أكّد الكاتب السياسي جوزف دانا أنّ العلاقات التجارية العميقة بين أنقرة وتل أبيب تكشف الخطابات الفارغة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن القدس. وكتب في مجلة ذا ناشونال الإماراتية أنّ تركيا سعت منذ أكثر من عقد إلى إعادة تقديم نفسها كمركز سياحي وتجاري دولي. وكانت الخطوط الجوية التركية جزءاً مهماً من هذا التحول، حيث تؤمّن هذه الخطوط رحلات جوية إلى العدد الأكبر من الوجهات حول العالم وجعلت إسطنبول مدينة عالمية.
ونظراً للامتداد الدولي لهذه الخطوط، من المفاجئ أن يكون أحد مساراتها الأكثر شعبية ومكسباً هو المسار من تل أبيب إلى إسطنبول. إنّ الخطوط الجوية التركية هي ثاني أكبر شركات الطيران شعبية على مستوى نقلها للمسافرين من تل أبيب، بعد خطوط إل عال الإسرائيليّة.
شريك موثوق به لإسرائيل
ويضيف دانا أنّه مع أكثر من 12 رحلة يومياً من تل أبيب إلى إسطنبول، مقسومة بين الخطوط التركية وشركة بيغاسوس المنخفضة الكلفة، تشكل تركيا قوة مهيمنة في سوق الطيران الإسرائيليّة. لكنّ ذلك ليس سوى جانب واحد من الشراكة الاقتصادية العميقة بين تركيا وإسرائيل. بغض النظر عن خطابات أردوغان القوية دعماً للفلسطينيين، تبقى تركيا الدولة الوحيدة في العالم المسلم باعتبارها واحدة من الشركاء الموثوق بهم من قبل تل أبيب.
خطابه حول القدس ناقص
بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل علت الإدانات في العالم العربي. وكان الصوت التركي صارخاً في هذا الإطار، إذ استضاف أردوغان قمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول. في نهاية القمّة، أعلنت تركيا أنّها ستعترف بالقدس الشرقيّة عاصمة لفلسطين وأنها ستفتتح سفارة لها هناك. وتسبّب محاولات أردوغان في قيادة الدفاع عن القدس بتوتر مع القادة العرب حول قضايا إقليمية أشمل. ومع ذلك، كان هنالك شيء ما ناقص في الخطاب التركي الداعم للفلسطينيين: خطة لقطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل.
شراكة بارزة في قطاع الغاز
بغضّ النظر عن شعبية الرحلات الجوية بين تل أبيب واسطنبول، تتمتع تركيا بعلاقة اقتصادية نشطة متوّجة بمحاولات مشتركة للدخول بقوة إلى أسواق الغاز الطبيعي في أوروبا. يشير الكاتب إلى سنة 2009 التي حملت اكتشافاً إسرائيلياً لاحتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي بالقرب من سواحلها. وتكمن المشكلة في الطريقة الفضلى لتصديره إلى أسواق أوروبا التي تحرص على التخلص من الاعتماد على الغاز الروسي. وعوضاً عن العمل مع قبرص أو اليونان أو الاستثمار في وحدات التسييل، كانت تل أبيب تعمل عن كثب مع أنقرة لإنشاء خط أنابيب إلى تركيا. وقد ساعدت آفاق شراكة الطاقة هذه على التخفيف من التوترات السياسية بين الدولتين والتي ظهرت خلال السنوات السبع السابقة.
وساطة إسرائيلية لتركيا
وفي سياق المحاولات لجعل نفسها مركزاً دولياً لتجارة الطاقة، عملت تركيا مع إسرائيل وكردستان العراق لإنشاء خطوط أنابيب تجلب موارد هايدروكاربونية إلى تركيا ومن ثمّ تصديرها إلى الأسواق الأوروبية. في يوليو الماضي، نقلت شبكة بلومبيرغ أنّ تركيا كانت تدفع إسرائيل إلى إقناع القبارصة بالسماح لخط أنابيب يشكل صلة وصل بين إسرائيل وتركيا بالمرور عبر أراضيهم. لكنّ الشراكة الاقتصادية ليست محدودة بالغاز الطبيعي. نتيجة للحرب الأهلية في سوريا، كانت تركيا تستخدم مرفأ حيفا كبوابة هامّة للوصول إلى الدول غير الساحلية مثل الأردن. كانت البضائع التركية تتدفق عبر سوريا لكنّها اليوم تتدفق عبر إسرائيل.
راهن على الإخوان فخسر
ويضع دانا العلاقات الاقتصادية جانباً ليكتب عن استخدام أردوغان لدعمه الفلسطينيين كجزء من سياسة حشد التأييد الداخلي له. فمع دعمه القوي لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وفرعه في غزة، حركة حماس، استخدم أردوغان القضية الفلسطينية للحفاظ على أهمية بلاده بعد الثورات العربية التي عمل من خلالها على الدفع إلى تحول كامل في الشرق الأوسط. لقد أمِلت أنقرة أن يصل الإخوان المسلمون إلى السلطة وأن تبرز تركيا كقوة إقليمية نيو عثمانية عظمى. لكن هذه الاستراتيجية فشلت ووجد أردوغان نفسه تحت انتقادات المتظاهرين من جميع الاتجاهات السياسية. ووجد نفسه أيضاً يصارع لتعزيز سلطته الإقليمية بعد الرهان على الجانب الخطأ في الثورات العربية. ونتيجة لذلك، كان الحل المنطقي للرئيس التركي أن يدعم القضية الفلسطينية بقوة.
خطابات جوفاء
العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل وتركيا لم تكن يوماً في خطر، حتى في أوج المشاكل الديبلوماسية التي أعقبت هجوم إسرائيل على سفينة مساعدات تركية لغزة سنة 2010. وبالرغم من تراجع العلاقات السياسية بين البلدين، سمحت إسرائيل للخطوط التركية بالتحليق في سمائها كما تطورت الشراكة في قطاع الغاز. ويشدد الكاتب على أنه من دون إدخال تركيا تغييراً على العلاقات الاقتصادية العميقة مع إسرائيل، تبقى الكلمات النارية عن معاملة إسرائيل للفلسطينيين مجرد خطابات جوفاء.