل الكونجرس للمطالبة بعزل ترامب وتعيين نائبه مايك بينس، وفقًا لوكالة «رويترز».
وتسببت الشهادة التى أدلى بها مدير «إف بى أى» المعزول جيمس كومى أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ في أزمة لترامب، إذ أكد خلالها أن الرئيس الأمريكي طلب منه إسقاط التحقيق المتعلق بمستشار الأمن القومى السابق، مايكل فلين، بحسب ما نشرته مجلة «نيوزويك».
ويشير محللون إلى أن لقاءات رجال ترامب بالروس يثير حفيظة رجال المخابرات الأمريكية لما بين روسيا والولايات المتحدة من حروب ظل تديرها أجهزة المخابرات.
وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» رفع 196 عضوًا ديمقراطيًا فى الكونجرس الأمريكى دعوى قضائية ضد الرئيس الأمريكي بتهمة استغلال منصبه الرئاسى لجمع مكاسب مادية من الخارج، وقدم الدعوى 30 سيناتور و166 نائبًا.
إجراءات معقدة
وقال أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، إن علاقة ترامب بالمخابرات الأمريكية «سى أى إيه» متوترة تمامًا، كما أن هناك اختلافا تاما فى الرؤى بين الطرفين، وذلك لأن أغلب هذه القيادات معينة من قبل الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
وفيما يخص طلب بعض أعضاء الكونجرس بعزل ترامب، عقّب صادق في تصريحات لـ«الزمان»، بأن أغلب هؤلاء الأعضاء من الديمقراطيين، ولكن الكونجرس أغلبيته من الحزب الجمهورى، مؤكدًا أن عملية عزل رئيس أمريكى ليست سهلة بهذا الشكل، وأن كل هذه المطالبات تعد مجرد ضغوط ومساومات، لوقف ترامب عن التأثير على الدولة العميقة بأمريكا.
وفيما يخص استقالات المسؤولين الأمريكيين من إدارة ترامب، رأى أن معظمها إقالات وليست استقالات، لأن كل هؤلاء المسؤولين أخطأوا لذلك قام ترامب بعزلهم، فعلى سبيل المثال، المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، تصريحاته الصحفية تسببت فى مشاكل كثيرة لترامب، لذلك اضطر لأن يقيله.
ومن جانبه أشار الدكتور محمد حسين، أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية جامعة القاهرة، إلى أن إجراءات عزل الرئيس الأمريكى معقدة جدًا، مضيفًا أن هناك خلافًا دائمًا بين ترامب والكونجرس ويتضح هذا فى إبطال برنامج الرعاية الصحية مرتين متتاليتين.
وأردف حسين بأن ترامب يدير البيت الأبيض بطريقة غير معهودة لأنه أتى من خارج النخبة السياسية، فهو يدير أمريكا بعقلية رجل أعمال وليس كرجل سياسى مخضرم، وهذا لا يناسب دولة بحجم الولايات المتحدة، وذلك أدى إلى صدام مع الأجهزة السيادية مثل الكونجرس والمخابرات الأمريكية.