لم يجن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من إعلان القدس عاصمة للاحتلال الصهيوني، سوى العديد من الخسائر المتلاحقة التي أثرت على الدور الأمريكي على صعيد ثقله والثقة التي منحتها له الدول العربية على مدار عقود، نظرا للتغيير المفاجئ والعميق في السياسة الأمريكية المطبقة منذ أمد بعيد والمرتبطة بقضية رئيسية في الشرق الأوسط.
غطرسة ترامب
وبحسب مركز “كارنيجي” لأبحاث الشرق الأوسط، فإن جميع الرؤساء الأميركيين السابقين منذ عهد هاري ترومان، تعاملوا مع القدس بحكمة وتجنبوا المساس بها، لأنها قضية بالغة الصعوبة والتعقيد، وتتعلّق بالهويات الوطنية للجانبين وحسب بل أيضًا بالحساسيات الدينية للديانات التوحيدية الثلاث.
وأعربت حكومة الاحتلال والحكومة الفلسطينية المتعاقبة عن مواقف صارمة ومتضاربة بشأن هذه القضية، وبالنسبة إلى الكيان الصهيوني، تعتبر القدس (داخل حدودها البلدية الموسعة) العاصمة الموحدة والأبدية للاحتلال، وبالنسبة إلى الفلسطينيين، فإنها لا سلام من دون دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وبسبب الأهمية الدينية التي تحتلها المدينة، يعرب الرأي العام من كلا الجانبين بشكل متزايد عن عدم استعداده للمساومة مع ذلك، ولايمكن إنهاء الصراع إلا إذا تمت المصالحة بين الموقفين غير المتوافقين. وقد بقيت الولايات المتحدة، بوصفها الراعي الرئيسي لجهود السلام على مدى عقود عديدة، متمسكة حتى الآن بالموقف القائل إن قضية القدس لا يمكن أن تحل إلا من خلال المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
فقدان الثقة
يضع إعلان ترامب الولايات المتحدة بشكل واضح في صف الاحتلال في هذه القضية الأكثر إثارة للانقسام، ولم يقدّم سوى القليل للتخفيف من وطأة الضربة على الفلسطينيين، صحيح أن الرئيس قال أيضًا إن الولايات المتحدة لاتتخذ موقفًا من أي قضايا تتعلّق بالوضع النهائي، بما في ذلك حدود الأراضي الإسرائيلية في القدس، وإنه أمر يُترك للطرفين لحلّه، بيد أن اعترافه الرسمي بالمصالح الخاصة بالكيان الصهيوني في القدس، لم يقابله أي حديث عن المصالح أو الطموحات الفلسطينية في المدينة.
نهاية خطة السلام
نظرًا إلى ردود الفعل السلبية حيال إعلان ترامب في أوساط الفلسطينيين وداعميهم، بات من الصعب جدا تصور المسار المحتمل لأي خطة سلام تضعها الإدارة الراهنة
ويتساءل الفلسطينيون، كيف يمكن للولايات المتحدة أن تكون وسيطًا عادلًا في عملية السلام، بعد انحيازها للكيان الصهيوني حول المسألة الأكثر حساسية، حتى قبل إطلاق المفاوضات، كما يستنتجون أيضًا أن الولايات المتحدة إنصاتا للاعتبارات السياسية الإسرائيلية منها لحساسيات الفلسطينيين.
وفيما ستبحث القيادة الفلسطينية عن سبل احتواء الضرر الحاصل والتمسك ببصيص أمل للمفاوضات، ستتحمّل وزر ضغوط شعبية هائلة حتى لاتبدو أنها “تخلت” عن القدس.