آراء أخرىعاجل

حسن حنفي يكتب هل يصبح الخليج بديلاً عن مصر بؤرة للعرب؟

نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً للكاتب حسن حنفي تحت عنوان هل يصبح الخليج بديلاً عن مصر بؤرة للعرب؟ جاء فيها الأتي : 
يشتد حزن العربى القومى عندما يرى أن الخليج قد حل محل مصر التقليدى بؤرة للعرب. وفى إحدى الصور المشهورة، يجلس الملك فاروق بطربوشه على كرسى، ويلتف حوله الأمراء العرب بجلابيبهم البيضاء كالمركز والدائرة. وهو ما يعبر عن الصلة بين المركز والأطراف، بين مصر والعرب. كانت مصر دولة، والخليج مجرد عائلات وقبائل لم تتحول بعد إلى دول أو اتحاد. وكانت مركزا للعلم والثقافة والفن. يأتيها كل كاتب وفنان. ويبرز موهبته فيها. كانت مصر دولة يُقدر عمرها بآلاف السنين، ومدن الخليج مجرد تجمعات عمرانية حول النفط الذى اكتشف حديثا. كانت مصر دولة مستقلة تعرف الحكم النيابى والتعددية الحزبية والثورات الوطنية مثل ثورة 1919، وثورة 1952. تأتى إليها البعثات التعليمية والعلمية من أطرافها قبل الذهاب إلى أوروبا. عرفت حركة التحرر الوطنى منذ ثورة عرابى 1882 حتى ثورة الربيع العربى 2011. ثم امتدت إلى الأطراف فى تونس والجزائر والمغرب واليمن والعراق. عرفت طرق التنمية، بناء القناطر والسدود، وإقامة المصانع، وتكوين الاقتصاد الوطنى المستقل بفضل طلعت حرب. مواردها الاقتصادية ثابتة من الزراعة ومياه النيل والسياحة. فى حين أن موارد الخليج وهو النفط وقتية. قد ينضب بعد عشرات السنين.

كانت مصر دائما مركزا لحركات التحرر الأفريقية. وكان موقعها بين أفريقيا وآسيا، تربط بين شرق الوطن العربى ومغربه، وقريبة من البحر الأبيض المتوسط. فمن يحكم مصر يحكم العالم، كما قال ليبنتز فى مشروعه لغزو مصر الذى قدمه إلى لويس ملك فرنسا. مصر القلب والخليج الجناح. ودون القلب لا يستطيع الجناح أن يطير. ودون الجناح يظل القلب نابضا فى مكانه لا يتحرك. ومصر صاحبة مبادرات الحرب والسلام التى انتهت بالهزيمة فى 1948 وفى 1967، وبالنصر فى 1973. ثم بدأت مصر مبادرات السلام بزيارة الرئيس السادات إلى القدس فى 1977، وباتفاقية كامب ديفيد فى 1978 وبمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى 1979. وما قامت به مصر علنا ونالت جزاء المقاطعة، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة يقوم به الخليج الآن سرا ولا يعترض أحد. وعادت الجامعة العربية من جديد إلى مصر. ولعبت الدور الأكبر فى المصالحة الفلسطينية بين فرقاء الكفاح دون أن تأخذ طرفا دون طرف.

وفى مصر قامت النهضة العربية باتجاهاتها المختلفة، الإصلاح والتجديد والتحديث على أكتاف المصريين أو العرب المهاجرين. وفيها ازدهرت الحركة القومية العربية بالرغم من بدئها بالشام ضد الدولة العثمانية. وارتفع صوت العرب من القاهرة. وفيها بدأت تجارب الاشتراكية العربية أو التطبيق العربى للاشتراكية. وأصبحت القومية والاشتراكية والحرية شعارا لكل العرب، تهدد نظم الخليج الرأسمالية النفطية العائلية التى تخشى من العمالة العربية، فى حين أن العمالة الآسيوية أضعاف العمالة العربية.

وعندما دارت الدائرة على مصر، وخرجت من مركز الثقل العربى بعد غزو أمريكا للعراق، وضرب روسيا لسوريا، وعُقدت المؤتمرات من أجل حل القضية السورية بين روسيا وأمريكا وتركيا وإيران مع استبعاد مصر، ودخلت مصر عضوا فى قوات التحالف العربى بطيرانها، أصبحت مقودة لا قائدة. وعندما تم حصار قطر كانت الأولوية للسعودية والإمارات والبحرين. وجاءت مصر فى المؤخرة حتى إن البعض يتساءل: وما دخل مصر فى الخليج؟ ولم تستطع مصر حتى الآن إتمام المصالحة بين الأطراف المتنازعة فى ليبيا. وأخذت صف طرف دون طرف آخر. وضرب الطيران المصرى درنة فى الجنوب. فأصاب المدنيين أكثر مما أصاب داعش. وعادتها السودان. واتهمتها بتسليح المعارضة فى كردفان وجنوب السودان. ونشب القتال فى سيناء والواحات. ووقعت التفجيرات فى الوادى. ومدت مصر يدها شرقا وغربا طلبا للعون من القوى الكبرى والصغرى والبنوك الدولية. وارتفعت الأسعار. وعانى المصريون. حولت القوى الكبرى، روسيا وأمريكا، اهتمامها بالشرق الأوسط من مصر إلى الخليج. فلديه المال النفطى. وهو مستعد للدخول فى صفقات مالية وتجارية حتى على حساب قضية فلسطين. وهى التى تحيط بإيران. وتعادى حزب الله. فيمكن لأمريكا حينئذ أن تقوم بتقليم أظافر إيران وحزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن عن طريق وكلائها فى المنطقة، دول الخليج. وتدير الحرب وتوجه المعارك عن بعد. ولا يستطيع مركز الثقل القديم، مصر، أن يعترض نظرا لاعتماده على الخليج فى استثماراته وأمواله. والعمالة المصرية رهينة فى حالة الاعتراض من مصر. وهى قادرة على المقايضة، كما فعلت فى اتفاقية رسم الحدود، وكما يُخطط الآن لتنفيذ صفقة القرن. وإنشاء الدولة الفلسطينية امتدادا لجنوب غزة فى سيناء فى مقابل تعميرها وتشجيرها وتصنيعها والقضاء على الإرهاب فيها حتى تتسع لخمسة ملايين مواطن. هم عدد الفلسطينيين فى الضفة والمخيمات. ويكون الطيران مباشرا بين الرياض وتل أبيب، كما أراد ترامب. وكما تنتهى مأساة اليهود على حساب الفلسطينيين، تنتهى مأساة الفلسطينيين على حساب المصريين. فكلهم عرب. ومعظمهم مسلمون لا يعرفون الحدود فيما بينهم. فلسطين أرض المعاد عند اليهود، أما عند المسلمين «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».

لم تعد مصر قادرة على أن تكون مركزا للعرب بعد قص ريشها. فأصبحت غير قادرة على الحركة. مصر تاريخها وليس حاضرها. ومستقبلها مجهول. أما الخليج فحاضره ومستقبله وإن لم يكن له تاريخ، والقوى الكبرى تريد من أمامها دفاعا عن مصالحها ولا يهمها إذا كانت ثروته ستنضب فى أقل من خمسين عاما. فالنفط يحتاج إلى مليارات من السنين كى يتراكم من جديد فى باطن الأرض. مصر دولة لها تاريخ. وليست نظامها السياسى المتغير. فى حين أن الخليج نظام سياسى اقتصادى لا يقوم على دولة عبر التاريخ. الحكم زائل والتاريخ يتراكم. تحتاج إلى الاعتماد على النفس وليس على الغير. تحتاج إلى قائد مثل صلاح الدين ومحمد على وناصر كما قال ابن خلدون: لا يفلح العرب إلا بنبوة أو ولاية. ولما انتهت النبوات فلم يبق إلا الولايات، ليست الصوفية بل السياسية. فالروح فى التاريخ. والتاريخ فى الروح.


Warning: mysqli_query(): (HY000/1): Can't create/write to file '/tmp/#sql_635f_0.MAD' (Errcode: 5 "Input/output error") in /home/hadasnow/public_html/wp-includes/class-wpdb.php on line 2459
زر الذهاب إلى الأعلى